تعهد رئيس الحكومة الليبية الانتقالية الجديدة، عبد الحميد دبيبة، بإعادة إعمار البلاد الغارقة في الفوضى والانقسام، مؤكداً استعداده لـ"الاستماع إلى الجميع، والعمل مع الجميع".
وانتخب المهندس دبيبة (61 عاماً)، الجمعة، الخامس من فبراير (شباط)، رئيساً للوزراء للفترة الانتقالية في ليبيا، من جانب المشاركين في ملتقى الحوار السياسي الذي أطلق في نوفمبر (تشرين الثاني) بين الأفرقاء الليبيين في سويسرا برعاية الأمم المتحدة.
وسيحاول دبيبة مع قيادة المجلس الرئاسي الثلاثي برئاسة محمد المنفي إعادة توحيد مؤسسات بلد يعاني انقسامات مع وجود سلطتين متنافستين في غرب البلاد وشرقها.
حكومة كفاءات
بدأ رئيس الحكومة الجديدة التشاور مع كل الجهات في غرب البلاد وشرقها وجنوبها حول أسماء وملفات الشخصيات التي ستتولى الوزارات، وتعهد بأنها ستكون حكومة كفاءات (تكنوقراط)، حصة المرأة فيها لا تقل عن 30 في المئة، حسب خريطة الطريق المتفق عليها من الأمم المتحدة، وسيحل في بنغازي خلال الأيام المقبلة لهذا الهدف.
وفي خطاب متلفز، دعا دبيبة الليبيين إلى "الالتفاف حول هذه الحكومة" من أجل "إعادة بناء" البلاد، وقال "سنشكل لجان مصالحة داخلية ليبية للتصالح مع الشعب والقبائل والطوائف المتخاصمة والمتحاربة، هذه الشرائح ستجتمع، وسنعد ميزانية لجبر الضرر لتحقيق التقارب الليبي خلال هذا العام، وسنعمل على تقريب وجهات النظر الليبية إلى أبعد الحدود، كي ندخل الانتخابات بشكل موحد من دون عنف وحروب وأي حساسية بين المدن".
وعقد المجلس الرئاسي الجديد اجتماعه الأول برئاسة محمد المنفي عبر تطبيق "زوم" بحضور أعضاء المجلس، عبد الله اللافي، وموسى الكوني، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية.
خطة العمل
ووفق ما أفاد به مسؤول الإعلام بالمجلس الرئاسي، فقد ناقش المجتمعون خطة العمل للتأسيس، وإدارة المرحلة التمهيدية المقبلة، وتم التشاور حول آليات تشكيل الحكومة في الوقت المحدد لها، وعرض برنامجها وتقديمها لنيل الثقة من مجلس النواب. وشدد المنفي على ضرورة تكثيف الجهود وتوسيع دائرة التشاور مع أعضاء مجلس النواب وملتقى الحوار الوطني.
ودخلت ليبيا، السبت، مرحلة انتقالية جديدة غداة انتخاب سلطة تنفيذية مؤقتة وموحدة يتعين عليها تشكيل حكومة والتحضير للانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في ديسمبر (كانون الأول) لإنهاء عقد من الفوضى.
تعهد بمساعدة الحكومة
وهنأ القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر الليبيين بالنتائج المنبثقة من الحوار، مؤكداً أن الجيش سيكون حامي السلطة الجديدة، ودعا الحكومة الجديدة إلى تهيئة الظروف لتنظيم الانتخابات المقررة في ديسمبر المقبل.
وعقب عودته من القاهرة، شدد رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح على ضرورة "إعطاء فرصة للحكومة الجديدة" التي سيشكلها دبيبة، مضيفاً "إذا حادت الحكومة الجديدة عن الطريق سيكون لنا موقف"، وبالنسبة لتوزيع المناصب القيادية في السلطة الليبية الموحدة الجديدة، قال "سيتم توزيع المناصب السيادية على أنحاء ليبيا كافة". وشدد صالح على أنه يعمل على خروج القوات الأجنبية من ليبيا، مضيفاً أن هذا الأمر "سيحدث قريباً". وميدانياً، قال صالح إن "الطريق الساحلي سيتم فتحه قريباً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ترحيب عربي ودولي
ولقي تشكيل السلطة التنفيذية الليبية الجديدة ترحيباً عربياً ودولياً واسعاً، وفي نيويورك، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "أعتقد أن ذلك يمثل اختراقاً"، مضيفاً أنها "أخبار جيدة جداً في بحثنا عن السلام" بعد اتفاق لوقف إطلاق النار.
وانضمت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا إلى الولايات المتحدة في الترحيب بالحكومة الانتقالية الليبية الجديدة، لكنها مع ذلك حذرت من أن الطريق "لا يزال طويلاً"، وطالب الاتحاد الأوروبي بتشكيل حكومة تحقق المصالحة الوطنية، مشدداً على رفضه أي تدخل عسكري أجنبي في البلاد، وأعلنت وزارة الخارجية الروسية أن موسكو مستعدة للتعامل بشكل بناء مع الحكومة الجديدة في ليبيا.
مساعٍ لتوحيد البرلمان
يسعى أعضاء مجلس النواب الليبي إلى عقد جلسة موحدة في مدينة صبراتة (غرب البلاد) لتوحيد صفوفهم، استعداداً لمناقشة برنامج الحكومة الجديدة فور عرضها عليه والنظر في منحها الثقة، نهاية الشهر الحالي.
