أصدر رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، قراراً بإنشاء جهاز أمني بصلاحيات واسعة، تحت اسم "جهاز دعم الاستقرار"، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في البلاد، وتوقعات بتسببه في إشعال مزيد من الخلافات بين قيادات العاصمة، خصوصاً بينه وبين وزير الداخلية فتحي باشا أغا، نظراً إلى أن هذا الجهاز تتداخل صلاحياته مع الأجهزة الأمنية التابعة للأخير.
وقوبل قرار السراج بإنشاء الجهاز الأمني باستهجان من قبل النشطاء الليبيين ورواد مواقع التواصل، بسبب اسم الرجل الذي كلف رئاسته، وهو عبد الغني الككلي، الشهير بـ"غنيوة"، الذي يعد أشهر قادة الميليشيات المسلحة في طرابلس، وأكثرهم إثارة للجدل، وكذلك نوابه، وهم أيوب أبو راس، وحسن أبو زريبة، وموسى بالقاسم، الذين يعدون من بين أبرز القيادات في كتيبة ثوار طرابلس.
ونص القرار على أن يكون المقر الرئيس للجهاز بمدينة طرابلس، مع جواز إنشاء فروع أو مكاتب له بالمدن أو المناطق الأخرى.
صلاحيات واسعة ومبهمة
لم تكن الأسماء التي كلفت قيادة هذا الجهاز هي فحسب من أثارت استغراب وغضب قطاع واسع من الشارع الليبي، بل أيضاً الصلاحيات الواسعة التي منحت له، بحسب القرار الذي أصدره وعممه السراج، التي تشمل "تعزيز الإجراءات الأمنية الكفيلة بحماية المقرات الرسمية للدولة من أي تهديدات أمنية، وحماية المسؤولين كلما تطلب الأمر ذلك، بالتنسيق والتعاون مع الجهات المختصة"، وكذلك "المشاركة في تأمين وحماية الاحتفالات والمناسبات الرسمية، والنشاطات الشعبية، ونشاط مؤسسات المجتمع المدني المأذون لها من الجهات المختصة".
وكان أكثر الاختصاصات والمهام المنوطة بالجهاز، التي حظيت بانتقادات كبيرة، هو "المشاركة كلما اقتضت الضرورة في تنفيذ العمليات القتالية، بما في ذلك الاقتحام والمداهمة والملاحقة الأمنية، بالتنسيق والتعاون مع الجهات المختصة، ومكافحة الشغب وفض الاشتباكات التي ينفذها المسلحون الخارجون عن القانون في المدن والقرى الليبية، بالتعاون مع مديريات الأمن والأجهزة المختصة بالمدينة". إضافة إلى اختصاصات أخرى بدت مبهمة، أثارت كثيراً من التساؤلات حولها، وهي المتعلقة بـ"المشاركة في عمليات القبض وملاحقة المطلوبين في القضايا التي تهدد الأمن القومي للدولة، بالتنسيق مع الجهات الأمنية والقضائية، والتعاون الأمني وتبادل المعلومات مع كل الأجهزة المختصة بمكافحة كل ما يهدد الأمن القومي واستقرار المجتمع".
اجتماع أمني غامض
ذكرت مصادر متطابقة في العاصمة طرابلس أن إنشاء جهاز دعم الاستقرار الذي أعلنه السراج بشكل مفاجئ، جرى بعد اجتماع طارئ، جمع في قاعدة بوستة البحرية رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج ووزير دفاع حكومة الوفاق صلاح الدين النمروش ورئيس أركانها العام محمد الحداد وآمر إدارة الأمن المركزي عبد الغني الككلي، وآمر الكتيبة 166 محمد الحصان، وآمر كتيبة النواصي مصطفى قدور.
ورجحت أن الاجتماع وما صدر بعده من قرارات جاء رداً على قرار وزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي باشا أغا، إطلاق عملية أمنية كشف عنها قبل أيام، تحت اسم "صيد الأفاعي"، تستهدف ما وصفها بالميليشيات المسلحة وعصابات تهريب البشر والجريمة المنظمة في غرب البلاد.
وقالت المصادر "قادة الميليشيات المسلحة في طرابلس، الذين يوالي أغلبهم فايز السراج، استبقوا تنفيذ وزير الداخلية لخطته، التي تستهدف الهجوم على كتائبهم وحلها، بتشكيل هذا الجسم الأمني الذي يوحدهم، استعداداً لأي مواجهة محتملة مع قوات تابعة للحملة الأمنية عليهم، التي أعلنها باشا أغا".
منافسة خطرة
من جانبه، يرى الباحث والأكاديمي الليبي فرج الجارح، أن "هذا التوتر الذي بات يسود المشهد العاصمي، بسبب التنافس الشديد بين قادته، ينبئ بصدام قريب في طرابلس بين هذه الكتائب، التي يبدو أنها تعد لمعركة تكسر العظام، للسيطرة على العاصمة".
وأضاف "تفاصيل عملية صيد الأفاعي، التي كشفها وزير داخلية الوفاق، كان واضحاً منها أنه يسعى من خلالها لتفتيت القوات التي يتحصّن خلفها خصمه فايز السراج، وتتمثل بميليشيات طرابلس وقادتها، وتسليم مفاتيح المدينة لقوات مدينته مصراتة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع "كان الجميع ينتظر رد كتائب طرابلس، وقد أوضحته أخيراً بتشكيل هذا الجسم الأمني الذي يوحدها، والجميع في انتظار ساعة المواجهة التي باتت قاب قوسين، وسيشعل فتيلها الصراع على السلطة بين القيادات السياسية في طرابلس، التي لو وقعت ستنسف كل الخطوات الإيجابية التي قطعت لحل الأزمة الليبية في الفترة الأخيرة".
كوبيتش يتسلم منصبه
في سياق آخر، قال متحدث الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إن "الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عين أمس الاثنين السلوفاكي يان كوبيتش، بشكل رسمي، ممثلاً خاصاً له في ليبيا ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم فيها"، مبيناً أنه "سيتسلم منصبه في أوائل فبراير (شباط)، وستبقى الممثلة الخاصة بالإنابة، الأميركية ستيفاني ويليامز، في منصبها حتى نهاية يناير (كانون الثاني) لضمان التسليم السلس".
في المقابل، نادت عدة شخصيات ليبية ببقاء ويليامز في منصبها وقتاً أطول، حتى استكمال خريطة الطريق التي وضعتها لحل الأزمة، والتي حققت فيها نجاحاً كبيراً، بعكس كل المبعوثين الأممين الذين سبقوها في المنصب.
وطالبت السيدة اليعقوبي، عضو مجلس النواب، باستمرار ستيفاني حتى انتهاء الحوار السياسي الليبي، الذي يشهد تعثراً وتعقيداً عكس المسارات الأخرى، بينما اعتبر محمد صوان، رئيس حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، أن "الدفع بتسلم المبعوث الجديد للأمم المتحدة مهامه في ليبيا في هذا التوقيت الحساس، الذي توشك فيه ستيفاني ويليامز على إنهاء المرحلة الأخيرة لمسار الحوار، وتتويج جهودها الناجحة، وجهود فريق الحوار الليبي، أمر مثير للاستغراب والتساؤل، وقد ينسف مسار التسوية برمته، ويعود بنا إلى نقطة الصفر".