من جديد تصل محاولة جديدة (لعزل ترمب) للمحاكمة في مجلس الشيوخ على الرغم من أن الرجل المعني بها ما عاد يشغل البيت الأبيض.
وأثيرت ضجة كبيرة حول الجدل السياسي المحيط بالقضية، بينما القوانين التي ستحكم إجراءات المحاكمة ما زالت غير محسومة بعد. كان موقف دونالد ترمب واضحاً منذ 6 يناير (كانون الأول)- هو لم يحرض على ارتكاب العنف في مبنى الكابيتول الأميركي ذلك اليوم. وقد صاغ فريقه القانوني الحجة بالشكل التالي "حتى لو أخذنا كل تصريحات السيد ترمب السابقة حول الانتخابات بأكثر قدر ممكن من السلبية، فهي لم تتعدَ في أقصى الحالات كونها مناقشات نظرية لم تدعُ أبداً إلى استخدام القوة الجسدية".
لا شك أن ترمب تحدث نظرياً عن بعض عناصر الانتخابات: التزوير الواسع النطاق الذي تحدث عنه وعجز عن إثباته؛ وفكرة قلب الموازين ضده. لكن ما كان واضحاً على الدوام هو شيء واحد: لم تكن خسارة ترمب للانتخابات خطأه الشخصي.
المدعون العامون الديمقراطيون استخدموا فيديوهات تصور ما حدث داخل مبنى الكابيتول، (وذلك بحد ذاته) سيكون خاتمة ملائمة لولاية رئاسية بُنيت على شخصية ترمب التلفزيونية. ويبدو أن الديمقراطيين تعلموا درسهم من السجلات التي بنيت عليها قضية معقدة أثناء محاكمة ترمب السابقة. ومن الظاهر أن جانبي القضية الآن قد أصبحا مباشرَين أكثر من المرة السابقة.
لكن فيما قد يكون ترمب مركز المحاكمة، ليس هو أهم ما فيها. ما يجري أكبر بكثير، وأكبر حتى من المعركة التي يواجهها الحزب الديمقراطي بشأن طريقة تعامله مع ترمب وقد بات خارج البيت الأبيض. إذ بالنسبة لهذه النقطة، يتفق الحزبان الديمقراطي والجمهوري بشكل كبير. فهما يريدان التخلص منه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأفادت تقارير صادرة في الأيام الأخيرة - عن موقع "بوليتيكو" وغيره - أن الجمهوريين قلقون من أن تعطي الإدانة ترمب وقاعدة مناصريه قوة دفع جديدة قد تؤذي الحزب في 2022 و2024. ويبدو أنهم يفضلون أن يختفي بهدوء. واحتمالات الإدانة ضئيلة جداً بالفعل، إذ يحتاج الديمقراطيون تأييد 17 جمهورياً حين يحين وقت إصدار الحكم.
ودارت نسبة مهمة من النقاش السياسي الأميركي خلال الأسابيع القليلة الماضية على صحة ديمقراطية البلاد، وهذا ما سيظل على الدوام أهم العناصر. لن يُدان ترمب في مجلس الشيوخ، وسوف يتعين على الحزب الجمهوري أن يجد طريقة للاستمرار إلى جانب هذه القوة السياسية الجديدة التي ساعد على خلقها. لكن الأهم هو التداعيات السياسية الأوسع على البلاد.
تجاهل ترمب الأعراف الدبلوماسية كما التقاليد الراسخة في الولايات المتحدة واستخدم قوته التنفيذية على نحو لم يقدم عليه أي رئيس آخر- واضطر جو بايدن إلى أن يقوم بأمر شبيه إلى حد ما خلال أيام حكمه الأولى من أجل إبطال بعض تلك القرارات. لكن رئاسة بايدن ستكون إجمالاً عودة إلى نوع حكم مألوف أكثر. والمشكلة هي في القدرة على التخفيف من الانقسامات الشديدة في البلاد.
لطالما كان ترمب رجلاً يستغل بيئة أخذت بالنمو قبل أن يعلن، أخيراً، عن ترشحه للرئاسة، وليست صنيعته. فالاستقطاب كان يتفاقم بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري. هذا ما علينا الانتباه له خلال محاكمة مجلس الشيوخ وما بعدها. لا يدور هذا الأمر حول رجل واحد، مهما كانت نتيجة أفعاله.
إذا سُمح للانقسامات التي تعمقت خلال السنوات الأربع الأخيرة بأن تتفاقم وتتجذر أكثر بسبب محاكمة مجلس الشيوخ، فيصبح كل وافد جديد إلى الكونغرس أبعد فأبعد عن الأطياف السياسية [التيارات السائدة والمتعارف عليها]، فسوف يعاني الجميع.
© The Independent