أرجع وزير المياه والري الإثيوبي سيليشي بيكيلي الفشل في التوصل إلى حل لقضية سد النهضة إلى كل من مصر والسودان، محملاً الدولتين مسؤولية تعطل المحادثات. وقال بيكيلي إن "القاهرة والخرطوم تتخذان مساراً يعطل المفاوضات التي تسعى أديس أبابا إلى إنهائها بشكل مرض لجميع الأطراف". وأكد الوزير الإثيوبي أن بلاده غير معنية بفشل الأطراف في التوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة خلال الجولات الماضية التي تمت برعاية الاتحاد الأفريقي.
المبادئ والالتزام
وأتت تصريحات المسؤول الإثيوبي في وقت تجمدت فيه مفاوضات الأطراف الثلاثة بشأن سد النهضة. وتمر المحادثات التي دخلت عامها السابع، بعد إبرام "اتفاق المبادئ"، بظروف فشل متلاحقة سواء في الجوانب القانونية، من خلال عدم التوصل إلى اتفاق ملزم في قواعد ملء وتشغيل السد، وآلية فض النزاعات بشأنه، إضافة إلى النواحي الفنية المتعلقة بالتشغيل المستمر للسد، وإعادة الملء في فترات الجفاف، إلى جانب التصريفات في سنوات الجفاف الممتد.
ويشير السودان من جهته إلى مخاطر حقيقية محتملة في حالة عدم التنسيق التشغيلي للسد جراء تدفق المياه في الظروف المتباينة، وتأثير ذلك على السدود السودانية، في حين تتخوف مصر من انتقاص حصتها السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب.
وكانت الدول الثلاثة أبرمت في 23 مارس (آذار) 2015 اتفاقية الخرطوم لمبادئ سد النهضة التي وقعها عليها كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس السوداني السابق عمر البشير إلى جانب رئيس الوزراء الإثيوبي السابق هيلي ماريام دسالين. ومثل اتفاق المبادئ حينها مرحلة مهمة ونقلة شرعية لمشروع السد، ودلالة على تقديم المصلحة الإقليمية لدول نهر النيل الثلاثة. وتضمن الاتفاق بين الدول الثلاث، 10 مبادئ أهمها:
مبدأ التعاون، ومبدأ التنمية، والتكامل الإقليمي والاستدامة، ومبدأ عدم التسبب في ضرر ذي شأن، إلى جانب مبدأ الاستخدام المنصف والمناسب، ومبدأ التعاون في الملء الأولي وإدارة السد، ومبدأ الثقة بين الأطراف. إضافة إلى مبادئ أخرى تدعو في جملتها إلى تحقيق الأمن الإقليمي، والمصالح المشتركة لدول النيل الثلاثة.
منهجية التفاوض
وتسبب اختلاف وجهات النظر في قضايا إلزامية الاتفاق، وإصرار إثيوبيا الأحادي في عملية ملء بحيرة السد الذي بدأته في أغسطس (آب) الماضي، إلى توقف المفاوضات لأكثر من مرة وفي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، دعت جنوب أفريقيا التي ترأست دورة الاتحاد الأفريقي السابقة، إلى عقد اجتماع بين الدول الثلاث (إثيوبيا والسودان ومصر) لمواصلة المحادثات تحت إشراف لجنة الوساطة الأفريقية. وصرح الناطق الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية السفير دينا مفتي حينها، بأن الاجتماع يأتي بعد توقف شهر كامل للمفاوضات بسبب مطالبة الخرطوم بتغيير "منهجية التفاوض".
وأشار إلى أن الاجتماع يأتي مسابقاً للزمن في ظروف انتقال رئاسة الاتحاد الأفريقي في دورة عام 2021 إلى دولة الكونغو الديمقراطية، بدلاً من جنوب أفريقيا التي تنتهي دورة رئاستها.
وكان السودان أكد تمسكه باتباع منهجية جديدة لمفاوضات سد النهضة. وقال وزير الخارجية السوداني المكلف عمر قمر الدين إسماعيل، "نحن في طريقنا للعودة إلى التفاوض حول سد النهضة بنهج جديد ولا خيارات سوى الحوار"، مضيفاً أن بلاده تتطلع إلى دور أكبر لخبراء الاتحاد الأفريقي في المفاوضات.
الملء الثاني
من جهته أردف وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس قائلاً إن "إصرار الإثيوبيين على المضي قدماً في الملء الثاني لسد النهضة من دون توقيع اتفاق مسبق، يهدد سلامة نصف سكان السودان الذين يسكنون على ضفاف النيل الأزرق". وجاءت تصريحات وزير الري السوداني خلال لقائه، أخيراً، برئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في الخرطوم روبرت فان دوول ورئيس الملف السياسي في البعثة دانيال وايس.
