ملخص
في الأيام الأخيرة، تحديداً بعد توقيع الاتفاق بين لبنان وإسرائيل على وقف القتال، تنبعث في إسرائيل أجواء تفاؤل أكثر من أي وقت مضى باحتمال التقدم نحو صفقة. هذه الأجواء انطلقت بداية من واشنطن التي اعتبرت أن وقف القتال في لبنان يفسح في المجال أيضاً لوقف النار في غزة والتوجه نحو صفقة أسرى.
من نهاريا في الشمال، حيث عقد جلسة حكومته، سعى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى تبرئة نفسه من التهم الموجهة ضده بعرقلة صفقة الرهائن، مستخدماً تهديد الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، لحركة "حماس" بضرورة تنفيذ صفقة الرهائن قبل وصوله إلى البيت الأبيض، كدليل على أن "حماس" هي الجهة المعرقلة للصفقة.
وبحسب نتنياهو فإن هذا "الحديث القوي جداً يحسم بشكل قاطع ولا يقبل التأويل بأن هناك جهة واحدة مسؤولة عن الوضع الذي نشهده اليوم وهي (حماس)"، مضيفاً أن "(حماس) مطالبة بإطلاق سراح الرهائن. لقد ركز الرئيس ترمب في المكان الصحيح - على (حماس) وليس على الحكومة الإسرائيلية، كما هي الحال عندنا هنا. من جهتنا سنستمر في بذل كل ما في وسعنا للإفراج عنهم، ومن يؤذيهم سيكون مصيره الموت".
مقارنة نتنياهو بين موقف ترمب وما يواجهه في إسرائيل يعكس الصراع الكبير في الداخل الإسرائيلي وما يتلقاه نتنياهو من انتقادات وتحميله مسؤولية مصير الرهائن في غزة، بل هناك من يحمله مسؤولية مقتل العشرات منهم خلال الحرب، معظمهم بنيران الجيش الإسرائيلي خلال القتال.
أجواء تفاؤل
في الأيام الأخيرة، تحديداً بعد توقيع الاتفاق بين لبنان وإسرائيل على وقف القتال، تنبعث في إسرائيل أجواء تفاؤل أكثر من أي وقت مضى باحتمال التقدم نحو صفقة. هذه الأجواء انطلقت بداية من واشنطن التي اعتبرت أن وقف القتال في لبنان يفسح المجال أيضاً لوقف النار في غزة والتوجه نحو صفقة أسرى.
وفي إسرائيل ارتفعت الأصوات الداعية إلى إنهاء الحرب في غزة والتوصل إلى صفقة فورية تعيد الأسرى، ورفعت عائلات الرهائن شعار "كما في لبنان توصلتم إلى وقف نار كذلك في غزة"، وخلال ذلك أبدى أكثر من مسؤول أميركي اهتماماً في محادثات مع نظرائهم الإسرائيليين لتحريك ملف غزة عبر التقدم في محادثات صفقة الأسرى أولاً كثمن لوقف القتال والتخطيط لليوم الذي يلي الحرب.
وبهذا المضمون أيضاً ناقش وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ملف الرهائن مع وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، الذي توجه إلى واشنطن خصيصاً لبحث الملف في محاولة لبلورة مسودة يتم طرحها على "حماس" للتوصل إلى اتفاق، وهو مسار شبيه بمراحل التوصل إلى اتفاق مع لبنان.
فحكومة نتنياهو تريد أن يكون وقفاً للنار وليس للحرب وتجري المفاوضات وفق مبدأ انسحاب إسرائيل من أحد المحورين، فيلادلفي أو نيتساريم، على أن يكون انسحاب الجيش تدريجاً وتنفيذ صفقة على مراحل بأمل نجاحها قبل وصول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.
ضغوط غير مسبوقة
وعلى مدار الأيام الأخيرة بحثت الأجهزة الأمنية والوفد المفاوض بمشاركة نتنياهو وعدد من الوزراء سبل إحداث اختراق في المحادثات، وخلال ذلك يواجه نتنياهو ضغوطاً غير مسبوقة من الأجهزة الأمنية وعائلات الأسرى من جهة، وقيادة الجيش الإسرائيلي من جهة ثانية، التي تطالب بالانسحاب من غزة وتؤكد أن الجيش أنجز المهام التي ألقيت عليه ضمن أهداف حرب "طوفان الأقصى".
ويعتبر أمنيون وسياسيون أن توقيع الاتفاق مع لبنان ترك "حماس" معزولة وحيدة من دون مساندة، وهو بحسب اعتقادهم، يدفعها إلى تقديم تنازلات وتوافق على صفقة، ولو على مراحل.
ويدعي الإسرائيليون أن "حماس" تنازلت عن المطلب الذي كان يشكل عائقاً كبيراً أمام تقدم المفاوضات وهو انسحاب كامل للجيش مع التوقيع على الاتفاق، واليوم يعمل الإسرائيليون على نسخ اتفاق لبنان في غزة، بحيث تنفذ المرحلة الأولى من الصفقة على أن يتم انسحاب الجيش تدريجاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أفكار جديدة وتكتم حولها
هذه المرة، ليس فقط التفاؤل الإسرائيلي مختلفاً عن المرات السابقة وما يخرج من خلف الكواليس يشير إلى إمكانية اختراق في المفاوضات، بل أيضاً السرية التي تكتنف المفاوضات سواء داخل إسرائيل أو بين الوسطاء، وهذا ما فسره إسرائيليون بتأكيد على نية الطرفين التوصل إلى صفقة.
