يعود الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي (مواليد مدينة فاس،1942) إلى منصة التتويج، بعد حصوله على جائزة غونكور للشعر عام 2009 والجائزة الكبرى لأكاديمية اللغة الفرنسية عام 2011، وقبلها جائزة آلان بوسكيه عام 2006، ليضيف إلى تاريخه الشعري جائزة تقديرية جديدة. فقد أعلنت أخيراً دار النشر الفرنسية "لوكاستور أسترال" Le Castor Astral أن المجموعة الشعرية الصادرة عنها "لا شيء تقريباً" Presque Rien لعبد اللطيف قد فازت بجائزة روجر كوالسكي للشعر في دورتها الجديدة، وتحمل أيضاً اسم "جائزة الشعر الكبرى لمدينة ليون" ويعتبر كوالسكي، الذي ولد في ليون عام 1934، أحد الشعراء المعروفين في الحياة الثقافية بفرنسا. كان نشطاً خلال فترة الستينيات والسبعينيات، وفارق الحياة مبكراً، وهو في ذروة العطاء، من دون أن يتجاوز عمره إحدى وأربعين سنة.
وتقدّم جائزة ليون، التي أنشئت في 1984، كل سنة لديوان لشاعر حيّ له أثر وحضور في الحياة الأدبية في فرنسا. ومن بين الفائزين بها في السنوات الأخيرة: إيف بونفوا وفيليب دولافو وجان جوبير وباتريك لوبان. وتحظى دار غاليمار بالنصيب الأوفر من جوائز كوالسكي، فقد حصلت الأعمال الشعرية الصادرة عنها على الجائزة في ستّ دورات.
الإلتزام النفي والفكري
وأشار بيان لجنة الجائزة أن اللعبي يرّوج لمفهوم "الالتزام الفني والفكري باعتباره وسيلة لمناهضة اللّاعدالة"، وأكدت أن اللعبي بأعماله الشعرية يرسّخ "جمالية المعارضة". وتوقف البيان عند التجربة الحياتية لعبد اللطيف اللعبي باعتبارها المصدر الأساس لمختلف كتاباته في الشعر والرواية والمسرح والمقال، وبرّرت اللجنة اختيارها للمجموعة الشعرية الجديدة للعبي "لا شيء تقريباً" بكون هذا العمل الأدبي زاخراً بالحكمة والتفاؤل ومتجذراً في طرح الأسئلة الوجودية الكبرى.
والحقيقة أن اللعبي وضع حياته بكامل تفاصيلها على الورق. فقد نقل عبر أعماله الأدبية المتعددة تجربته في الاعتقال والمنفى والحبّ والمقاومة، سواء انطلاقاً مما عاشه في مغربٍ شهد تحولات سياسية واجتماعية عدة، أو في فرنسا التي ظلّت تحمل نظرة غامضة للأدب العربي المكتوب بالفرنسية. غير أن صاحب "الأسئلة الحارقة" كان من الكتّاب العرب القلائل الذين حظُوا بتقدير كبير سواء في بلدانهم الأصلية أو في بلد بودلير.
من يقرأ "احتضان العالم" و"الشمس تحتضر" يلمس لدى الشاعر ذلك الانشغال بالهمّ الإنساني وتلك اللوعة الدائمة بمُساءلة الوجود. ومن يقرأ "شذرات من سفر تكوين منسي" يدرك أن الشاعر يقوم بإعادة قراءة للوجود منذ بداية تشكّله مسلطاً الضوء على الإنسان باعتباره مركزاً لهذا الوجود، بالتالي هو الأجدر على الدوام بتكريمه والإعلاء من قيمته ونفي كل العناصر التي تعمل على قمعه وسلبه حريته واغتيال أحلامه.
ظلت المسألة الإنسانية هي منطلق الكتابة عند اللعبي، فقد دافع عن قيم الحرية ومقاومة كل أشكال الظلم والدعوة إلى تقدير الإنسان وإخراجه من كل ضيق أيديولوجي أو إكراه سياسي واجتماعي. كما احتفى بتيمة الاختلاف والتفاعل مع الآخر، واعتبار الشرط الإنساني مدخلاً أساسياً لبناء المواقف.
