على وقع الضغوط الدولية على الجيش، تكثفت الدعوات للعصيان المدني الأربعاء في ميانمار، فيما اتهمت واشنطن بشكل رسمي العسكريين بتنفيذ "انقلاب" ووعدت بعقوبات جديدة ضد السلطات العسكرية.
لكن وثيقة للشرطة جرى الاطلاع عليها اليوم الأربعاء 3 فبراير (شباط)، أفادت بأن الشرطة وجهت اتهامات لزعيمة البلاد التي أطيح بها أونغ سان سو تشي بمخالفة قانون الاستيراد والتصدير، وأنها تسعى لاحتجازها حتى 15 من هذا الشهر.
وذكرت الوثيقة التي صدرت عن مركز للشرطة في العاصمة نايبيداو، أن ضباط الجيش الذين فتشوا مقر إقامة سو تشي عثروا على أجهزة لاسلكية تم استيرادها بشكل غير قانوني واستخدامها من دون إذن.
في السياق نفسه قال حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، إن مكاتبه في عدة مناطق من البلاد تعرضت للمداهمة، وتمت مصادرة وثائق وأجهزة كمبيوتر محمولة. وذكرت الرابطة التي تتزعمها سو تشي، في بيان على "فيسبوك"، أن المداهمات بدأت أمس الثلاثاء، وحثت السلطات على وقف ما قالت إنها أعمال غير قانونية بحقها.
وأكد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أن على الاتحاد الأوروبي "التفكير" في فرض عقوبات جديدة على العسكريين في ميانمار، في حال لم يرفعوا حالة الطوارئ التي أعلنت الاثنين.
وقال لودريان لإذاعة "أوروبا 1"، "إذا استمر الوضع فيجب التفكير على مستوى أوروبي، بإجراءات إضافية لإبداء دعمنا للمسار الديمقراطي، وفي الوقت نفسه رغبتنا في عدم السماح لهذا البلد في الانحراف إلى ديكتاتورية عسكرية".
وكان الجيش أنهى الاثنين بشكل مفاجئ الانتقال الديمقراطي الهش في البلاد عبر فرض حالة الطوارئ لمدة سنة، واعتقل رئيسة الحكومة المدنية بحكم الأمر الواقع أونغ سان سو تشي ومسؤولين آخرين من حزبها "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية".
وبعد يومين على هذا الانقلاب الذي نددت به عدة عواصم أجنبية، ظهرت أولى إشارات رفضه على شبكات التواصل الاجتماعي.
عصيان خجول
أُطلقت مجموعة تدعى "حركة العصيان المدني" على "فيسبوك" وباتت تعد صباح الأربعاء نحو 150 ألف مشترك، وحملت الصفحة شعارات مثل "عار على الجيش" و"العسكريون لصوص"، ولم يتردد أطباء وممرضون في إعلان رغبتهم في الاحتجاج.
وكتب هؤلاء العاملون في القطاع الصحي في إعلان مشترك "سنطيع فقط حكومتنا المنتخبة ديمقراطياً" فيما يعترض الجيش على نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) كانت حققت فيها الرابطة الوطنية فوزاً كبيراً.
وأضافوا "لقد توقفنا عن الذهاب إلى المستشفيات التي وضعت حالياً تحت سلطة عسكرية غير شرعية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حي تجاري في رانغون عاصمة البلاد الاقتصادية، كان سكان يقرعون على الطناجر للاحتجاج أمس الثلاثاء، فيما ردد بعضهم "تحيا الأم سو" في إشارة إلى أونغ سان سو تشي.
وتجاوزت أصداء الأزمة البلاد إلى بلدان آسيوية أخرى، إذ احتشد آلاف المتظاهرين من ميانمار أمام وزارة الشؤون الخارجية اليابانية اليوم الأربعاء، مطالبين طوكيو بالانضمام إلى حلفائها واتخاذ موقف أكثر صرامة من الانقلاب العسكري في بلادهم.
وارتدى المتظاهرون ملابس باللون الأحمر ولوحوا بصور لزعيمة ميانمار أونغ سان سو تشي، ووقفوا في صف حول مبان حكومية في طوكيو التي نادراً ما تشهد تظاهرات سياسية كبيرة.
وهتفت الحشود "الحرية لأونغ سان سو تشي، الحرية لميانمار" وسلّم ممثلو المحتجين مسؤولين في وزارة الخارجية اليابانية بياناً يدعو طوكيو إلى استخدام كل "قوتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية" لإعادة الحكومة المدنية في ميانمار.
وقال اتحاد مواطني ميانمار الذي نظم المسيرة، إن اليابان يجب ألا تعترف بالنظام العسكري الذي تشكل حديثاً. وقال المنظمون، إن قرابة ثلاثة آلاف شخص شاركوا في الاحتجاج.
الانقلاب كان متوقعاً؟
كانت سو تشي توقعت احتمال حصول انقلاب فأعدت رسالة خطية قبل اعتقالها حضت فيها الشعب على "عدم القبول بالانقلاب"، لكن الخوف من أعمال انتقامية لا يزال كبيراً في البلاد التي عاشت منذ استقلالها العام 1948 تحت حكم ديكتاتورية عسكرية على مدى خمسين عاماً.
واعتبر فرنسيس وايد وهو مؤلف كتب عن البلاد، أن "الشعب يدرك إلى أي حد يمكن أن يستخدم الجيش العنف وعدم الاكتراث بالسمعة الدولية، وهذا يمكن أن يكبح الرغبة في التعبئة".
