تتوسع دائرة الود ويتوطد التقارب بين الجزائر والدول الأفريقية، بشكل يكشف عن تغييرات في التوجهات الخارجية لأكبر بلد في القارة السمراء. وفي حين رأت جهات أنها محاولات استدراك الغياب بسبب الضعف، أشارت أخرى إلى أن الأمر يتعلق بتحقيق مصالح في إطار النظرة الجديدة للرئيس عبد المجيد تبون.
خطوات متسارعة
وتتسارع خطوات الجزائر في اتجاه القارة الأفريقية، فبعد الزيارات المكوكية لوزير خارجيتها صبري بوقادوم إلى عدد من دولها، جاءت الإجراءات العملية والتصريحات لتعلن عن بداية مرحلة جديدة من العلاقات الجزائرية الأفريقية، إذ أكد وزير التجارة الجزائري، كمال رزيق، فتح الجزائر المعابر الحدودية مع موريتانيا، وليبيا، والنيجر، ومالي، في إطار دخول منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية النشاط الفعلي.
فتح المعابر وانطلاق تجارة المقايضة
وكشف رزيق أن الاجتماع الرابع لمجلس وزراء التجارة للدول الأفريقية الذي شارك فيه، تطرق إلى تطبيقات منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية التي انطلقت بداية يناير (كانون الثاني) 2021، لتنظيمها تحضيراً لدخولها الفعلي في النشاط، متابعاً أنه "نحن بصدد المصادقة على الإجراءات التي ستسمح بضبط كل الملفات المتعلقة بالنشاط التجاري في المنطقة"، وأكد أن الجزائر تولي أهمية كبيرة لهذه المنطقة كونها مستقبل التعاون الاقتصادي والتجاري بين الـ54 دولة أفريقية المعنية.
كما أبرز الوزير "بخصوص اتفاق تجارة المقايضة"، أن الجزائر ارتأت تنشيط آداء التجارة والمؤسسات المتواجدة في المناطق المعنية مع المؤسسات والمتعاملين في الدول الحدودية المجاورة، مشيراً إلى أن وزارة التجارة ستنظم في الأيام المقبلة جلسة مع المحافظين والمديرين المعنيين بهذه العملية لدرس القرار الوزاري المشترك للمقايضة وحل الإشكالات المطروحة وتقييم العملية.
ومنحت مديرية التجارة تراخيص لفائدة أحد عشر متعاملاً اقتصادياً في محافظة إليزي، جنوب الجزائر، لممارسة تجارة المقايضة الحدودية مع مالي والنيجر، بما يسمح بتصدير 14 منتجاً جزائرياً، مقابل 36 مسموح استيرادها.
طريق الملح؟
ويعتبر أستاذ الاقتصاد أحمد الحيدوسي أن الفضاء الحقيقي للاقتصاد الجزائري هو أفريقيا وهذا ليس بالجديد، بل هو ضارب في عمق التاريخ منذ آلاف السنين من خلال ما يطلق عليه "طريق الملح"، الذي يمثله اليوم طريق الوحدة الأفريقية. فطريق الملح التجاري الذي ربط الشمال بالجنوب كان مثل "طريق الحرير"، لذلك على الجزائر استغلال هذا الفضاء، مضيفاً أن تجارة المقايضة مهمة جداً ليس فقط من الناحية الاقتصادية بل حتى من الناحيتين السياسية والأمنية، لكن "لا يجب التوقف عند هذا الحد، بل يجب اعتبار تجارة المقايضة الأرضية، التي من خلالها تُبنى استراتيجية تكاملية قوية ودائمة، تصب في مصلحة البلدان المتجاورة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويواصل الحيدوسي، أن دول الساحل قطعت أشواطاً كبيرة في مجال التكامل في ما بينها وقد بلغت المرحلة الرابعة من التكتل، من خلال اتحاد نقدي وبنك مركزي مشترك موجود في العاصمة دكار في السنغال، يشرف على عملة الفرنك الغرب أفريقي، بالإضافة إلى حرية تنقل الأشخاص بين دول هذا الفضاء، في حين أن الجزائر لم تنطلق بعد في المرحلة الأولى من مراحل التكتلات الاقتصادية وهي التجارة التفاضلية والمناطق الحرة، وأشار إلى أن الجزائر مجبرة ليست مخيرة لدخول هذا الفضاء الذي إن لم تستغله ستجد من يستغله، مبرزاً أن هناك سباقاً محموماً على أفريقيا في السنوات الأخيرة، مع ظهور لاعبين جدد في الساحة كالهند والصين وتركيا والبرازيل، لذلك يمكن القول إن توجه الجزائر نحو أفريقيا يحقق مصالح اقتصادية من جهة، كما أنه حماية لها من تواجد لاعبين جدد قد يشكلون خطراً مستقبلياً عليها من جهة أخرى.
