لوّح وزير الصحة السعودي توفيق الربيعة، باحتمال إعادة فرض قيود جديدة لاحتواء جائحة كورونا بعد ما سجلت البلاد ارتفاعاً ملحوظاً في الحالات، أكد أن معظمها جاء نتيجة التهاون والتراخي في الوقاية من قبل الأفراد، منبهاً أن العادات الاجتماعية كانت الناقل الأبرز.
ولكن، يبدو أن تلويح الربيعة أعاد لدى السعوديين بعض الصور من أشهر حظر التجوال الجزئي والكلي في 2020، فسرعان ما استذكر كثيرون عاداتهم الاجتماعية في أوقات الحجر التي ضجت بها وسائل التواصل الاجتماعي، ليبدأوا بتقييم خياراتهم حول الالتزام بالقواعد الصحية أو العودة لممارسة الطقوس السابقة فيما لو عادت القيود التي فرضت العام الماضي نتيجة ارتفاع الاصابات.
فالأبواب المغلقة التي حفرتها الذكريات في عقول المجتمعات عامة كانت لها فصول معروفة، إذ اشتركت البيوت في عدد من الحالات صارت سمة يتذكر بها السعوديون الأيام التي أغلقوا فيها الأبواب على أنفسهم، مثل لعبة "الكيرم" الشعبية أو "البليارد" التي تخطت حدود اللوح الخشبي والمضارب الملونة إلى أن أصبحت أحد الطقوس المرتبطة بالوباء.
والمطابخ هي الأخرى اشتركت في المعركة ضد الوباء، حيث لم تعد مكاناً مخصصاً فقط للوجبات الرئيسة الثلاث، بل أحد الأماكن التي تجتمع فيها العائلة كاملة لتبدع في قوائم معينة من الأطعمة تربع على عرشها في الدولة الخليجية "كعكة الليمون".
"الكيرم" لم تعد كما كانت
لعبة الكيرم أو البليارد، لا يوجد لها أصل معروف وواضح، إلا أن المصادر المختلفة تشير إلى أنها هندية الأصل، والتشابه بينها وبين اللعبة المعروفة "البلياردو" لم يكن محض صدفة، إذ حذف فقراء الهند الحرف الأخير من اللعبة الغربية الشهيرة ليصنعوا لعبتهم التي لا تحتاج إلى العصي.
وبدأ الفقراء في تصنيعها رغبة في مشاركة البريطانيين الذين كانوا يستعمرون بلادهم في ذلك الحين، وعُرفت من هناك باسم "لعبة الفقراء"، وعلى الرغم من الروايات التي تشير إلى أنها برتغالية، فإن رواية نسبها إلى الهند هي الأرجح.
وأنشئ في الهند أول اتحاد دولي للعبة في عام 1988 بعد اتفاقها مع عدد من الدول، منها "سيريلانكا، وجزر المالديف، وماليزيا، وألمانيا، وسويسرا"، حتى أصبح لها بطولات دولية. وأقرت قواعدها وقوانينها الدولية في نفس العام.
وأما عن دخولها إلى الخليج العربي بشكل عام، فيعود إلى التجارة بين الهند والدول المعنية، وكثرة العمالة الوافدة في هذه البلدان، ويشير مصمم طاولات "الكيرم"، محمد جمعة المعروف بأبو جاسم، إلى أن اللعبة دخلت إلى الكويت منذ السبعينيات في الأندية والأنشطة الصيفية داخل الكويت، ولم تكن تحظى باهتمام واسع.
إلا أن الاتحاد الذي أنشئ في الثمانينيات من القرن الماضي لم يؤثر فقط في الدول المشاركة، بل وصل تأثيره إلى الخليج، إذ يؤكد جمعة "بالتزامن مع بداية الثمانينيات بدأت اللعبة في الدخول بشكل موسع حتى وصلت إلى الجلسات الخاصة حتى التسعينيات"، إلا أنها لم تحقق طفرة كبيرة في وقتها، واستمرت في الانتشار تدريجاً، كما هو الحال في دول الخليج كافة.
ولم يكن الجيل الجديد يعرف الألعاب التقليدية أو يمارسها، فهو الذي لطالما أشير له بجيل التكنولوجيا والتسارع الرقمي، إلا أن كورونا قلبت الموازين لتقرب الجميع وتعرف الأجيال على اهتمامات بعضهم البعض، ويؤكد مصمم طاولات "الكيرم" أن فيروس كورونا تسبب في إقبال شديد على اللعبة بشكل خاص وبقية الألعاب الجماعية بشكل عام، وكانت السعودية تتربع على قائمة الطلبات، كما يقول.
واللعبة التي كانت تتكون من أربعة لاعبين يشتركون في ساحة لعب خشبية مربعة، لم تصبح كما كانت، أخيراً، إذ اقتادت الصدفة المصمم الكويتي جمعة إلى اللقاء بأحد صانعي اللعبة من الجنسية الهندية، والذي كان مقيماً في الكويت آنذاك، وبدأ معه مشوار الابتكار على "الكيرم" التقليدية.
ورغبة في مشاركة أكبر عدد ممكن من اللاعبين ليتسنى للعائلة المشاركة في اللعب، حاول جمعة أن يبتكر شكلاً جديداً ليكون سداسياً، وهو ما أدى إلى تغيير طفيف في آلية اللعب، ويضيف المصمم "الشكل السداسي يضيف نوعاً من الحماس والإثارة للاعبين ويشعل روح التحدي بينهم، كما حاولنا ابتكار تصميم جديد ثلاثي أيضاً"، وهو ما أضاف شكلاً جديداً وروحاً جديدة على اللعبة في مستوى الخليج العربي.