شاعر الهامش
على الرغم من وجوده في صميم الحياة الثقافية، سواء في المغرب أو فرنسا، ظل اللعبي يعتبر نفسه شاعر هامش، لا شاعر مركز. يقول عن ذلك: "سأبقى دائماً أطرح قناعاتي في أي قضية من القضايا السياسية والثقافية من داخل الهامش الذي أعيش فيه، لم أنخرط لا في الدولة ولا في الأحزاب، بقيت في الهامش الخصب، وربما يكون هذا الهامش هو المركز، لأنه مجال الحرية، والحرية هي مركز القيم".
لذلك فضل اللعبي ألا يتقلد أي منصب سياسي في المغرب، كما حصل مع عدد من رفاقه المثقفين الذين حصلوا على مناصب كبيرة في الدولة، سفراء ووزراء، وُهبت لهم كتعويض عن السنوات التي قضوها في المعتقل في زمن كان يسمى في المغرب "سنوات الرصاص".
درس اللعبي الأدب الفرنسي، بدايةً، في جامعة محمد الخامس بالرباط، وعمل أستاذاً للغة الفرنسية في السلك الثانوي. بدأ الكتابة في شبابه الأول فور اكتشافه لروايات دوستويفسكي. أسس بمعية رفاقه حركة سياسية حملت اسم "إلى الأمام". وشرع منذ عام 1966، برفقة محمد خير الدين ومصطفى النيسابوري، في إصدار مجلة "أنفاس" التي قال عنها زعيم السورياليين أندريه بروتون حين تصفحها: "من هنا ستبدأ الثورة"، لكنّ هذه المجلة توقفت بعد ست سنوات. كما أسس في 1968 مع إبراهام السرفاتي "جمعية البحث الثقافي"، إضافة إلى إشرافه في الفترة ذاتها على منشورات "أطلانطا".
قادته مواقف هذه الحركة إلى السجن عام 1972. وحوكم في مدينة الدار البيضاء بعد سنة ونيف من الاعتقال. وصدر في حقه قرار بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة المس بأمن الدولة، قضى منها ثماني سنوات. وحين خرج من المعتقل غادر البلاد إلى فرنسا. يقول اللعبي عن تلك التجربة المريرة: "ما الذي يمكن لأسير أن يقول/ عن أغلاله/ عن أسفار التكوين المزيفة هذه/ التي يجد نفسه في منتهاها/ في السفينة نفسها ذات الثقوب/ صحبة الرفاق أنفسهم/ الذين يقاسمونه الحظ العاثر مخدرين/ متطلعين بلا جدوى إلى الأرض الموعودة؟".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إثر عودته من فرنسا حاملاً دبلوم الدراسات المعمقة في الأدب من جامعة بوردو، أراد أن يستقرّ في المغرب. لكنّه لم يجد تلك المساحة من الحرية التي يحلم بها الشاعر، فعاد إلى فرنسا ليعيش هناك مع زوجته جوسلين، في وسط ثقافي كان يرى أنه قد يكون الأكثر تقديراً لتجربته الأدبية. فإذا كانت فرنسا قد منحته أربعاً من أرقى جوائزها، فإن المغرب بالمقابل لم يمنحه أية جائزة.
من أعمال اللعبي الروائية: العين والليل، طريق المحاكمات، تجاعيد الأسد. ومن مسرحياته: قاضي الظل، تمارين على التسامح. أما أعماله الشعرية فعديدة من بينها: سلالة، أزهرت شجرة الحديد، عهد البربرية، قصة مصلوبي الأمل السبعة، خطاب فوق الهضبة العربية، جميع التمزقات، الشمس تحتضر، احتضان العالم، شجون الدار البيضاء، شذرات من سفر تكوين منسي. وله كتب أخرى ذات طابع نظري أو توثيقي لمسار حياته.
حصل اللعبي، إضافة إلى الجوائز الفرنسية، على جوائز أخرى من بينها جائزة "نويفو سيغلو دي أورو" المكسيكية وجائزة محمود درويش للثقافة والإبداع العام الماضي.