بينما يسارع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إعادة ضبط الحكومة الفيدرالية لتلائم أولوياته، وجد نفسه مضطراً للتخلص من بقايا شخصيات سياسية وحزبية بارزة عينها الرئيس السابق دونالد ترمب، وأخفى بعضها خلال أيام حكمه الأخيرة في وظائف مهنية داخل الحكومة الفيدرالية، وتثبيت أخرى بدلاً منها في هذه الوظائف، لكن محاولات ترمب ملء الوكالات الفيدرالية بالموالين له قبل أن يغادر السلطة ولفترات تمتد في بعض الحالات إلى سنوات عدة، تقوض جهود الرئيس الجديد لبدء سنوات حكمه بصفحة جديدة لا تشوبها شائبة من مخلفات ترمب بين دهاليز الحكم.
أنصار ترمب في حكومة بايدن
وإذا كان بعض الشخصيات التي عينها ترمب معروفة في أوساط الحكم، مثل مسؤول خدمات الصحة العامة والمستشار العام لمجلس علاقات العمل، ورؤساء مكتب حماية المستهلك، ومسؤولين في الوكالة الأميركية للإعلام العالمي، فإن بعض الموالين للرئيس الجمهوري السابق في المناصب الأدنى درجة والأقل شهرة، الذين ساعد بعضهم في تنفيذ سياسات إدارته المثيرة للجدل، ينتشرون في سائر أنحاء حكومة بايدن وفي مناصب عليا دائمة، لدرجة أنه قد يكون من الصعب على القيادة الجديدة التعرف عليهم، ومن ثم إزاحتهم من مناصبهم.
وعلى سبيل المثال، عين ترمب قبل أربعة أيام فحسب من نهاية ولايته، مايكل إليس، وهو ناشط جمهوري سابق خدم ضمن إدارته في البيت الأبيض، في منصب كبير محامي وكالة الأمن القومي، ما تسبب في ضجة كبيرة اضطرته إلى الحصول على إجازة مدفوعة الأجر في غضون ساعات من توليه منصبه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحسب ما كشفت صحيفة "واشنطن بوست"، عمد ترمب خلال الأسابيع الأخيرة من حكمه إلى تحويل عشرات من المعينين السياسيين الموالين له إلى مناصب مهنية دائمة تسمح لهم بالبقاء في الحكومة لسنوات مقبلة، إذ يمكن أن يتمتعوا بالحماية من الإقالة كمسؤولين مهنيين غير حزبيين، ما لم تكتشف إدارة بايدن الجديدة عن أنهم حصلوا على وظائفهم بشكل غير قانوني، ومن دون منافسة بسبب انتمائهم السياسي.
عملية الاختباء
ويطلق بشكل غير رسمي على نقل وتغيير موظفين معينين سياسياً إلى وظائف مهنية مدنية، عملية الاختباء، وتجرى هذه العملية في نهاية كل فترة رئاسية بشكل مثير للجدل، مثلما حدث قبل أربع سنوات حينما هدد مساعدو الرئيس ترمب وحلفاؤهم من الحزب الجمهوري في الكونغرس في بداية ولاية ترمب بإقالة أي معينين سياسيين من عهد أوباما تمت إعادة تعيينهم في وظائف مهنية حكومية.
لكن ترمب الذي غادر منصبه الأربعاء الماضي في طريقه لتجاوز عدد الديمقراطيين الذين كافأتهم إدارة أوباما في عامه الأخير بنقل 29 شخصاً من وظائفهم السياسية إلى وظائف مهنية، في حين أن ترمب عين 26 شخصاً خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2020، وفقاً لبيانات مكتب إدارة شؤون الموظفين في الكونغرس، بينما تنتظر تسعة تعيينات أخرى المراجعة عن شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ولا تزال بيانات شهر ديسمبر (كانون الأول) والأيام الـ20 الأولى من يناير (كانون الثاني) غير متوفرة لدى الكونغرس.
وتثير عملية الاختباء استياء وغضباً واسعين من الجماعات السياسية المدافعة عن الحكم الرشيد، وكذلك من الحزبيين في مقاعد المعارضة خارج السلطة التنفيذية، حتى عندما تتم هذه التعيينات بشكل قانوني، أي عندما يخضع الشخص المعين للمنافسة على المنصب، ويصبح المرشح الأول المؤهل للوظيفة على أساس الجدارة والاستحقاق والخبرة العملية ومن دون أن يكون الانتماء السياسي أو الولاء هو سبب فوزه بالوظيفة.