ودعا عضو مجلس النواب أبو بكر بعيرة أعضاء المجلس إلى لم شمل البرلمان، والالتقاء في جلسة قانونية مكتملة النصاب لتنفيذ الاستحقاقات الوطنية، وعلى رأسها منح الثقة للسلطة التنفيذية الجديدة، وتسهيل عملية الانتقال الديمقراطي. وأعرب بعيرة عن تفاؤله بإمكان عقد جلسة موحدة للبرلمان قريباً لمنح الثقة للحكومة الجديدة، نظراً إلى "كثرة التعهدات التي صدرت عن النواب، بعدم عرقلة عمل الحكومة فور تشكليها، خصوصاً إذا تم اختيارها على أساس الكفاءة والخبرة، ومراعاة التمثيل الجغرافي في ذلك". وأشار إلى أن "هناك اتفاقاً سابقاً لتقاسم المناصب بين الأقاليم الليبية الثلاثة، بحيث إذا حصل شرق البلاد على رئاسة المجلس الرئاسي، والغرب على رئاسة الحكومة، كما هو الحاصل الآن، فستؤول، بالتالي، رئاسة البرلمان إلى الجنوب".
وأكد عضو مجلس النواب، محمد الرعيض، بدوره، ضرورة أن يلتئم مجلس النواب خلال هذه المرحلة، مشيراً إلى ما يبذله النواب في الشرق والغرب والجنوب من جهود كبيرة، وقال لقناة "ليبيا الحدث"، إن أكثر من 100 نائب (102)، وافقوا على حضور الجلسة التي ستعقد في صبراتة نهاية الأسبوع المقبل، حيث سيكون الهدف منها لملمة المجلس وطرح بعض التعديلات على اللائحة الداخلية واعتماد مخرجات جنيف.
21 يوماً
سيكون أمام رئيس الحكومة 21 يوماً كحد أقصى لتشكيل حكومته، وبعد ذلك، ستكون أمامه مدة مماثلة لنيل ثقة البرلمان، أي بحلول 19 مارس (آذار) على أبعد تقدير.
وبهذه الانتخابات، تطوى صفحة مرحلة انتقالية بدأت مع اتفاق الصخيرات في المغرب عام 2015، برعاية الأمم المتحدة، والذي أفضى إلى تشكيل حكومة الوفاق الوطني (مقرها طرابلس) برئاسة فايز السراج.
ورئيس الحكومة الجديد بعيد كل البعد عن الإجماع، خصوصاً أنه شغل مناصب مهمة في ظل نظام معمر القذافي الذي سقط عام 2011 بعد 42 عاماً في السلطة، وكان ينتمي إلى دائرة الأشخاص الموثوق بهم لدى القذافي.
وبالنسبة إلى الحكومة الجديدة، فإن التحديات كبيرة أمامها بعد أكثر من 40 عاماً من حكم سلطة لا منافس لها.
تركيا باقية
وعلى الرغم من التغيرات السياسية في البلاد، لا يبدو أن ليبيا ستغادر قريباً مربع الوصاية التركية التي رسختها تفاهمات واتفاقيات عسكرية وأمنية مع حكومة الوفاق الوطني، وتدخل عسكري أضفى مسحة من الاحتلال المغلف بمنطق "بطلب من الشعب الليبي"، فكل التصريحات التي أعقبت الإعلان عن سلطة انتقالية تشير إلى أن المشهد السياسي تغير، لكن الوضع لم يتغير. ففي أول تصريح له عقب انتخابه رئيساً لحكومة انتقالية، قال عبد الحميد دبيبة، إنه سيكون هناك تضامن بين تركيا وليبيا، مضيفاً في حوار مع وكالة "الأناضول" التركية "لدينا تضامن كبير مع الدولة والشعب التركيين. تركيا حليفة وصديقة وشقيقة، وعندها من الإمكانات الكثيرة لمساعدة الليبيين في الوصول إلى أهدافهم الحقيقية. وتركيا تعد من الشركاء الحقيقيين لنا".
وسبق تصريحات دبيبة تأكيد من تركيا أن وجودها العسكري في ليبيا والتفاهمات والاتفاقيات الأمنية والعسكرية التي أبرمتها مع حكومة الوفاق السابقة لن تتأثر بانتخاب السلطة المؤقتة الجديدة، مؤكدة أن الحكومة الجديدة "تدعم الدور التركي" في ليبيا.
وقال ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن "الاتفاقات التي عقدتها أنقرة مع حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، لن تتأثر بانتخاب الحكومة المؤقتة"، مضيفاً "تركيا توجد في ليبيا بدعوة من الشعب الليبي وحكومة الوفاق، والحكومة الجديدة لا تعارض هذه الاتفاقات، ولا الوجود التركي في البلاد، بل على العكس تدعم الدور التركي هناك".
سحب القوات الأجنبية
وتتناقض تصريحات المسؤول التركي مع الدعوات الدولية، وآخرها تلك التي صدرت قبل أيام عن مجلس الأمن الدولي الذي طالب بسحب كل القوات الأجنبية من ليبيا.
وكان الرئيس التركي قد أكد في اتصال هاتفي هنأ فيه محمد المنفي بفوزه برئاسة المجلس الرئاسي، وعبد الحميد دبيبة بفوزه برئاسة الوزراء، أن بلاده ستواصل تعزيز التعاون مع ليبيا خلال المرحلة الجديدة.
وحتى بعد التوصل إلى حكومة مؤقتة، فإن الوضع في البلاد ما زال هشاً، وليبيا تقف على رمال متحركة، سواء بسبب التدخلات التركية، أو بسبب الميليشيات المسلحة التي سلحتها أنقرة، وستواجه الحكومة الانتقالية صعوبات كبيرة لحصر السلاح بيد الدولة واستعادة هيبتها.
ومعلوم أن جزءاً كبيراً من الليبيين يرفضون الوجود العسكري التركي، ويعدون الاتفاقات مع حكومة السراج باطلة قانونياً، لأنها لا تمثل كل الليبيين.