كشفت الحكومة السعودية النقاب عن أنظمة تشريعية جديدة، يُنتظر عند تطبيقها أن تلقي بظلالها على معظم مفاصل المؤسسة القضائية في الدولة الخليجية الكبرى، وتترك أثراً ملموساً في حماية حقوق الإنسان وتعزيز فرص التنمية.
وأعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في وقت متأخر من مساء أمس عن الشروع في إقرار أربعة أنظمة جديدة هي "الأحوال الشخصية، والمعاملات المدنية، والنظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، ونظام الإثبات"، على أن تُحال على مجلس الوزراء وأجهزته لدرسها ومراجعتها وفق الأصول التشريعية؛ تمهيداً لإحالتها على مجلس الشورى وفقاً لنظامه، ومن ثم إصدارها وفقاً للأصول النظامية المتبعة في هذا الشأن.
التنافسية والعدالة
وأكد في بيان نشرته وكالة الأنباء "واس"، أن سن القوانين الجديدة في السعودية التي تشهد إصلاحات متسارعة؛ يستهدف المضي على "خطى جادة نحو تطوير البيئة التشريعية، من خلال استحداث الأنظمة وإصلاحها التي تحفظ الحقوق وتُرسخ مبادئ العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان وتحقّق التنمية الشاملة، وتعزّز تنافسية المملكة عالمياً من خلال مرجعيات مؤسسية إجرائية وموضوعية واضحة ومحددة".
وينص النظام الأساسي للحكم في السعودية (الدستور) على أن "القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية"، كما نصت المادة الأولى من نظام القضاء على المضمون نفسه، مؤكدة أن "ليس لأحد التدخلُ في القضاء". إلا أن المنظمات الحقوقية العالمية اعتادت انتقاد الرياض في بعض تشريعاتها القانونية، خصوصاً المتصلة منها بالإعدام وحقوق الإنسان والمرأة والطفل، غير أن الإصلاحات التي استحدثتها السلطات القضائية والرسمية، عالجت الكثير من تلك المطالبات، وفقاً لبيانات "هيئة حقوق الإنسان" السعودية، كما وجدت بعض الخطوات ترحيباً أممياً مثل سن أنظمة لمناهضة الاتجار بالبشر، وإيقاف القتل في العقوبات التعزيرية، وغيرها من الخطوات المستحدثة.
وفي هذا الصدد اعتبر ولي العهد أن الأنظمة الجديدة "ستُمثِّلُ موجة جديدة من الإصلاحات، التي ستُسهم في إمكان التنبؤ بالأحكام ورفع مستوى النزاهة وكفاءة أداء الأجهزة العدلية وزيادة موثوقية الإجراءات وآليات الرقابة، كونها ركيزة أساسية لتحقيق مبادئ العدالة التي تفرض وضوح حدود المسؤولية، واستقرار المرجعية النظامية بما يحد من الفردية في إصدار الأحكام".
فراغ قانوني سبّب ألماً للكثيرين
وأقرّ بأن عدم وجود هذا النوع من التشريعات؛ أدّى إلى تباين في الأحكام وعدم وضوح في القواعد الحاكمة للوقائع والممارسات؛ أدى لطول أمد التقاضي الذي لا يستند إلى نصوص نظامية، علاوة على ما سبَّبهُ ذلك من عدم وجود إطار قانوني واضح للأفراد وقطاع الأعمال في بناء التزاماتهم.
وأضاف "لقد كان ذلك مؤلماً للعديد من الأفراد والأسر، لا سيما للمرأة، ومكّن البعض من التنصل من مسؤولياته، الأمر الذي لن يتكرر في حال إقرار هذه الأنظمة وفق الإجراءات النظامية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم يكن هذا الانتقاد الأول الذي يوجهه ولي العهد، لإجراءات أو أنظمة يراها كثيرون عفا عليها الزمن، إذ ظل منذ سنوات حكم والده الملك سلمان بن عبدالعزيز، يجدد البنية التنظيمية والتشريعية في البلاد لإضفاء مزيد من الفاعلية على أداء الجهاز الحكومي، عبر وضع ما عرف برؤية السعودية 2030 وبرامجها، التي دفعت إلى إلغاء وزارات وإعادة تشكيل هياكل أخرى، في غضون سنوات وأشهر أحياناً.
ولفت في سياق نقده بعض المخرجات المتعلقة بالقوانين السائدة، إلى أنه عند المراجعة؛ تبين أن مشروعاً لـ"مدونة الأحكام القضائية"، كان أُعد قبل سنوات، "لا يفي باحتياجات المجتمع وتطلعاته، ولذا رُئي إعداد مشروعات تلك الأنظمة الأربعة، مع الأخذ فيها بأحدث التوجهات القانونية والممارسات القضائية الدولية الحديثة، بما لا يتعارض مع الأحكام الشرعية، ويراعي التزامات السعودية في ما يخصُّ المواثيق والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها"، مشيراً إلى أن تطوير المنظومة التشريعية مستمرة في المملكة، وستصدر هذه التشريعات تباعاً خلال العام الحالي.
إنهاء تنوع الاجتهاد في العقوبات
وأوضح وزير العدل وليد الصمعاني في تعليقه على الأنظمة التي أعلنها ولي العهد أن التشريعات ستحقق عند صدورها "نقلة قضائية بالغة الأثر في جودة العمل القضائي"، مبيناً أن مشروع نظام الأحوال الشخصية، يتناول بالتفصيل الأحكام المتعلقة بالأسرة، و "سيسهم في تعزيز مكانتها في المجتمع وتوثيق أواصرها، ويرعى مصالح الطفل وعدم تركه محلاً للنزاعات".
وأفاد بأن مشروع نظام المعاملات المدنية سيكون المرجع لتنظيم العلاقة بين الأفراد في تعاملاتهم، إذ إن وجود هذه المرجعية النظامية سيحد من حالات المنازعات بين الأفراد، ويقلل أمد الفصل في الخصومات.
فيما يُعدّ مشروع نظام الإثبات تطوراً كبيراً في مجال إثبات الحقوق في المعاملات المدنية والتجارية؛ ليقرر قواعدها في هذه المسائل، كشهادة الشهود، والأدلة الكتابية، والدليل الرقمي، والإقرار بالحق، وغيرها من الوسائل، وستنعكس هذه القواعد والأحكام إيجاباً على ضمان سلامة تعاملات الأفراد وبيئة الأعمال على حدٍ سواء.
وعلق النائب العام سعود المعجب، بأن "مشروع النظام الجزائي للعقوبات يحفل بأهم القيم الحقوقية والمبادئ العدلية من خلال اشتماله على ركني التجريم والعقاب بتفاصيلهما المتكاملة، ومن ذلك تحديد النماذج المجرمة بما يحول دون تنوع الاجتهاد في الأشباه والنظائر، وتحديداً ضبط العقوبات بالنص عليها في حديها الأعلى والأدنى بما يحقق أعلى الضمانات في مبادئ العدالة".