بالاتفاق على إجراء الانتخابات العامة، وتأجيل إصلاح منظمة التحرير الفلسطيينية، وتجاهل البرنامج الوطني الفلسطيني، انتهت جولة الحوار الوطني الموسّع بعد يومين من اللقاءات برعاية الاستخبارات المصرية في القاهرة.
وسيطر ملف الانتخابات على معظم بنود البيان الختامي للحوار الوطني، وذلك بعد اتفاق 14 فصيلاً، منها حركتا "فتح" و"حماس"، على اعتبار الانتخابات بوابة إنهاء 14 عاماً من الانقسام الوطني والجغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية.
ومع أن الفصائل الفلسطينية أخفقت في الإجماع على تشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على إجراء الانتخابات، لكنها اتفقت على ضرورة اتخاذ خطوات تتيح إجراءها بحرية وشفافية، في ظل وجود سلطتين تحكمان الضفة الغربية وقطاع غزة.
ولم يكن اشتراط تنفيذ تلك الخطوات إلا ضماناً لوصول قطار الانتخابات التشريعية والرئاسية إلى محطته النهائية بإجرائها، وذلك في ظل غياب شبه تام للثقة بين حركتي "حماس" و"فتح".
وفي دلالة على غياب الحريات العامة واستمرار الملاحقات الأمنية، طالبت الفصائل الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإصدار قرار ملزم، وتشكيل لجنة رقابية وطنية تشرف على إطلاق الحريات والإفراج الفوري عن المعتقلين، إضافة إلى "التوقف عن الملاحقة الأمنية على خلفية الانتماء السياسي أو التعبير عن الرأي، وضمان حق العمل السياسي والوطني للفصائل الفلسطينية كلها".
وبعد موجة من الرفض لتعديل الرئيس عباس قانون السلطة القضائية باعتباره يستمكل هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء، طالبت الفصائل الرئيس بتشكيل "محكمة قضايا الانتخابات بالتوافق الوطني، وذلك من قضاة في الضفة وغزة والقدس".
"الجهاد" وسقف "أوسلو"
ومع قانون الانتخابات الحالي الذي ينص على تشكيل الرئيس عباس المحكمة، كي تتولى حصراً من دون غيرها من الجهات القضائية متابعة كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية ونتائجها والقضايا الناشئة منها، فإن الفصائل شددت على ضرورة "وجود توافق وطني على أعضائها".
وبسبب عدم حسم الحوار الوطني لتداعيات الانقسام الإنسانية والاجتماعية والقانونية، أحالت الفصائل "معالجة ذلك إلى لجنة وطنية تقدم تقريرها إلى المجلس التشريعي المنتخب للتنفيذ، شرط أن يتم العلاج "على أسس بعيدة من التمييز الجغرافي والسياسي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد البيان الختامي للحوار الوطني على الالتزام بالجدول الزمني الذي حدده المرسوم الرئاسي لإجراء الانتخابات التشريعية في مايو (أيار)، والرئاسية في يوليو (تموز) المقبلين، "مع التأكيد على إجرائها في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة من دون استثناء، والتعهد باحترام نتائجها وقبولها".
لكن حركة "الجهاد الإسلامي" أعلنت عدم المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية، "لأنها مسقوفة باتفاق أوسلو الذي أهدر حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته".
وقالت الحركة إن "المدخل الصحيح للوحدة الوطنية يتمثل في التوافق على برنامج سياسي، وتطوير منظمة التحرير من خلال إجراء انتخابات للمجلس الوطني منفصلة عن المجلس التشريعي، وإعادة الاعتبار لميثاقها وتمثيلها لجميع الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم".
ومع أن إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية يعتبر من أبرز ملفات الحوار الوطني، إلا أن الفصائل أجّلت حسم ذلك إلى شهر مارس (آذار) المقبل، "للتوافق على أسس وآليات استكمال تشكيل المجلس الوطني الجديد بهدف تفعيل المنظمة وتطويرها، وتعزيز البرنامج الوطني المقاوم انطلاقاً من كوننا حركة تحرر وطني".
ويهدف الاجتماع إلى انضمام حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" إلى منظمة التحرير بعد استكمال البحث في البرنامج الوطني الفلسطيني وأهدافه وسبل تحقيقه.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني إن العملية الانتخابية "انطلقت وليست مرهونة بأي شيء"، مضيفاً أن "الإجراءات والمراسيم الرئاسية التي تم الاتفاق عليها هي تحصيل حاصل وسيتم إصدارها".
"فتح" وحماس" في قائمة واحدة
واستبعدت مصادر عدة تشكيل حركتي "فتح" و"حماس" قائمة انتخابية مشتركة، مشيرة إلى وجود معارضة كبيرة في صفوف قادة الحركتين.
وأعلن أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" جبريل الرجوب أن قيادة الحركة ستشكل وفداً لبدء حوار "لبناء ائتلافات وتشكيل جبهة وطنية عريضة وفق برنامجنا".
وعن ذلك البرنامج، أشار الرجوب إلى أهمية أن يستند إلى "تفعيل العامل الإقليمي والدولي، وبناء وحدة ديمقراطية تحاصر الاحتلال، بشرط قبول المجتمع الدولي بها".
وتشير تصريحات الرجوب إلى رغبة حركة "فتح" في عدم تكرار مقاطعة المجتمع الدولي للحكومة التي شكلتها "حماس" بعد فوزها بالانتخابات التشريعية العام 2006، مما سبب وقتها أزمة مالية وسياسية للفلسطينيين.
في المقابل، قال نائب رئيس المكتب السياسي لـ "حماس" صالح العاروري إن حركته ستواصل عملها من أجل إنهاء الانقسام الجغرافي والسياسي، والعمل على رؤية مشتركة لمواجهة الاحتلال"، مضيفاً أن "حماس ستقبل بنتائج الانتخابات وستوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية".
ويرى رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي أن حال التوجس والريبة لا تزال موجودة بين "فتح" و"حماس"، مضيفاً أن البيان الختامي للحوار الوطني تضمن عبارات عامة قابلة للتأويل، خصوصاً في شأن البرنامج الوطني، وذلك بسبب استمرار الخلافات في شأن العلاقة مع إسرائيل وشكل الدولة وأين ستقام.
وأشار الشوبكي إلى أن الانتخابات تهدف إلى "تجميل النظام السلطوي الحالي، وتحويل الانقسام بين حركتي حماس وفتح إلى اقتسام للسلطة بالتراضي بينهما، بحيث يتم الإبقاء على الوضع الحالي لكن مع تغييرات شكلية".
وأضاف الشوبكي أن ذلك سيتيح لحركة "حماس" إبقاء سيطرتها الفعلية على قطاع غزة، وحركة "فتح" على الضفة الغربية.