لم يأتِ توقيت تسريب موافقة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي على الحلف الدفاعي مع الولايات المتحدة صدفة، على الرغم مما يثيره هذا الموقف من خلافات داخلية في المؤسستين العسكرية والأمنية في تل أبيب.
والأمر البارز في الموضوع، وفق ما يظهر من النقاش الإسرائيلي حوله، أن كوخافي رضخ لضغوط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووافق على حلف دفاعي مع الولايات المتحدة، قبل أقل من شهرين من الانتخابات البرلمانية في إسرائيل، التي تشير استطلاعات الرأي حولها إلى تراجع شعبية الأخير وعدم قدرته على تشكيل حكومة واسعة وثابتة.
وسبق وأثار نتنياهو موضوع الحلف الدفاعي قبل الانتخابات السابقة، في محاولة لرفع مكانته بين الناخبين، وفي مواجهة منافسيه كشخصية سياسية ذات مكانة دولية مهمة، وهو اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى لإبراز مزايا له يفقدها منافسوه، وفي هذا الجانب لا يوجد أي منافس له يتمتع بمكانة دولية مهمة.
الاتفاق مع إيران؟
لكن من دون أدنى شك، فإن كوخافي الذي يصرّ على موقفه من مخاطر الاتفاق مع أميركا، يريد لمثل هذا الحلف أن يكون داعماً له في خطوات يجري بحثها هذه الأيام في كل ما يتعلق بالتعامل مع الملف النووي الإيراني، وكيفية تمتين العلاقة مع الولايات المتحدة. وتسريب موقفه حول الحلف الدفاعي جاء بعد أقل من 24 ساعة من لقائه قائد القيادة المركزية في الجيش الأميركي الجنرال كينيث ماكينزي، الذي قام بزيارة إلى تل أبيب استغرقت يومين بهدف إجراء تقييم استراتيجي مع كوخافي وبحث سبل تعزيز التعاون الإقليمي في مواجهة التهديدات المحدقة بإسرائيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح رئيس أركان الجيش لضيفه الأميركي أن العلاقات العسكرية والاستراتيجية بين الجانبين، "شكلت على مدار سنوات، مكوناً أساسياً في ترسيخ الأمن القومي لإسرائيل وتفوّقها على أعدائها"، وشدد على أن الشراكة بين البلدين تلعب دوراً رئيساً في التعامل مع التهديدات المشتركة وفي مقدمتها الخطر الإيراني.
انقسام داخلي
مواقف كوخافي حول الملف الإيراني، عموماً، والحلف الدفاعي مع الولايات المتحدة، خصوصاً، أحدثت انقساماً في الرأي داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية في إسرائيل، إلى جانب جهات سياسية حذرت من أن تقود هذه المواقف إلى توتر في العلاقات مع الولايات المتحدة، بالنسبة إلى الاتفاق مع إيران، أو إلى توتر في العلاقات مع روسيا، في شأن الموقف من الحلف الدفاعي، إذ هناك خشية من أن تتخذ موسكو موقفاً ضد الهجمات الإسرائيلية على سوريا، بحيث تفعّل منظوماتها المضادة للطيران، وهي خطوة لم تتخذها خلال الهجمات الجوية التي نفذتها تل أبيب خلال السنوات الأخيرة هناك، مع ما يعني ذلك من خطر إسقاط طائرات لها ستنفّذ عمليات القصف.
وبالنسبة إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية في إسرائيل، لا يقل تموضع إيران في سوريا ومحاولات نقل الأسلحة، وهما من الخطوط الحمر التي وضعتها تل أبيب وهددت بعدم السماح بتجاوزها، أهمية عن أبعاد ومخاطر توقيع اتفاق مع طهران.
المخاطر المحدقة
وقد حذرت جهات أمنية من أن هذا الحلف سيلزم إسرائيل بأخذ مصالح الولايات المتحدة في العراق في الحسبان، وهناك تخوف آخر طُرح في الأجهزة الأمنية يتعلق بقدرة واشنطن على مطالبة الجيش بعدم استخدام الوسائل القتالية الأميركية في الحالات التي تنوي فيها تل أبيب العمل بصورة لا تتلاءم ومصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وتواصل الأجهزة الأمنية بحث سبل التعامل مع ملفي إيران والحلف الدفاعي مع واشنطن، في وقت واصلت التنسيق مع جهات أميركية في كيفية إدارة المستجدات في المنطقة والمخاطر المحدقة بإسرائيل من مختلف الجبهات، ومن جهة طهران بشكل خاص.
وكجزء من التعاون، اتخذت خطوات دفاعية مختلفة مثل تشغيل مشترك لوسائل كشف وتشخيص إطلاق صواريخ وقذائف على إسرائيل وعلى أهداف أميركية في الشرق الأوسط.
معضلة الحلف الدفاعي
وفي موقف لرئيس المعهد الإسرائيلي للسياسات الاستراتيجية في المركز متعدد المجالات "هرتسليا"، الجنرال عاموس جلعاد، فإن "حلف الدفاع بين إسرائيل والولايات المتحدة يعتبر رائعاً من الناحية السطحية، لكن ضرره من الناحية العملية يفوق منفعته".
وبرأيه، فإن إسرائيل "موجودة في منطقة معقدة تستوجب نشاطاً مستقلاً للجيش، وهو نشاط لا يُخفى على أحد أنه لا ينسجم أحياناً مع السياسة العامة لواشنطن".
وحذر جلعاد من الحلف الدفاعي بالقول إنه "حلف يقيّد إسرائيل بشكل لا يمكّنها من الدفاع عن أمنها، إذ سيتعيّن على تل أبيب طلب الإذن والتنسيق المسبق لكل نشاط، والالتزام بالقيود"، مشدداً على أن "الأفضل لها هو البقاء على التعاون الاستخباري الموجود بينها وواشنطن، بشكل مرن وعدم تعريفه ضمن اتفاقيات بسبب أهميته".
وذكّر جلعاد بما حدث في حرب الخليج عندما اضطرت إسرائيل إلى الالتزام بالمطلب الأميركي بالامتناع عن مهاجمة صدام حسين، الذي أمر بإطلاق الصواريخ عليها، واقتضت مصلحتها، التي كانت موضع خلاف، أن تقبل بالطلب الأميركي.
ونوّه بأن مثل هذا الأمر لا يمكن أن توافق عليه الأجهزة الأمنية في كل مرة. وفي سياق مثل هذه التحذيرات، كشف عن أن واحدة من التوصيات التي قُدّمت إلى متخذي القرار في تل أبيب القيام بضربة استباقية ضد إيران لمنعها من الوصول إلى قنبلة نووية. وبتنفيذ مثل هذه التوصية، من دون تنسيق مع واشنطن، ستنقلب كل موازين العلاقات الأمنية والسياسية بين البلدين.