خرجت الصحف البريطانية الخميس بعناوين مثيرة حول أزمة توريد لقاح "أسترازينيكا- أكسفورد" إلى دول الاتحاد الأوروبي. وحوّلت بعض الصحف المسألة التي تتعلق باتفاقية تجارية بحتة إلى قضية وطنية مغالى فيها، كما عنونت "الديلي ميل" مثلاً "كلا، لن تأخذ أوروبا لقاحنا"، أما مانشيت "الديلي إكسبريس"، فكان "انتظروا دوركم! أوروبا الأنانية تريد أخذ لقاحنا".
وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون حاول النأي بنفسه وبحكومته عن الخلاف في إجابته عن أسئلة الصحافيين مساء الأربعاء، إلا أن المتشككين تجاه أوروبا من أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ("بريكست") حاولوا تصوير الخلاف على أنه انتصار سياسي للمملكة المتحدة. ذلك على الرغم من أن مشكلة توريدات اللقاح من الشركة الإنجليزية مسألة تجارية تستند إلى تعاقد أي طرف سواء الحكومة في لندن أو المفوضية الأوروبية أو غيرهما. كما أن تصدير واستيراد اللقاحات لا يخضع لأي إجراءات أو رسوم جمركية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. لكن بالطبع لا يمكن استبعاد السياسة، بخاصة أنه لم يمضِ شهر واحد على "بريكست" باتفاق تجارة وتعاون بين الطرفين.
وتطالب المفوضية الأوروبية الشركة البريطانية بتوفير اللقاح بالكميات المتعاقد عليها سواء من مصانعها في أوروبا أو مصانعها في المملكة المتحدة، بعدما أعلنت "أسترازينيكا" الأسبوع الماضي أن إنتاج مصانعها الأوروبية لن يفي إلا بأقل من نصف الكمية المتفق عليها مع المفوضية الأوروبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أصل المشكلة
بدأت الأزمة الأسبوع الماضي حين أفادت الشركة بأنها لن تستطيع الوفاء بمتطلبات الدول الأوروبية من جرعات اللقاح المتعاقد عليها نتيجة عطل في الإنتاج في أحد مصنَعَي الشركة في أوروبا. هذا في الوقت الذي يعمل مصنعا الشركة الآخران في بريطانيا بطاقة قصوى ما يوفر حاجات البلاد من اللقاح. وحتى الآن، تم تطعيم أكثر من 7 ملايين بريطاني وهناك مخزون كبير من اللقاحات لدى المملكة حتى إن عنوان صحيفة "التايمز" الصادرة الخميس كان "إمدادات بريطانيا من اللقاح أكثر مما تحتاج".
وتعاني دول الاتحاد الأوروبي من نقص الجرعات المتوفرة لتطعيم مواطنيها. وأعلنت إدارة الصحة في منطقة مدريد الإسبانية الأربعاء أنها علّقت عمليات التطعيم لمدة 10 أيام لعدم توفر جرعات اللقاح. بينما حذرت منطقة كاتالونيا من أن الثلاجات تكاد تنفد فيها جرعات اللقاح.
وتوفر "أسترازينيكا" نحو 2 مليون جرعة أسبوعياً للحكومة البريطانية، التي حصلت أيضاً على كميات من اللقاح الذي تنتجه شركة "فايزر" الأميركية وما زالت تصلها إمدادات من مصنع "فايزر" في بلجيكا.
يذكر أن لقاح "أسترازينيكا" سهل التخزين لأنه يحفظ في درجة حرارة الثلاجة العادية لمدة طويلة، أما لقاح "فايزر" فيحتاج إلى تخزين في درجة حرارة 70 تحت الصفر ويجب استخدامه فور إخراجه من مكان تخزينه.
كان الاتحاد الأوروبي تعاقد مع "أسترازينيكا" على شراء 300 مليون جرعة من اللقاح، على أن توفّر إمدادات في الربع الأول من العام بنحو 80 مليون جرعة. لكن الشركة أعلنت أنها لن تستطيع إمداد الاتحاد الأوروبي بأكثر من 31 مليون جرعة في الربع الأول نتيجة تراجع الإنتاج في مصنعَيها في أوروبا.
وتصرّ المفوضية الأوروبية على أن تورّد الشركة من مصنعيها في بريطانيا إذا كان مصنعاها في أوروبا لا ينتجان بالمعدل المطلوب. لكن "أسترازينيكا" متعاقدة مع الحكومة البريطانية على توريد 100 مليون جرعة، ولا تريد أن تبطئ العملية في المملكة لتوفّر حاجات أوروبا.
مفاوضات ومخاوف
اجتمعت مفوضة الصحة في الاتحاد الأوروبي ستيلا كيرياكيدس مع الرئيس التنفيذي لـ"أسترازينيكا" باسكال سوريوت الأربعاء، لكن الواضح أن الاجتماع لم يسفر عن نتيجة. ويقول سوريوت إن التكتل تعاقد مع الشركة بعد 3 أشهر من اتفاق الأخيرة مع لندن، وإن ذلك أعطى الشركة الوقت الكافي لإصلاح أي أعطال إنتاج في مصنعيها في بريطانيا.
وردّت مفوضة الصحة الأوروبية بأن "منطق من يأتي أولاً يحصل على الخدمة أولاً يناسب محل جزارة" وليس تعاقداً كالذي بين الاتحاد و"أسترازينيكا"، مؤكدة أن تفاصيل العقد واضحة. لكن الشركة تقول إن العقد لا يتضمن تحديداً صارماً للكميات والتوقيتات.
وذكرت تقارير أوروبية أن الشركة تورّد مزيداً من جرعات اللقاح من مصنعَيها في أوروبا لبريطانيا، إضافة إلى إنتاج مصنعيها في بريطانيا بالكامل. وهدد دبلوماسيون أوروبيون بأن الاتحاد قد يشدد على تصدير اللقاحات من الشركات والمصانع الأوروبية إذا لم تحلّ أزمة توريد لقاح "أسترازينيكا". لكن المفوضية الأوروبية أكدت أنه لن يكون هناك أي حظر على تصدير اللقاحات من دول الاتحاد.
وحاول وزير شؤون مجلس الوزراء في الحكومة البريطانية مايكل غوف التخفيف من حدة الأزمة كما صوّرتها وسائل الإعلام. وفي مقابلة مع إذاعة "إل بي سي"، قال: "أعتقد أنه علينا التأكد من أن إمدادات اللقاح المشتراة والمدفوع ثمنها لصالح السكان في بريطانيا سيتم توريدها... بالطبع، سنعمل دائماً مع أصدقائنا وجيراننا وبالتأكيد سنفعل كل ما نستطيع لمساعدتهم... لكن الأولوية هي للتأكد من أن الناس في بلدنا ممن هم أكثر عرضة للخطر يتلقّون التطعيمات باللقاح".
ويخشى من تصاعد الأزمة لتصبح مشكلة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعدما ذكرت تقارير أوروبية أن المفوضية تجري تحقيقاً بشأن ما ذكرته شركة "أسترازينيكا" عن أعطال إنتاج في مصنعها في بلجيكا. كما يتم التأكد من أن الشركة التي ترفض الوفاء بالتزاماتها التعاقدية مع أوروبا من مصنعَيها في بريطانيا، لا تورّد جرعات اللقاح المنتجة في أوروبا إلى لندن.