الأربعاء نشرت صحيفة "غلوبال نيو لايت أوف ميانمار" الخاضعة لسيطرة الدولة، تحذيراً من وزارة الإعلام يقول، "بعض المنظمات ووسائل الإعلام تنشر إشاعات على شبكات التواصل الاجتماعي"، وحذرت من القيام بمثل هذه الأعمال، داعية السكان إلى "التعاون".
وأثار الانقلاب موجة إدانات دولية، في حين اعتبره الجنرال مين أونغ هلاينغ الذي بات يجمع حالياً كل السلطات تقريباً على رأس حكومة عسكرية، أنه "لا مفر منه".
وبعدما هددت بفرض عقوبات جديدة، صعدت إدارة جو بايدن لهجتها الثلاثاء ضد ميانمار، في أول اختبار دولي للرئيس الأميركي الجديد.
وقالت مسؤولة أميركية "خلصنا إلى أن أونغ سان سو تشي زعيمة الحزب الحاكم في ميانمار، ووين مينت رئيس الحكومة المنتخب أقيلا في انقلاب عسكري"، ويعطل هذا القرار القانوني المساعدة المباشرة للبلاد".
لكن هذا القرار يبقى رمزياً إلى حد كبير، لأن الجيش في ميانمار يتعرض أساساً لعقوبات منذ الفظاعات التي ارتكبها جنوده في 2017 ضد أقلية الروهينغا المسلمة، في أزمة دفعت بمحققي الأمم المتحدة إلى اتهام ميانمار بارتكاب "إبادة".
من جانب آخر، وفي إطار ردود الفعل الدولية أيضاً عبّر وزراء خارجية مجموعة السبع الأربعاء عن "قلقهم الشديد" إزاء الانقلاب.
تنديد خال من الوعيد
جاء في بيان مشترك صدر من لندن "نحن نشعر بقلق شديد إزاء اعتقال قادة سياسيين وناشطين من المجتمع المدني بينهم مستشارة الدولة أونغ سان سو تشي والرئيس وين مينت، وإزاء استهداف الإعلام".
وأضاف "ندعو الجيش إلى إنهاء حالة الطوارئ فوراً، وإعادة السلطة إلى الحكومة المنتخبة ديمقراطياً، والإفراج عن كل المعتقلين ظلماً، واحترام حقوق الإنسان وسلطة القانون".
وعقد مجلس الأمن الدولي الثلاثاء اجتماعاً طارئاً في جلسة مغلقة، لكنه لم يتمكن من الاتفاق على نص مشترك، وقال دبلوماسي رفض الكشف عن اسمه إن المفاوضات لا تزال جارية.
ومن أجل اعتماد إعلان مشترك، يجب الحصول على دعم الصين التي تملك حق النقض بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي. لكن بكين تبقى الحليف الرئيس لميانمار في الأمم المتحدة.
الحزب يناشد والصين تحمي
وخلال أزمة الروهينغا تصدت الصين لكل مبادرة في مجلس الأمن الدولي، معتبرة أن النزاع مع الأقلية المسلمة في البلاد هو من الشؤون الداخلية لميانمار.
ودعا حزب أونغ سان سو تشي (75 عاماً) على "فيسبوك" "للإفراج" فوراً عن الزعيمة والمسؤولين الآخرين في الحزب، مندداً بـ"وصمة عار في تاريخ الدولة".
وأضاف الحزب الذي وصل إلى السلطة منذ الانتخابات التشريعية في 2015، أن على الجيش "الاعتراف بنتيجة" انتخابات نوفمبر.
وبحسب نائبة في الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية طلبت عدم ذكر اسمها، فإن أونغ سان سو تشي الحائزة جائزة نوبل للسلام العام 1991، ووين مينت وضعا "في الإقامة الجبرية" في العاصمة نايبيداو.
وذكر متحدث باسم الحزب، أنه لم يجرَ أي اتصال مباشر معها، حتى وإن شاهدها جيران تتنزه في حديقة مقر إقامتها الرسمي.
ووعد الجيش بإجراء انتخابات جديدة حين تُرفع حالة الطوارئ.
السلطات تفرض قيوداً على "فيسبوك"
وأعلن موقع "فيسبوك"، الخميس، أن السلطات في ميانمار فرضت قيوداً على بعض خدماته.
وقال متحدّث باسم الشركة لـ"وكالة الصحافة الفرنسية" "نحن ندرك أن الوصول إلى "فيسبوك" غير ممكن حالياً لبعض الأشخاص".
وأضاف "نحض السلطات على إعادة الاتصال حتى يتمكن الناس من التواصل مع عائلاتهم وأصدقائهم والاطلاع على معلومات مهمة".
وتحظى منصة التواصل الاجتماعي بشعبية واسعة في ميانمار، وهي وسيلة الاتصال الأساسية بالنسبة إلى كثيرين. وكثيراً ما تستخدم الوزارات والإدارات الحكومية موقع "فيسبوك" لنشر بياناتها.
ووفق "نتبلوكس"، المنظمة غير الحكومية التي تراقب انقطاع الإنترنت في جميع أنحاء العالم، فإن مزودي الخدمة في ميانمار يحظرون أو يقيدون الوصول إلى "فيسبوك" والشركتين التابعتين له "واتساب" و"إنستغرام".
وقالت "نتبلوكس" في تغريدة على "تويتر" إن "منتجات "فيسبوك" مقيدة الآن من قبل عديد من مزودي خدمة الإنترنت في ميانمار حيث يلتزم المشغلون أمر حظر واضح".
وأضافت أن شركة "أم بي تي" الحكومية المزودة لخدمات الإنترنت فرضت الإجراءات الأكثر شدة لتقييد الولوج إلى هذه المواقع.