قد يبدو خبر اغتيال الناشط السياسي اللبناني لقمان سليم صباح اليوم، عادياً بالنسبة إلى فئة كبيرة تعوّدت أن كل منتقد لسياسات "حزب الله" وخياراته يجب أن يُحاسب، لكنه لن يمر مرور الكرام بين الأوساط الشيعية المعارضة لخط الحزب ونهجه، فسلسلة الاغتيالات الفكرية لم تتوقف منذ ثمانينيات القرن الماضي، بدءاً بالمفكرَين حسين مروة وحسن حمدان (مهدي عامل)، مروراً بالصحافيَين سمير قصير وجبران تويني، وصولاً إلى لقمان الصوت الأبرز في المعارضة الشيعية للمنظومة العسكرية والأمنية في لبنان.
وقد نفى الحزب أي صلة بهذه الاغتيالات وفي أحدث رد على اغتيال سليم ندد "حزب الله" باغتيال الناشط اللبناني المعروف بمواقف منتقدة للميليشيات المدعومة من إيران.
الرصاصات التي اخترقت جسد الباحث والمفكر اللبناني، أبعد من قتل الروح، هي اغتيال فكري ومعنوي للخط المعارض في الطائفة، المنتقد بصوت عالٍ لمنظومة الفساد والسلاح والهيمنة والوجود الخارجي في المنطقة.
عمل لقمان على أرشفة الماضي والحرب الأهلية اللبنانية لفهم ما حصل فعلاً في بلد مزّقته الطائفية والعنصرية والوجود الأجنبي، وحاول من خلال كتاباته وأبحاثه التعريف بثقافة السلام والسلم الأهلي عبر المشاريع التي أطلقها كمركز "أمم" للأبحاث والتوثيق، وجمعية "هيّا بنا".
ما حصل اليوم قد يتكرّر في القريب العاجل، والتجربة خير برهان، فبعد انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، قُمعت الكثير من الأصوت المعارضة للثنائي الشيعي، إذ ضُرب المتظاهرون في النبطية وأطلق الرصاص عليهم مما أوقع إصابات، وضُرب مسنّ في عربصاليم لانتقاده سياسات القمع، كما عُذّب شاب من كفرمان لانتقاده على "فيسبوك" انقطاع الكهرباء في بلدته، فيما تبقى منطقة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري مضيئة طوال الوقت، في حين حُرقت خيم المعتصمين في وسط بيروت، والفاعل يبدو دائماً معروف لكثيرين. مع هذا نفي "حزب الله" كل مرة تورطه بمثل هذه الإجراءات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن يبدو أن ثمة منهجاً واضحاً لكمّ أفواه المعارضين جنوب لبنان، المنطقة التي تشكل الخزان الجماهيري الأكبر للثنائي الشيعي، ومن لا يعرف البيئة الجنوبية يدرك أن الحزب يتحكم بالنّفَس الذي يدخل المنطقة، ويسيطر على تلالها وحدودها، ووجود القوى الأمنية هناك مجرد مشهد مسرحي لإتمام فكرة "سيطرة الدولة على كل لبنان".
لم يكن لقمان سليم رجلاً عادياً، قرّر المقاومة على طريقته، ومن الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل "حزب الله"، مارس حريته من منزل العائلة، وافتتح معارض فنية ونظّم جلسات حوار وحلقات نقاش، وجمع حوله من يشبهه بأفكاره، وهناك أيضاً تعرّض لمختلف أنواع التهديد، لكنه كان مؤمناً بما يفعله ومضى به إلى ما لا نهاية.
لم يغادر لقمان الضاحية الجنوبية، وبقي ملتصقاً بحارة حريك، وجاهر بعلاقاته مع سفارات داعمة لنشاطات مؤيدة للحريات ومناهضة للّون الواحد والقمع، ولم يتوقف الأمر على الحدود اللبنانية، إذ عارض لقمان وبشدة ذهاب "حزب الله" للقتال في سوريا، ونشرت صحيفة "لوريون لوجور" المتحدثة بالفرنسية تقريراً حول المعارض الشيعي، وما يتعرض له من اتهامات حول أنه "عميل" يسعى لتدمير حزب الله من الداخل.
سيرة ذاتية
الناشط السياسي والاجتماعي لقمان سليم، باحث ومفكر عمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والتوعية بأهمية المواطنة والمساواة في بلد يعاني انقسامات وصراعات سياسية وطائفية عميقة.
يُؤمن مركز "أمم" للتوثيق والأبحاث، الذي أسسه لقمان سليم، أن التعامل مع أعمال العنف في تاريخ لبنان، والمتجسدة في الحرب الأهلية منذ العام 1975 وحتى 1990، أمر أساسي للقضاء على شبح تجدد الصراع الذي لا يزال يتردد على البلاد حتى اليوم.
ومن أجل ذلك خصّص المركز جزءاً كبيراً من الموارد لتسجيل التاريخ اللبناني، وتجميع تشكيلة متنوعة من الوثائق التاريخية والأعمال الفنية، والحفاظ عليها والترويج لها بين الجماهير، وبفضل صمود المركز بدأ اللبنانيون في الاستجابة لدعوات مراجعة أرشيفهم، والاشتراك في الأعمال المستمرة للتصالح مع ماضي البلاد المضطرب، أملاً في الفوز بحاضر ومستقبل أكثر عدلاً .
كما أسس العام 2008 جمعية "هيّا بنا" التي تهدف للدفاع عن قيم المواطنة والتسامح والتعدد والديمقراطية وحقوق الإنسان، ونشرها بكل الوسائل الممكنة، وتنمية أوضاع المواطنين من النواحي الثقافية والعلمية والاجتماعية والصحية، والحرص على توفير الاستقرار والأمن للمواطن وإعداده للمواطنة المثلى، وتمتين الروابط اللبنانية وتطبيق المساواة في ما بينهم، والتأكيد على حقوق المرأة كشريكة أساسية في المجتمع اللبناني.