تدخل لجنة الحوار السياسي الليبي في جنيف، الاثنين، جولة الحسم لاختيار قادة الأجسام التنفيذية التي ستدير البلاد حتى نهاية العام الحالي، وسط جدل كبير أثارته بعض الأسماء التي أعلنت ترشحها، بخاصة من الشخصيات ذات الصفات العسكرية والقضائية، والحديث عن مخالفة ذلك للقوانين الليبية القائمة.
وتستمر جلسات التصويت خمسة أيام، يعلن في ختامها أسماء رئيس الحكومة الموحدة وأعضاء المجلس الرئاسي الثلاثة، وهي الأجسام التي ستدير دفة البلاد حتى الموعد المحدد للانتخابات، في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
عملية انتخابية معقدة
ولن تكون عملية اختيار الأسماء الأربعة التي ستشغل المناصب القيادية سهلة ويسيرة، بل ستمر بعملية معقدة وفق ما تنص عليه الآلية التي اختارتها لجان الحوار.
وسيقسم أعضاء لجان الحوار البالغ عددهم 75 شخصاً إلى ثلاث مجموعات انتخابية، تمثل أقاليم ليبيا التاريخية (طرابلس وبرقة وفزان)، على أن تختار كل واحدة منها ممثلها في المجلس الرئاسي، شرط أن يحصل المرشح الفائز على 70 في المئة من أصوات المجموعة الفرعية الإقليمية، على الأقل.
بينما تتم تسمية رئيس الوزراء للحكومة الموحدة الجديدة بعد عملية انتخابية مباشرة أكثر سهولة، إذ ينص الاتفاق على تصويت أعضاء الحوار بالكامل على اسم رئيس الوزراء، ويعد المرشح فائزاً بالمنصب حال حصوله على 70 في المئة من الأصوات.
وفي حالة تعذر التوافق على الأسماء الأربعة، يتم اللجوء إلى نظام القوائم التي يصوت من خلالها أعضاء المنتدى على قوائم تحدد المرشحين، وتُطرح على التصويت في جلسة موسعة، بعد أن يقرها 17 عضواً على الأقل من أعضاء لجنة الحوار السياسي، (ثمانية من الغرب، وستة من الشرق وثلاثة من الجنوب).
ويعلن فوز إحدى القوائم بحصولها على 60 في المئة من إجمالي الأصوات في الجولة الأولى. وإذا تعذر ذلك، تدخل القائمتان الحاصلتان على أكبر عدد من الأصوات جولة إعادة تفوز فيها القائمة التي تحصل على أكثر من 50 في المئة من الأصوات.
وجددت المبعوثة الأممية لدى ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز، التأكيد خلال جلسة حوار رقمي مع الليبيين، الأحد، أن "أبرز مهام المجلس الرئاسي والحكومة الموحدة خلال الفترة التمهيدية للانتخابات، هي المصالحة الوطنية وتمثيل ليبيا والحفاظ على معايير الكفاءة في التوظيف والحفاظ على وحدة البلاد".
اعتراضات قانونية
وقبيل انطلاق جولات التصويت الحاسمة، تسببت قائمة المرشحين للمناصب التنفيذية، التي أعلنت عنها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، السبت، بجدل سياسي وقانوني لضمها شخصيات قضائية وعسكرية، يعد ترشحها مخالفاً للقوانين المعمول بها في البلاد.
وانحصرت أغلب هذه الاعتراضات حول اسمين أو ثلاثة من المترشحين للمجلس الرئاسي، يتقدمهم رئيس المجلس الأعلى للقضاء محمد الحافي، والقيادي العسكري في القوات التابعة لحكومة الوفاق أسامة جويلي.
وتصاعد هذا الجدل بعد بيان للجمعية الليبية لأعضاء الهيئات القضائية انتقدت فيه ترشح الحافي، رئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس المحكمة العليا، لمنصب رئيس المجلس الرئاسي قائلةً، إنها "فوجئت" بإقدامه على ذلك في خطوة اعتبرتها "انتهاكاً خطيراً وغير مسبوق لمبدأ الفصل بين السلطات".
ودعت الجمعية الحافي إلى "سحب ترشحه أو إعلان استقالته من رئاسة المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا، حفاظاً على هيبة القضاء واستقلاليته ووحدته".
وأدلى وزير العدل الليبي السابق محمد العلاقي، بدلوه في هذا الجدل القانوني، معتبراً أنه "يمس استقلال القضاء"، مستدلاً بـ"تصريح البعثة الأممية، بضرورة أن يكون ترشح المرشحين من السلطات القضائية والعسكرية، متوافقاً مع القوانين والأنظمة الليبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت البعثة طالبت المترشحين بـ"الامتثال التام للقوانين واللوائح ذات الصلة… وتوقيع إفادة خطية ملزمة قانوناً، تؤكد امتثالهم لقانون الجنسية الليبي الحالي".
وانتقد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية جمال الشطشاط بيان البعثة، قائلاً، إنه "يكشف عن عدم وضوح الرؤية بشأن معايير الترشح، وما هو إلا محاولة للتنصل من المسؤولية، بعد الجدل الذي ثار حول هذا التخبط".
وأضاف الشطشاط "كان يفترض بالبعثة ومعها لجنة الحوار، أن تضعا شروطاً للترشح تتوافق مع القوانين المعمول بها في ليبيا، وأغلب دول العالم، بما لا يتعارض مع مبادئ الفصل بين السلطات".
وعود المرشحين وتشاؤم المراقبين
وقبل ساعات من انطلاق الجلسات الفاصلة لاختيار السلطة التنفيذية الجديدة، أطلق عدد من المرشحين البارزين وعوداً وتعهدات للشارع الليبي بتحسين الأوضاع بعد استلامهم مهامهم. وأكد رئيس مجلس النواب الحالي عقيلة صالح، لعدد من القيادات المحلية، بأن "كثيراً من الأزمات التي تعيشها البلاد سيحل قريباً".
في المقابل، أعرب وزير الداخلية المفوض في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، الأحد، عن فخره بالمشاركة في العملية الديمقراطية، بصفته مرشحاً لمنصب رئيس حكومة الوحدة الوطنية.
وقال باشاغا، في تغريدة على "تويتر"، إن "ليبيا الجديدة لا يمكن أن تنتظر أكثر من ذلك"، مؤكداً أن "البلاد على بعد خطوات من نهاية ناجحة لعملية تفاوض طويلة ومليئة بالتحديات، في الطريق إلى حل أزمة البلاد".
وقوبلت هذه الوعود بحالة من عدم التفاؤل سيطرت على تعليقات النشطاء والمحللين والمراقبين للمشهد.
ويقول المحلل السياسي الليبي مختار الجدال، إن "نظرةً على أسماء المرشحين لا تعطي أي أمل، أو بقعة ضوء في النفق المظلم، الذي دخلته البلاد منذ سنوات".
بينما اتفق وزير الداخلية السابق عاشور شوايل، والسياسي الليبي فرج ياسين، على أن "نجاح السلطة التنفيذية المقبلة في تحقيق هدفها الرئيس، وهو إجراء الانتخابات نهاية العام الحالي، مرهون بقدرتها على بسط الأمن واستعادة سيادة الدولة بإخراج القوات الأجنبية منها"، مشككين في قدرتها على ذلك "بالنظر إلى الأسماء المحتملة لقيادة السلطات الجديدة، والوقائع على الأرض، والفترة القصيرة المتبقية على الموعد الانتخابي".