في إسرائيل، يعترفون بوجود تحركات فعلية من خلف الكواليس بشأن صفقة أسرى، والسرية المحيطة بها "تُعدّ مؤشراً جيداً يدل على أن أحداً لا يحاول حالياً إفشال الاتصالات". وقال مصدر سياسي أن تل أبيب تدرس عدة أفكار جديدة لإعادة تحريك المفاوضات، على خلفية المحادثات الجارية في مصر الآن من دون تواجد إسرائيلي حالياً. ويتابع فريق المفاوضات بجهود واتصالات مكثفة، ومن المتوقع أن ينضم إلى المحادثات فقط حين تنضج الظروف لذلك، بحسب مقرب من الفريق في تل أبيب.
ووفق وزراء ومسؤولين فإن هناك تنازلات من الطرفين تجعل الاتفاق حول الصفقة مسألة وقت، على رغم المعارضة الواسعة التي يبديها وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش والخطط التي باتت جاهزة تؤكد على استمرار تمسك إسرائيل في غزة وإبقاء الجيش وتعزيز الاستيطان.
فلننسخ عن الشمال
"احتمال الصفقة في غزة قد يصبح ممكناً إذا ما تم نسخ التسوية مع (حزب الله) إلى القطاع بحيث تضمن (حماس) بقاءها بشكل ما في غزة وتحصل إسرائيل بالمقابل على حرية عمل مشابهة لما هي الحال في لبنان"، بهذا التوجه تتقدم إسرائيل نحو الصفقة، بانتظار موقف "حماس". ومع ذلك، حذّر تقرير نشرته صحيفة "معاريف" من التفاؤل الذي يبديه الإسرائيليون طالما أن "حماس" لم تقل كلمتها، وجاء فيه "ربما في نظر مسؤولي (حماس) الصورة لم تتغير حقاً بهذا الشكل الدراماتيكي، كما يحاول المتفائلون تصويرها. لكن موضوعياً، الظروف بالفعل نضجت - على الأقل لجهد إضافي لتحقيق تسوية في غزة. فالوقائع تغيرت وكذلك الشروط والأهم أن (حماس) تتوق لهذا الاتفاق حتى تعيد بناء نفسها، بالضبط مثلما يريد (حزب الله) ويخطط لإعادة بناء نفسه".
ولا يسقط سياسيون من حساباتهم أن نتنياهو سيعمل في مفاوضات غزة كما في لبنان يظهر مسالمته ورغبته الشديدة بالتوصل إلى صفقة ولكن في المقابل يعد اتفاقاً جانبياً يضمن لإسرائيل استمرار حرية العمل في غزة.
33 أسيراً مفقوداً وأكثر من نصفهم قتلى
أمام مختلف السيناريوهات المتوقع أن يطرحها نتنياهو لتنفيذ صفقة مقابل حصوله على ضمانات تحقق الهدف الذي يطمح له ووزراء حكومته بعدم مغادرة غزة بل تعزيز المستوطنات والنظام العسكري، جاءت الرسالة التي وجهتها "حماس" لإسرائيل تقول فيها إن هناك 33 أسيراً وأسيرة قتلوا وفُقدت آثار بعضهم، وكان هذا بعد يومين من بث فيديو مسجل لأسير إسرائيلي يتوجه لنتنياهو وعائلته لإنقاذه وقبل فيديو آخر لأسيرة قتلت في غزة.
هذه المعطيات ارفقتها الأجهزة الأمنية والاستخبارات العسكرية لتقرير شامل حول الأسرى يشير إلى أنهم في خطر كبير والحاجة باتت ملحة أكثر من أي وقت مضى للتوصل إلى صفقة أسرى والإفراج عنهم.
التقرير قدم إلى نتنياهو ضمن حملة ضغوط واسعة يقوم بها فريق المفاوضات ومسؤولون في الأجهزة الأمنية لدفع رئيس الحكومة إلى الموافقة على الصفقة، وقد حذروا في التقرير أن الأسرى، وفي ظل الجوع الذي يعاني منه أيضاً عناصر "حماس" وعدم تلقيهم العلاج الضروري وقدوم فصل الشتاء القارس يجب أن يكون من واجب كل مسؤول إعادة الأسرى، "لقد حان الوقت. كل الدلائل والظروف تشير إلى أن الأسرى لن يصمدوا في غزة".
ودعوا نتنياهو إلى تقديم تنازلات وإن كانت مؤلمة لإنهاء الحرب في غزة "خصوصاً في ظل وجود فرصة للتوصل إلى اتفاق قبل تنصيب ترمب، الذي قد يلعب دوراً حاسماً في فرض وقف الحرب".
وبينما بعثت واشنطن برسالة إلى تل أبيب عبر الوزير ديرمر تؤكد فيها ضرورة منع عراقيل أمام الصفقة والتقدم أيضاً في طرح ومناقشة خطط اليوم الذي يلي الحرب وإعمار غزة، أكد مسؤول مطلع على تفاصيل المفاوضات "نحن لسنا في مرحلة يمكن أن يكون فيها كثير من التفاؤل ولكن تم إحراز تقدم. صحيح أن ما يطرح في إسرائيل أن (حماس) تنازلت عن مطلبها بانسحاب الجيش مع التوقيع على الاتفاق ولكن الحركة لم تقل كلمتها بعد وهناك من يشير إلى أنها ما زالت تصر على وقف الحرب، ومن دون الاتفاق حول هذا الأمر، لن يتحقق أي اختراق".