تشكل النساء نحو نصف المجتمع السعودي، وارتفعت مشاركتهنّ في سوق العمل نحو 31 في المئة، بعدما كانت 22، لذا تعيش الآن عصر استرداد حقوقها الطبيعية واكتمال أركانها المهنية والاجتماعية والإنسانية التي لم تكن ضمن خياراتهنّ المتاحة التي سلبت بالعادات تارة، والتحريم أخرى، بفضل بدء رؤية السعودية 2030 رحلتها للإصلاح.
منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز حكم البلاد، في يناير (كانون الثاني) 2015، شهدت نساء السعودية استرداداً لحقوقهنّ واستحقاقاً لمناصب لم تكن ضمن خياراتهنً "المحدودة" سابقاً، في عدد من القطاعات.
وتمثل السعوديات (15 سنة فما فوق) ما نسبته 49 في المئة من إجمالي السكان، أي ما يقارب نصف المجتمع، بحسب تقرير خاص لهيئة الإحصاء السعودية نُشر في مارس (آذار) العام الماضي، لمناسبة اليوم العالمي للمرأة.
كسر العادات والتحريم
وصف يوم 26 سبتمبر (أيلول) 2017، بيوم انتصار الصوت النسائي على العادات والتقاليد والتحريم أحياناً، حين صدر قرار السماح للنساء برخص القيادة، الذي بدأ فعلياً بعد نحو عام منه، إذ استخرجت أكثر من 174624 رخصة حول البلاد، بحسب تقرير هيئة الإحصاء السعودية.
لم تكن قيادة السيارة هي الوحيدة التي نبعت من قلب العادات ضد القانون، فسمح لهنّ في يناير (كانون الثاني) من العام 2018، بحضور المباريات والمنافسات في الملاعب الرياضية التي كانت حصراً للرجال.
المناصب القيادية قاب قوسين أو أدنى
هذا الدعم الحديث لها، تواصل حتى تكليفها بالمناصب القيادية، آخرها تعيين الدكتورة حنان الأحمدي مساعدة رئيس مجلس الشورى في أكتوبر (تشرن الأول) الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورئاسة البلاد لمجموعة الـ 20، حملت تأكيدات بشأن دعم تنمية النساء والاستثمار بطاقاتهنّ، وأكد العاهل السعودي في كلمته التي ألقاها بالنيابة عنه وزير الإعلام السعودي المكلّف ضمن "مجموعة المرأة 20"، قائلاً، "هي مصدر التطور لأي مجتمع، فمن غير نساء متمكنات يصعب إصلاح المجتمعات، إذ إنهنّ نصف المجتمع ومربيات الأجيال. وقد أثبتت عبر التاريخ دورها البارز والفعال في قيادة التغير وصنع القرار".
كما أكدت رؤية السعودية التي أطلقتها في أبريل (نيسان) 2016، أهمية مشاركة المرأة أيضاً في سوق العمل توازياً مع توليها المناصب القيادية.
حقّقت الرؤية أحد أهم أهدافها، الرامية إلى رفع مشاركة المرأة في سوق العمل إلى نحو 30 في المئة، مقابل 22 وقت إعلانها، إلا أن السعودية تفوقت أيضاً في ذلك، بحسب وكيلة وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لتمكين المرأة، إذ المستهدف كان نسبة 25 في المئة بحلول 2025 إلا أنها وصلت إلى 31 في المئة في العام الحالي.
في سياق متصل، حول المناصب القيادية للنساء في القطاع الحكومي، وصلت نسبتهنّ إلى 2.5 في المئة بعدما كانت 1.6 في المئة قبل ثلاثة أعوام، إلا أنها تعلو كثيراً في القطاع الخاص، إلى 25 في المئة.
استمرّ تأهيل نساء السعودية وتطويرهنّ، فعينت الأميرة ريما بنت بندر آل سعود سفيرة بلادها إلى أميركا في العام 2019 كأول سفيرة في تاريخ البلاد، لتتفتح صفحة جديدة تبعتها فيها آمال المعلمي سفيرة الرياض لدى النرويج منذ 2020، لتكون الثانية في الدبلوماسية السعودية.
بالعودة إلى الوراء قليلاً، شهد العام الأول من تولي العاهل السعودي مقاليد الحكم، أول انتخابات بلدية تشارك فيها النساء ناخبات ومرشحات في ديسمبر (كانون الأول)، وقد انتهت بفوز 21 امرأة في المجالس البلدية.