في سياق متصل، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي الذي زار القاهرة الأسبوع الماضي، وبحث معه مستجدات الأوضاع بالقارة السمراء وفي مقدمتها الوضع في القرن الأفريقي، وقضية سد النهضة، على ضوء الاستعدادات الجارية للقمة الأفريقية الحالية. وكان الرئيس المصري جدد موقف بلاده من مشروع سد النهضة، عبر التأكيد على "الثوابت المصرية" وما يتعلق ببلورة اتفاق قانوني ملزم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دعم أقوى
وضمن السجالات المتبادلة، تابع وزير المياه والري الإثيوبي سيليشي بيكيلي تصريحاته في مؤتمر صحافي عقده السبت 6 فبراير (شباط) الحالي، بمقر وزارة الخارجية، واستعرض خلاله أداء وزارته خلال الأشهر الستة الماضية، وقال إن "الأعمال الهندسية في بناء سد النهضة وصلت إلى نسبة 91 في المئة، بينما بلغت نسبة البناء الكلية 78.3 في المئة"، مشيراً إلى أن "إثيوبيا ستبدأ عملية الملء الثانية لسد النهضة خلال الأشهر القليلة المقبلة". وكان بيكيلي أشار في تغريدة عبر حسابه الرسمي على موقع "تويتر"، عقب زيارة موقع السد، إلى أن "بناء السد يسير على النحو المخطط له وبالطريقة المطلوبة"، مشيراً إلى أن "دعم الإثيوبيين في الداخل والخارج لاستكمال المشروع أقوى من أي وقت مضى".
تبعات إضافية
من جهة أخرى، يرى مسؤولون أفارقة أن ما تشهده قضية سد النهضة من تطورات سلبية سواء في فشل التوصل إلى تقدم ملموس، أو ما يتخلل المفاوضات من عثرات واتهامات متبادلة بين المتحاورين، يلقي بتبعات إضافية على هموم القمة الأفريقية التي بدأت جلساتها السبت الماضي.
وقال أستاذ القانون الدولي وفض النزاعات الدكتور خالد عثمان طه إن "التطورات الحالية في قضية سد النهضة وما تشهده المنطقة الإقليمية من تدافع سياسي تنافسي يشكل خطراً وعائقاً حقيقيين في إنهاء قضية سد النهضة، والتوصل فيها إلى اتفاق حضاري سلمي يحقق أمن الإقليم وغايات التعاون والنهضة المشتركة لشعوب المنطقة". وأضاف أن "على القمة الإفريقية الحالية مسؤوليات جمة في مواجهة ما تشهده القارة الأفريقية وبخاصة ما تمر به قضية سد النهضة من مستجدات". وأشار طه إلى أنه "في حالة الفشل الكامل للتوصل إلى تسوية في قضية سد النهضة لن يكون هناك من خيار سوى اللجوء إلى توسيع الوساطات الإقليمية وربما الدولية". وأضاف طه أنه "في حالات عدة، تم حل الخلافات حول المياه المشتركة بين بعض الدول بتسويات مرضية لكل الأطراف، إما من خلال المفاوضات أو التحكيم الدولي". وذكر أستاذ القانون الدولي من بين هذه الحالات "الخلاف حول بحيرة لانوس بين إسبانيا وفرنسا الذي حُل النزاع فيه وفق آلية التحكيم الدولي من خلال محكمة العدل الدولية. والنزاع حول نهر كولومبيا بين الولايات المتحدة وكندا وحُل كذلك من خلال المفاوضات".
أما بشأن الدور المنوط بالوساطة الأفريقية في ظل التغيرات الجديدة وتولي دولة الكونغو الديمقراطية قيادة الاتحاد، فقال يس أحمد محمد، رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية، إن "تولي دولة الكونغو الديمقراطية لقيادة الاتحاد الافريقي وإشرافها على وساطة سد النهضة سيكون بناءً إضافياً على الدور السابق للجنة الوساطة الأفريقية التي أشرفت عليها دولة جنوب أفريقيا، باعتبار أن البيت الأفريقي هو أولى بوضع الحلول الأفريقية للقضايا الأفريقية".
وأشار يس إلى أن "على الدول الثلاث العمل لمصالح شعوبها بالتعاون، وتغليب النظرة الكلية للمصالح المشتركة". وأضاف أن "إثيوبيا ظلت نموذجاً مثالياً للتعايش بين مكوناتها الشعوبية، وما تنشده لشعوبها تنشده للمنطقة الإقليمية"، مضيفاً أن "تاريخ إثيوبيا دليل على ذلك في علاقاتها الإنسانية منذ عهود قديمة". وأوضح أحمد أن "غايات إثيوبيا من بناء سد النهضة ظلت واضحة في تنمية شعبها، من دون إلحاق أي ضرر بدول أخرى، وهو ما ظلت تصرح به دوماً". وأضاف يس أحمد أن "ما يجمع بين دول النيل من روابط تاريخية وجغرافية يفرض علينا النظرة الكلية للمصالح المشتركة في الاستفادة من مياه النيل عبر خطط لمشاريع تعاونية مشتركة وعمل جاد للاستفادة القصوى من مياه النيل بما يحقق الاستقرار ورفعة الشعوب".