بالنسبة إلى معظم الناس في المملكة المتحدة، تمثّل بروكسل التأخير المستمرّ لبريكست وحسب. ما لم تتطرّق له الأخبار هي المسائل المهمّة الأخرى التي نوقِشَت في البرلمان الأوروبي.
في مارس (آذار)، وقفت أمام ألف شخص في العاصمة البلجيكية في حشدٍ ضمّ قادة عالميّين ومندوبين يمثّلون 56 بلداً. كنت هناك لأخبرهم كيف أثّرَتْ الأزمة السوريّة في حياتي.
أنا لست نازحة بل فرداً من مجتمعٍ وجد فجأة مليون ونصف نازح يعيشون في وسطه.
عندما اندلعت الحرب في سوريا منذ ثمانية أعوام، كنت مراهقة بالكاد. بين ليلةٍ وضحاها، شهد بلدي الصغير لبنان الذي يبلغ عدد سكّانه خمس ملايين نسمة، تدفقاً هائلاً من الناس الذين فرّوا من العنف والإرهاب والاضطهاد. احتاج معظمهم إلى مساعدة إنسانيّة طارئة.
حاضراً، ثمة شخص نازح من أصل كل أربعة أشخاص تقريباً في لبنان.
حتّى قبل الأزمة السوريّة، كان الاقتصاد اللبناني يعاني. وعندما وصل السوريون، خلق ذلك ضغطاً إضافياً. بلغت بطالة الشباب مستوياتٍ غير مسبوقة، وتجاوز معدّل اللبنانيين الذين يعيشون تحت خطّ الفقر الـ30 في المئة.
عندما دُعيت لإلقاء كلمة في مؤتمر بروكسل بعنوان "دعم مستقبل سوريا والمنطقة"، اخترت الّا أتطرّق إلى المشاكل التي جلبتها الأزمة السوريّة إلى البلدان المجاورة. عوضاً عن ذلك، أخبرتهم عن الحلول والفرص التي نشأت عن ذلك الوضع الأليم.
منذ خمسة أعوام، بدأت بالعمل التطوّعي لمساعدة مئات آلاف النازحين الذين كانوا يصلون. أردت المساعدة لأنّ حاجاتهم كانت كبيرة ولم يكن بوسع الحكومة اللبنانية تولّي كلّ شيء.
في بادىء الأمر، لم يكن أهلي سعداء بذلك، ولا أصدقائي. تملك ثقافتنا قواعد صارمة في ما يتعلّق بالشابات اللواتي ينخرطن في علاقات اجتماعيّة، ويشاركن في نشاطات، ويتطوّعن وينضممن إلى مجموعات شبابية. يلقي كثيرون اللوم في لبنان على النازحين في ما يخصّ مشاكلنا، خصوصاً الاقتصاديّة منها.
بدأت بالمشاركة في مشروع "عزم الشباب" الائتماني المموّل من صندوق "مدد" MADAD التابع للاتحاد الأوروبي قرب منزلي. كانت تديره وكالة الغوث البريطانية "كافود" CAFOD و"كاريتاس لبنان". وتمثّل هدفه الرئيس في جمع الشباب السوري واللبناني سويّة.
لديّ اليوم عديد من الأصدقاء السوريين وبدأت أفهم الصعوبات والمعاناة التي يواجهها النازحون. تعلّمت أنّه لا يمكنك أبداً الحكم على شخصٍ ما عندما لا تعرف شيئاً عن حياته. أودّ أن أقنع الناس بأنّه ليس مهماً من أين تأتون، فنحن جميعاً بشر نتشارك الحاجات والرغبات نفسها.
تمكّنا من تغيير بعض وجهات النظر من الجانبين، الشعب اللبناني والنازحين، وهذا ما ألهمني أن أفعل المزيد. بدأ الأشخاص من حولي يفهمون أنّ السوريين لم يأتوا إلى هنا طوعاً، بل كانوا مجبرين على المجيء، وإذا كان باستطاعتهم العودة إلى ديارهم، فإنّ غالبيّتهم ستفعل ذلك. إنّها كلّها خطوات في اتجاه المعاملة العادلة.
عندما وقفت لإلقاء كلمة في بروكسل، أمام الأشخاص الذين بوسعم إحداث تغيير ملموس، شعرت بالحماسة لأنّ ذلك الاعتراف قد يساعدنا على اتخاذ المزيد من تلك الخطوات.
بوسع الشباب أن يؤثّروا في خيار الجيل الأكبر سنّاً، وعليهم الحصول على فرصة لفعل بذلك. سنكون نحن من ينهض بتنشئة الجيل القادم، ولا نحتاج أن نفعل ذلك استناداً إلى آراءٍ تعود إلى زمنٍ آخر. في المستقبل، آمل أن أتمكّن من إنشاء مجلس شبابي في لبنان يكون فيه الجيل الأصغر سناً قادراً على التشارك في آرائهم وتأمين تمثيلهم.
لن أنسى أبداً الصراعات التي واجهتها عندما حاولت إحداث تغيير، ولكن عندما تحدّثت تمكّنت من النجاح. إنها ليست سوى البداية.