كشفت الحكومة الجزائرية عن مواجهة إلكترونية صعبة تقودها ضد جهات تنكرت بأسماء مستعارة وأقنعة عبر الفضاء الأزرق، تحاول زعزعة استقرار البلاد، محذّرة من محاولات استدراج الشباب عبر "غسل الأدمغة والتحريض على العنف وبثّ التفرقة".
تحذيرات
ويزداد الضغط على الحكومة والشارع مع اقتراب الذكرى الثانية للحراك الشعبي في الـ 22 من فبراير (شباط). وجاءت تصريحات وزير الاتصال والمتحدث الرسمي باسم الحكومة، عمار بلحيمر، بأن "البلاد مستهدفة بحرب إلكترونية مهيكلة تتقاطع أذرعها مع جهات أجنبية راهنت على فشل المسار الديمقراطي الذي حمله الحراك الشعبي، وأوصلته الانتخابات إلى برّ الأمان، لتؤكد أن الاحتقان الذي تشهده مواقع التواصل الاجتماعي بشكل لافت، وبلغ حد التحريض على الفوضى والدعوة إلى العنف وتبادل الاتهامات بين خدمة أجندة الخارج والولاء لنظام الداخل، لا يتعلق بمنشورات وتعليقات وآراء وأفكار، بقدر ما هو معركة شحن وتعبئة للصدام".
وحذّر بلحيمر، خلال يوم برلماني من "الجريمة الإلكترونية وتداعياتها على الوطن والمواطن"، ومن تنامي الجريمة الإلكترونية كلما حلت مناسبات فارقة في مسار الجزائر الجديدة، وقال إن 70 في المئة من الجزائريين يتصفحون الإعلام الإلكتروني، وبات من المستعجل التصدي للجريمة الإلكترونية بالتركيز على ضمان سيادة سيبرانية تقوم على إنتاج محتوى نوعي عبر المواقع الإلكترونية، وتأمين الشبكة تكريساً لسيادة الدولة."
تقرير وضعية وموقف رسمي
ويعتقد الحقوقي والمحامي المعتمد لدى المحكمة ومجلس الدولة، عابد نعمان، أنه بالنظر للزمان والمكان والحدث الذي تم فيه التصريح، وهو بمناسبة يوم برلماني حول "الجريمة الإلكترونية وتداعياتها على الوطن والمواطن" المنظم في نادي الجيش، فإن التصريح بمثابة تقرير رسمي مع إبداء موقف الجزائر، مضيفاً أنه "من حيث الموضوع فإن الجريمة الإلكترونية في تزايد مستمر، وبالنظر لعدد المتصفحين وأصحاب الحسابات، فإن الأمن الفكري بالدرجة الأولى هو أول هدف ستركز ضده الضربات لتشويش العقول ودفعها إلى التبعية للقيام بجرائم ضد الدولة والإخلال بالنظام العام، وهذا يخلق عدم الاستقرار تفعيلاً لنظرية الفوضى الخلاقة كذريعة لإعادة التموقع من جديد، بعدما أصبحوا خارج التوقيت الرسمي للدولة الجزائرية بمؤسساتها".
ويواصل نعمان أنه من الطبيعي أن يكون الشارع مستهدفاً عشية الذكرى الثانية للحراك، خصوصاً أن الخلاف أصبح على صفيح ساخن، فحراك "لا للعهدة الخامسة"، ليس نفسه الذي أتى لاحقاً ليطالب بإسقاط النظام ويرفض الانتخابات، ولا يزال متمسكاً بالفترة الانتقالية ويرى عدم شرعية السلطة، مبرزاً أن الصراع لا يزال يشتد من أجل التحكم في الميدان من خلال "اللايف" ومنصات التواصل، وختم أن تصريح الوزير واقعي وجدي مع الأسف الشديد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تمتين المناعة المجتمعية
وفي الشأن ذاته، شدد رئيس البرلمان سليمان شنين على ضرورة تمتين المناعة المجتمعية لمواجهة التهديدات وتحقيق أولويات الجزائر الجديدة التي يحرص الرئيس تبون على تجسيدها. وقال إن الجريمة الإلكترونية تُعد أحد أشكال الإجرام الذي تتعدد فيه المراحل وتكثر فيه الفواعل وتزداد فيه الأخطار والتهديدات، مضيفاً أن الثورة التكنولوجية والانفتاح على العالم شكّلا نوعاً من "الهشاشة الأمنية" لدى الدول، موضحاً أن هناك من يستخدم الفضاء السيبراني في إطار صناعة السياسات لضرب استقرار الدول من طريق نشر الأخبار الكاذبة والتعبئة والتجنيد ضد بعض الأنظمة السياسية، بهدف إحداث تحولات لخدمة مصالح خارجية.
وأكد شنين أن الجزائر تمكنت بفضل جيشها وكل مؤسساتها الأمنية من دحر المحاولات الخارجية الهادفة إلى المساس بأمن البلاد وتجانس المجتمع وهويته. وأمام هذه التحديات أصبح من الضروري اليقظة حيال كل السلوكيات الإجرامية والمناورات الخارجية، ودعم المساعي الهادفة للحفاظ على الاستقرار.
الحراك منقسم
وترتفع درجة حرارة الشارع ومنصات التواصل الاجتماعي ومواقع إلكترونية إخبارية مع اقتراب موعد الذكرى الثانية للحراك، إذ تدفع جهات جزائرية مقيمة في الخارج وأخرى في الداخل إلى تعبئة الشارع من أجل العودة للتظاهرات والمسيرات السلمية، تحت تبرير استمرار الممارسات والسياسات السابقة نفسها التي أخرجت الشعب إلى الشوارع في 22 فبراير 2019.
في المقابل، يرفض جزء واسع من الحراك "الأصلي" الذي رفض "الخامسة" وأسقط "بوتفليقة"، العودة للشارع في ظل الوضع المتأزم الذي تعيشه البلاد اقتصادياً واجتماعياً، واعتبروا أن الرئيس عبدالمجيد تبون حقق إنجازات كانت من مطالب الشارع، وأهمها محاربة الفساد والفاسدين، واستمرار ملاحقة "العصابة" ومحاكمة أفرداها، إضافة إلى تعديل الدستور وقانون الانتخابات قريباً، في انتظار الإعلان عن موعد الانتخابات البرلمانية والمحلية المسبقة، إلى جانب عدد من الإصلاحات في مختلف المجالات والقطاعات.
معلومات استخباراتية
الدبلوماسي الأممي الجزائري محمد خذير يعتبر أن ما جاء به المتحدث الرسمي باسم الحكومة عمار بلحيمر، معلومات استخباراتية كانت تحدثت عنها بعض الجهات حول استئجار أطراف خارجية عدداً من "الهاكرز" من دول مثل روسيا وبنغلاديش والهند، من أجل ضرب الصدقية الجزائرية من على منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك القيام بهجوم إلكتروني على بعض المؤسسات، موضحاً أن هناك فرقاً بين استهداف الدولة الجزائرية كدولة واستهداف السلطة كنظام. وقال إن الوزير بلحيمر تحدث عن الدولة الجزائرية ولم يتحدث عن الحراك أو المعارضة، لذا "لا أظن أنها تصريحات للاستهلاك الداخلي، وإنما رد على بعض الأطراف".