وفي زمن الهواتف النقالة وإدمان المشروبات المنبهة، حاول المصمم أن يتماشى مع العصر لتستطيع "الكيرم" أن تحيا سنوات مديدة، حتى أدرج فيها وسائل التقنية الحديثة والتسهيلات التي تتيح للاعبين حفظ المشروبات في حاملات أكواب مخصصة.
هوس المناعة قد يكون جاء عكسياً
بدورها، تحولت المطابخ إلى تجمع للأسرة ووسيلة للترويح عن الذات، بعد أن غزت شائعات قوائم الطعام المعززة للمناعة مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها العسل والليمون وغيرهما.
وفي محاولة للابتكار وتعزيز المناعة في مواجهة الوباء، يبدو أن المجتمع السعودي حاول إدخال الأطعمة المفيدة إلى كافة الأطباق الممكنة، ومنها اشتهرت "كعكة الليمون" لتكون الأبرز في الفترة الماضية، كونها تحتوي على الليمون كمكونٍ أساسي لها، في محاولة لرفع معدل فيتامين "سي".
إلا أن البعض يبدون وكأنهم تناسوا كميات السكر الكبيرة والزيت والدقيق والمكونات الأخرى، التي لا تشارك الليمون في صحته وفوائده المذكورة، كما تقول إخصائية التغذية، نوال الطوب "كعكة الليمون مليئة بالكربوهيدرات عوضاً عن أن الفيتامين سي يتكسر فور تعرضه لدرجات الحرارة العالية، وهو ما يفقده قيمته الغذائية المنشودة"، إذ ينصح بتناول مصادر فيتامين "سي" بشكلها الأساسي مباشرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من انقطاع العديد من العادات المجتمعية السابقة، فإن عودة الأفراد لمنازلهم واعتمادهم الكلي على الطبخ وعودة الاعتبار للطهي المنزلي، وهو ما تراه الطوب مكسباً بغض النظر عن الصنف "كون الأغذية الجاهزة والمحضرة خارج المنزل، غالباً ما تكون مجهولة المصدر ولا يمكن ضمان نظافة معديها".
وفي سياق متصل، وعلى الرغم من ازدياد أعداد الإصابات بفيروس كورونا، فإن أعداد الإصابات بالإنفلونزا الموسمية انخفضت بشكل ملحوظ، وتشير إخصائية التغذية إلى "أن اتباع النظام الغذائي الصحي والمضمون للمجتمع بشكل عام خلف هذا التراجع".
وارتفعت مبيعات البرتقال والليمون لكونهما يعرفان بفائدتهما للجهاز المناعي وبالتالي أسعارها، إلا أن الطوب تؤكد "فيتامين سي لا يتواجد فقط في الليمون والبرتقال، بل يوجد بكميات ممتازة جداً في الكيوي والفلفل الحلو". ولم تكن هذه الأغذية الوحيدة التي ارتفعت مبيعاتها، حيث ارتفعت كذلك مبيعات الحبة السوداء والعسل الطبيعي.
إلا أن الارتفاع في مبيعات العسل صاحبه ارتفاع ملحوظ في الغش التجاري، وتؤكد إخصائية التغذية "من المهم التأكد من صحة وجودة العسل"، والطريقة الأسهل للتأكد من جودته هي عبر وضعه في كوب من الماء، فالعسل النقي لا يذوب بسهولة في الماء، وتبقى أغرب طرق اختبار جودته عبر محاولة إشعال النار في العسل، فإن لم يشتعل فهو مغشوش.
الحجر من قُمرة الإبداع
الحجر والقيود التي فرضتها السعودية في محاولة لاحتواء الفيروس تركت تأثيرها على الفن والفنانيين مثل الكثير من القطاعات الأخرى، خصوصاً أولئك الذين كانوا ينعشون إبداعهم بمشاهدة الحياة خارج المنزل، في وجوه الغرباء والشوارع القديمة، والمدن المزدحمة.
فالكاميرات التي توقف الزمن لتكتب التاريخ بألوان زاهية ولتجسد الواقع لمن لم يحضره، كان وكأنما أصاب أصحابها شلل الإبداع، وهي ما تعرف بـ"الفراغ الذهني" الذي يسبب انتكاسة وتوقف للإبداع في ظل ظروف متغيرة أو فترات عصيبة يمر بها.
وخلال الحجر الصحي في السعودية، سلّط المصور راشد السبيعي عدسته على داخل المنزل، وبين الجدران الأربعة كان يرى قصصاً تستحق أن تروى وتحفظ لتذكر لاحقاً، ويعلق السبيعي قائلاً "العائلة أوجدت فعاليات داخل المنزل، وهذا بحد ذاته يعتبر محفزاً لالتقاط لحظات أجمل لهم بتوثيق يومياتهم وتفاصيل حياتهم"، فالبقاء في المنازل لم يكن عائقاً للإبداع كما يبدو.
وكان الشباب السعودي في غالب الأمر يعامل المنازل معاملة المسكن والمأمن لا أكثر، إلا أن اللحظات الغنية التي أوقف زمنها بعض المصورين، كان لها معنى عميق، ويضيف السبيعي "تصوير اليوميات داخل المنزل يكون بشكل بسيط من دون أي تكلف، وهذا ما يجعل الصورة قريبة للمتلقي، ويجعلك أيضاً تحت تحد لكيفية ابتكار لقطات وصور لنفس المكان لكن بشكل مختلف وزاوية أخرى".