اختلفت تغطية وسائل الإعلام التونسية للاحتجاجات الأخيرة. هناك من اعتمد منصات التواصل الاجتماعي واكتفى بالبيانات الرسمية. وثمة من نزل إلى الميدان لنقل الأحداث والبحث في أسبابها وتداعياتها.
وقد أضاء هذا الاختلاف على ثغرات مهنية عدة، منها عدم التوازن في التغطية الإعلامية للاحتجاجات، وحرمان المتلقي من حقه في المعلومة كاملة ومن مصادر متعددة. كذلك طرح أسئلة عن المعايير الأخلاقية للتغطية الإعلامية والموضوعية والحياد.
الدقة والحياد والتوازن
واعتبرت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، في بيان، أن "تغطية المؤسسات الإعلامية لم تكن متوازنة، وفيها إخلال واضح بالمبادئ المهنية، التي ترتكز على التعاطي الموضوعي وبأخلاقيات المهنة، التي تنص على ضرورة توخي الدقة والحرفية والحيادية والتوازن في نقل الأحداث، وذلك لضمان تمكين المواطنين من حقهم في المعلومة الصحيحة التي تستوفي شروط التحري والدقة".
وعلى الرغم من ترحيبها بجهود الصحافيين الميدانيين والمصورين لإيصال صورة واضحة لما يجري من أحداث، أكدت النقابة أن تغطية بعض المؤسسات الإعلامية، عمومية وخاصة، اقتصرت على نقل الرواية الأمنية لما يجري.
ودعت النقابة الصحافيين إلى عدم الاكتفاء بنقل الأحداث الميدانية من زاوية واحدة، ونقل مختلف وجهات النظر، وتنويع المصادر المتعلقة بالاحتجاجات لتشمل منظمات المجتمع المدني والمتظاهرين والخبراء من مختلف الاختصاصات.
التعويل على المصدر الواحد
تعودت غالبية الإعلام التونسي على الاكتفاء بالنقل عن الجهات الرسمية، أو شبه الرسمية، من دون اعتماد تقاطع المصادر وتنويعها أو تفسير ما يحدث في أشكال صحافية متنوعة. هكذا، وصف أستاذ الإعلام والاتصال في معهد الصحافة وعلوم الإخبار الدكتور محمد الفهري شلبي، حال الإعلام التونسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن "الصحافة التونسية تحولت إلى صحافة بلاغات، أي صحافة نقل، وتعتمد المعالجة الإخبارية للأحداث فحسب، من دون اللجوء إلى التفسير والتحليل والتعمق في ما وراء هذه الأحداث".
وانتقد شلبي "اعتماد الإعلام التونسي المصدر الواحد"، داعياً إلى "تنويع المصادر من أجل إثراء المضامين الصحافية، وإنصاف المتلقي، من خلال مادة متوازنة تنقل مختلف وجهات النظر".
صحافة النقل
ويلاحظ أستاذ الإعلام والاتصال أن غالبية الصحافيين التونسيين تعودوا على صحافة النقل والتعاطي السطحي مع الأحداث، من دون البحث في أسباب التحركات وتجميع مختلف الآراء من عينات مختلفة من المشاركين في التحركات، ومن يؤطرهم من مجتمع مدني وغيره، وما موقف السلطة المحلية والجهات الأمنية من تلك التحركات، وكيف يفسر أهل الاختصاص من علماء الاجتماع وعلم النفس التربوي الاحتجاجات الليلية غير المنظمة.
وتوقف شلبي عند "استعمال نعوت وصفات ذاتية في نقل الأحداث، تنم عن نقص في المهنية، التي تفرض الموضوعية والحياد في تغطية الأحداث".
سلامة الصحافيين مسؤولية المؤسسات
وأكد شلبي "ضرورة أن يحافظ الصحافي على سلامته، ثم يتخذ لنفسه موقعاً وسطاً، كي لا يُحسب على أي جهة، ويمكن من خلال موقعه تأمين نقل صورة موضوعية شاملة وغير مجتزَأة عما يقع من أحداث".
وناشد الصحافيين الاطلاع على الأدلة التي أعدتها الهياكل والمنظمات التي تُعنى بالصحافيين على مستوى العالم، من أجل الاطلاع على كيفية تأمين السلامة الجسدية للصحافي خلال تغطية الاحتجاجات.
ودعا الهيئات المعنية وهياكل المهنة والمؤسسات الإعلامية إلى إيلاء عناية أكبر لحماية الصحافيين وسلامتهم، على المستوى التشريعي، ومحاربة ظاهرة الإفلات من العقاب.
وشدد على أهمية تطوير مهارات الصحافي في تغطية الاحتجاجات من خلال دورات تدريبية ليضمن سلامته وسلامة المادة الإعلامية التي ينتجها من أي إخلال مهني.
ولاحظ الأكاديمي والباحث في علوم الإعلام والاتصال، أمين بن مسعود، أن "غالبية المؤسسات الإعلامية تعاملت مع الاحتجاجات بمنطق التغطية الإعلامية الباهتة، من خلال معالجة البيانات الرسمية، وفي غياب واضح للمراسلين على الميدان".
واستغرب بن مسعود "غياب الضيوف والاختصاصيين القادرين على تحليل الاحتجاجات وكشف أبعادها ونتائجها".