انتهاك للقانون
ووفقاً للقانون الأميركي، فإن تعيين الشخص الذي كان يشغل منصباً سياسياً في وظيفة مهنية يجب أن يخضع للتدقيق من قبل مكتب شؤون الموظفين الفيدرالي لمدة خمس سنوات بعد ترك الشخص الوظيفة السياسية، كما أن هذه التعيينات قد تنتهك أيضاً قوانين الخدمة المدنية، كما حدث خلال إدارة جورج دبليو بوش عندما تبين أن مونيكا غولدنغ وهي محامية شابة في وزارة العدل تنتمي إلى اللجنة الوطنية الجمهورية، انتهكت القانون حين وجهت على أساس سياسي قرارات التوظيف في عدد من الوظائف المهمة.
ولم تكن كل تعيينات ترمب في مناصب الخدمة المدنية معلومة لدى إدارة بايدن، إذ لم تعلن بعض الوكالات الفيدرالية عن عديد من التعيينات الجديدة في الحكومة، ما قد يمثل تحدياً لفرق بايدن الانتقالية من أجل اكتشافهم.
اختراق
ويعمل أنصار ترمب في حكومة بايدن في مجموعة من الوكالات الفيدرالية الحكومية، بما في ذلك وزارتا العدل والأمن الداخلي وإدارة السلامة والصحة المهنية، كما يخدم الكثيرون في مناصب تنفيذية عليا تعد أعلى مرتبة من القادة المهنيين، ويعملون مدعين عامين مساعدين ومستشارين عموميين، وكقيادات أجهزة استخبارات وقضاة.
ولهذا يتوقع مسؤولون في إدارة بايدن معرفة المزيد خلال الأسابيع المقبلة من أجل استعادة الثقة والمساءلة عبر الحكومة الفيدرالية، بما في ذلك مراجعة إجراءات الموظفين خلال إدارة ترمب.
مكاسب مادية
ولا تقتصر الاستفادة هنا على الوجود السياسي في إدارة تحمل توجها حزبياً مغايراً، وإنما تمتد إلى مكاسب مادية، فعلى سبيل المثال، انتقل جوردان فون بوكرن، الذي كان موظفاً لدى إيمي كوني باريت قاضية المحكمة العليا عندما كانت في محكمة الاستئناف الأميركية للدائرة السابعة، في أبريل (نيسان) الماضي من مستشار في مكتب السياسة القانونية بوزارة العدل، إلى محام في القسم المدني للوزارة بزيادة في الراتب بنحو 10 آلاف دولار سنوياً.
كما ارتفع راتب براندون ميدلتون 10 آلاف دولار حين انتقل من كونه محامياً في مؤسسة "باسيفيك" القانونية المحافظة للانضمام إلى طاقم جيف سيشنز عندما كان أول مدعٍ عام لترمب، ثم شغل ميدلتون منصباً في وزارة شؤون الموارد الطبيعية الداخلية قبل تعيينه الدائم مستشاراً رئيساً للطاقة في المكتب الذي يدير عقود تنظيف النفايات السامة.
ويدرس المسؤولون الجدد الذين عينهم الرئيس بايدن في وزارة الطاقة ما إذا كان بإمكانهم إقالة اثنين على الأقل من الذين عينهم ترمب ملحقين أجانب لدعم التعاون الدولي في مجال الطاقة.
استقالات مطلوبة
ولأن بايدن يمتلك سيطرة أكبر على المعينين سياسياً، فقد طلب استقالة المسؤول عن الصحة العامة، جيروم آدامز، الذي عينه ترمب في 2017 لمدة أربع سنوات تنتهي في سبتمبر (أيلول) المقبل، كما تحرك الرئيس الجديد لتنصيب قيادة جديدة في الوكالات الصحية ستكون حاسمة في مكافحة كورونا، بعد اتهام فريق ترمب بتهميش العلماء الفيدراليين والسعي إلى أجندة سياسية على حساب الصحة العامة، وفي حالات أخرى، سعى بايدن للتخلص من الأشخاص الذين نصبهم ترمب قبل رحيله عن السلطة في مناصب مهنية أو سياسية في ما يعتبره الرئيس الجديد سوء نية.
وسارع بايدن إلى إقالة مايكل باك، الرئيس المثير للجدل للوكالة الأميركية للإعلام الدولي التي تشرف على "إذاعة صوت أميركا" وأربع شبكات أخرى تبث الأخبار إلى ملايين الأشخاص خارج الولايات المتحدة، بسبب شكاوى ضد باك لقيامه بالرقابة والتدخل السياسي، كما أقال بايدن مدير "إذاعة صوت أميركا" ونائبه، بعد أن كانا في المنصب لبضعة أسابيع فقط، واستقال رئيس مكتب "إذاعة كوبا".
وعلى غير المتوقع، أقال بايدن المستشار العام للمجلس الوطني لعلاقات العمل، بيتر روب، الذي اعتبره شخصية ينظر إليها على أنها خصم من قبل المدافعين عن العمال والنقابات العمالية، وكان روب قد رفض الاستقالة عندما طلب منه ذلك بعد ساعات فحسب من تولي بايدن الرئاسة الجديدة.