قاضية قريباً
في سلسلة التطورات التي شهدتها المرأة، نذكر دخولها سوق العمل النيابي والقضائي، فعيّنت للمرة الأولى "ملازمة تحقيق" في أغسطس (آب) 2019، مع إشادة النائب العام السعودي، سعود المعجب قائلاً، "المرأة السعودية أثبتت جدارتها وكفاءتها في الالتحاق بكل الأعمال التي تقوم بها".
الأسرة مسؤولية مشتركة
مع تعدد الزيجات وتنوّعها بين المعلن وغير المعلن، كان كثير من النساء يعاني عنجهية بعض الرجال عند رفضهم التسجيل والتبليغ عن المواليد في الأحوال المدنية، فحدث تعديل في أغسطس (آب) 2019، على المادة الـ 33 من نظام الأحوال المدنية، نصّ على أن المكلفين بالتبليغ عن المواليد، هم "المنشآت الصحية المرتبطة بالأحوال المدنية، والدا الطفل، الأقرب درجة للمولود من البالغين 18 سنة، الحاكم الإداري في المحافظة، وغيرهم"، على أن تكون مسؤولية التبليغ وفق التراتبية السابقة.
كما اعتادت المرأة على أن إقامتها في بيت زوجها فرض قانوني قبل أن تكون حالة اجتماعية، إذ تعارف المجتمع على المادة الـ 30 من نظام الأحوال، والتي كانت تجمع المرأة بالقاصر، وتنص على "إقامة المرأة المتزوجة في محل إقامة زوجها إذا كانت العشرة مستمرة بينهما وإقامة القاصر محل إقامة والده أو الوصي عليه"، لتخصّص لاحقاً للقاصر فحسب.
مع التعديلات العديدة في النظام، لم يغفل عما كان يسمّى "دفتر العائلة"، الذي يخصّص للرجال فحسب، وفق المادة القديمة التي تنص على أنه "يجب على الزوج مراجعة الأحوال المدنية خلال 60 يوماً من تاريخ عقد الزواج للحصول على دفتر العائلة"، فعدّلت في ترتيب النظام وفق المادة الـ 50، ونصّت على أنه "لأي من الزوجين طلب الحصول على سجل الأسرة من إدارة الأحوال المدنية، وتقع المسؤولية على الزوج إذا لم يتقدم بطلب استخراجه خلال 60 يوماً من تاريخ عقد الزواج".
في ملف ولي الأمر والولاية، كسرت القواعد، ففي فبراير 2018، سمح للنساء بفتح مشاريع تجارية مختلفة من دون العودة لولي الأمر، مع تعديلات وتسهيلات عديدة أبرزها، في أنظمة الأحوال المدنية، إذ سمح في أغسطس 2019، للمرأة وللمرة الأولى، باستخراج جواز السفر ومغادرة البلاد من دون الحاجة إلى إذن ولي أمرها.
كما عُدّلت المادة الـ 19 من نظام الأحوال المدنية في ما يخص الأولاد القصّر، والتي كانت تنصّ على أولوية الأب على الأم في حق الوصاية عليهم، إلى أنه "يعدّ ربّ الأسرة في مجال تطبيق هذا النظام هو الأب أو الأم بالنسبة إلى الأولاد القصّر".
التحرّش والابتزاز
معاناة المرأة كانت تشمل ما يسمى، التحرّش، الذي وجد في التبرّج شماعة عند "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، التي اعتبرته سبباً للفتنة، فارضين ضوابط على اللباس والستر.
لكن، في العام 2018، وضعت السعودية تعريفاً واضحاً للتحرّش، لا يتحمله المتحرَّش به، بل المتحرِش، كمذنب في أول نظام لمكافحته في البلاد، والذي أقر حاملاً في تفاصيله ثماني مواد مختلفة، وعدّلت أخيراً لإضافة عقوبة التشهير.
حمل النظام تفصيلاً للعقوبات المحددة، لتشمل السجن مدة لا تزيد على سنتين، وغرامة مالية لا تزيد على 100 ألف ريال (26 ألف دولار أميركي) أو إحدى هاتين العقوبتين، على كل من يرتكب هذه الجريمة.
مع هذا توجه بعض المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان انتقادات إلى السعودية بسبب وضع المرأة وقد انطلقت حملات ضغط من قبل بعض هذه المنظمات منها منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" بالتزامن مع استضافة الرياض قمة العشرين في نوفمبر العام الماضي تطالب بتحسين حقوق المرأة.