نشاط دبلوماسي حيوي
وترافق الجزائر تحركها التجاري والاقتصادي في أفريقيا، بنشاط دبلوماسي حيوي، تمثل بتأكيد وزيرها للخارجية بوقادوم خلال تنقلاته بين دول القارة السمراء، ومشاركته في أشغال الدورة الـ38 للمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي، وحرص بلاده الدائم على آداء التزاماتها كاملة وفي وقتها إزاء ميزانية الاتحاد الأفريقي وصندوق السلم، إيماناً منها بمبدأ التضامن والتقاسم العادل للأعباء، وسعياً منها لتحقيق أهداف القارة الأفريقية على مختلف الصعد، وتشديده على ضرورة التمسك بالمبادئ المؤسسة للاتحاد الأفريقي، خصوصاً ما يتعلق منها باحترام سيادة الدول الأعضاء، في إطار تنفيذ برنامج تطوير البنية التحتية.
وسبق ذلك، دعوة الجزائر على لسان الوزير بوقادوم، أثناء اجتماع وزاري للجنة الاتحاد الأفريقي المكلفة بملف إصلاح مجلس الأمن الأممي، إلى إنهاء ما سمّته "الظلم التاريخي" بحق أفريقيا داخل مجلس الأمن الدولي، وذلك بمنحها مقعدين دائمين فيه، ورفع تمثيلها في فئة المقاعد غير الدائمة، وقال: "يجب أن نحافظ على وحدتنا وانسجامنا ونتكلم بصوت واحد، حول الموقف الأفريقي المشترك".
خيار لكنه ضرورة
أستاذ الاقتصاد عبد المجيد كدي يرى أنه من الطبيعي أن تعود الجزائر إلى الفضاء الأفريقي بعد ما غابت عنه سنوات طويلة لاعتبارات، وقال إن هذه العودة تظهر وزن الجزائر الاقتصادي في القارة وموقعها الجيوإستراتيجي، وضرورة إيجاد فضاء اقتصادي يمكنها المنافسة فيه، فضلاً عن فكّ الاختناقات التي يتعرض له اقتصادها نتيجة تعامله مع أسواق شمال المتوسط التي تعرف أزمات متواترة، مشيراً إلى أن حرص الجزائر على الوفاء بالتزاماتها يأتي من باب الامتثال لقواعد العضوية من جهة، وتوفير الوسائل والأدوات التي تسمح للاتحاد بتجسيد سياساته وتنفيذها في الواقع من جهة ثانية، فضلاً عن السعي لاستقلالية القرار الأفريقي بعيداً عن الضغوطات المرافقة للمساعدات الآتية من هنا وهناك، وختم أن الفضاء الأفريقي بقدر ما هو خيار، هو ضرورة تفرضها الاتجاهات التكاملية في الاقتصاد العالمي.
الكفاءة والحكمة
ويعتقد الباحث في الشأن المغاربي سعيد هادف أنه من الحكمة أن تعمل الجزائر على تطوير تواصلها مع محيطها الأفريقي والانفتاح عليه، لا سيما التواصل البري بدل الانغلاق على الذات، وسواء كان هذا الانفتاح طوعياً أم تحت ضغط المصالح والظروف، فالمشكل ليس هنا بل في الكفاءة التي ستؤطر هذا التوجه وتسهر على ديمومته، مضيفاً أنه لا شك في وجود إرادة سياسية، لكنها وحدها لا تكفي، وقال "إذا ما توفرت الكفاءة والحكامة سيأخذ هذا الانفتاح مجراه الطبيعي، وقد يمتد إلى المعابر الغربية التي تعطلت بها الحياة أكثر من ربع قرن". وختم، أنه من المحتمل أن تكون هناك بوادر انفراج بين الجزائر والمغرب مع الذكرى الـ32 لتأسيس اتحاد المغرب العربي.