عندما اجتاح فيروس كورونا العالم في ديسمبر (كانون الأول) 2019، استنفر دوله للتعرف إليه ومواجهته بعد أن بات العلماء والباحثون في المختبرات يعملون على مدار الساعة. توحدت جهود الدول بضخ المليارات لإنقاذ اقتصادها من هذا الهجوم عن طريق إيجاد لقاح له، وما كاد عام 2020 أن ينتهي إلا وقد اعتمدت عدة لقاحات في زمن قياسي لم يتجاوز العام الواحد.
شهور البحث القصيرة نسبياً، أثارت تساؤلاً حول القدرة الفائقة لدى المختبرات الطبية في هذا الاختبار، على الرغم من وجود أمراض قديمة أشد فتكاً بالإنسان كمرض السرطان، الذي نعيش اليوم، 15 فبراير (شباط)، يومه العالمي، وأمراض مزمنة أخرى ما زال مرضاه يأملون وهم يتابعون النجاح القياسي في سباق الزمن بملف (كوفيد-19) في أن تتكاتف الجهود الدولية في استنساخ التجربة في معركتهم التي تحصدهم على مدى عقود مضت.
السرطان مثال مزمن
في اليوم العالمي لمرض سرطان الطفل، يجدر بنا اختياره من بين الأمراض المزمنة التي تتفاوت في فتكها، فعلى الرغم من التطور في المجالات الطبية والتقنية ما زال مرض السرطان يفتك بـ9.6 مليون شخص سنوياً، بحسب منظمة الصحة العالمية.
كما توقعت المنظمة في أحدث تقرير لها زيادة عدد الإصابات بالسرطان على مستوى العالم بمقدار 81 في المئة تقريباً بحلول عام 2040، أي ما يتراوح بين 29 و37 مليوناً.
وجاء في تقريرها أيضاً، تحت عنوان "أبحاث السرطان ومنظمة الصحة العالمية"، الذي يصدر كل خمسة أعوام لوضع برنامج شامل لمواجهة المرض والبحث عن أنسب الوسائل للوقاية منه، "يصاب واحد من كل خمسة رجال وواحدة من كل ست نساء بهذا المرض خلال حياتهم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل"، في حين كان السرطان في الماضي مرتبطاً بالدول الغنية مثل الولايات المتحدة، إذ كان مسؤولاً فيها عن 21.3 في المئة من الوفيات عام 2017.
كما أشار التقرير إلى أن إصابة محدودي الدخل أكثر من أصحاب ذوي الدخول المرتفعة، وتعود إلى عوامل عدة من بينها فروق في التدخين واستهلاك الخمور والتغذية والسمنة والنشاط الرياضي، كما ذكرت منظمة الصحة في تقريرها، أن محدودي الدخل يذهبون أغلب الأحيان إلى الطبيب على نحو متأخر مما يحرمهم من التشخيص المبكر الذي يزيد من احتمالية الشفاء.
معركة الوقت بين كورونا والسرطان
وبعد استعراض ما أحدثته الأورام السرطانية بالبشر، يعود الحديث مجدداً عن تجربة كورونا التي سجلت نجاحاً قياسياً في إيجاد اللقاح الملائم مقابل المعركة التي يخوضها محاربو الأورام الخبيثة منذ سنوات.
ونوه الطبيب ممدوح القثامي، كبير الفيزيائيين الطبيين بقسم الأورام بمدينة الملك عبدالعزيز الطبية، بأن سرعة التوصل إلى لقاحات لعلاج الفيروس المستجد كان نتيجة الآثار التي تسبب بها من تبعات اقتصادية واجتماعية، وهو الذي لم يعرف حدوداً جغرافية مما أدى إلى نقلة نوعية وفريدة في التعاون الدولي من أجل إيجاد لقاح عاجل له"، ويضيف "نتج من الأزمة اجتماع الباحثين وصناع القرار في جميع دول العالم معاً، لهدف واحد وهو القضاء على جائحة كورونا، لذلك تم دعم البحث العلمي وتخفيض الحواجز التنافسية بين العلماء والشركات، وإعادة صياغة العمليات التنظيمية للمساعدة في إنتاج أدوية ولقاحات آمنة وفعالة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح القثامي أن السرطان مرض أكثر تعقيداً من كورونا، لذلك إيجاد علاج جذري له ليس بالأمر السهل، مضيفاً "مشكلة السرطان هي أن خلايا الجسم في ظل الإصابة به تفقد القدرة على التحكم في نموها، بالتالي فإن الجسم يواجه صعوبة بالغة في التمييز بين الخلايا السرطانية والخلايا الطبيعية، ومن الصعب جداً علينا تصميم أدوية تدمر الخلايا السرطانية من دون الإضرار ببقية الخلايا في الجسم".
وأضاف أن بعض الأورام تتمتع بالقدرة على التغيير باستمرار، فهي تغير بيولوجيتها أثناء نموها "يمكن أن تنجح العلاجات الكيماوية في قتل العديد من الخلايا السرطانية، ولكن ليس جميعها، إذ ستعيد الخلايا المقاومة بناء الورم من جديد"، لذلك ينتهي الأمر في المحصلة إلى عدم حل المشكلة.
وشدد كبير الفيزيائيين الطبيين على صعوبة مقارنة مرض كالسرطان بتعقيداته البيولوجية بفيروس مثل كورونا، مشيراً إلى جوانب الاختلاف "السرطان ليس مرضاً معدياً، ولا ينتج من الفيروسات بشكل شائع على الرغم من أن عدداً قليلاً من الفيروسات يزيد من خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان".
ليس نوعاً واحداً
ونوه ممدوح القثامي إلى نقطة إضافية تعقد من عملية السيطرة على مرض كالسرطان واحتوائه "يعتقد العلماء أن هناك عوامل عدة تؤدي للإصابة بالسرطان، منها عوامل الخصائص الجينية للجسم أو العوامل البيئية أو الغذائية أو نمط الحياة، إضافة إلى أن العديد من الأورام تحتوي على أكثر من نوع واحد من الخلايا السرطانية"، إذ تتعدد أنواعه وأسباب الإصابة به وقدرته على استعادة ذاته، الأمر الذي يمكن قياس صعوبته ولو بشكل محدود في حالة التحور الذي شهده كورونا ما عقد مكافحته عندما ظن العالم أنه بات تحت السيطرة.
إلا أن الطبيب السعودي لا ينفي فرص استنساخ تجربة (كوفيد-19) لتطوير علاج للسرطان، وذلك بتكاتف المراكز البحثية والشراكة الدولية في البحث العلمي كما حصل العام الماضي "هذا التعاون يساعد في تشجيع شركات الأدوية على العمل معاً لدراسة فعالية العلاجات في وقت زمني قصير، مع وجود عمليات تنظيمية وتمويلية تتسم بالكفاءة وتبسيط عمليات اللجان البحثية، ومجالس المراجعة البحثية والمؤسسية في الحصول على اللقاحات للمرض في وقت قياسي"، إذ يبدو أن العالم بحاجة إلى أن يتحول إلى ورشة كما كانت عليه الحال في 2020 لوضع حد للأمراض المزمنة.
مؤامرة شركات الأدوية؟
إلا أن هذا لا يبدو سهل الفهم بالنسبة لكثيرين، إذ يفضل البعض تفسير النجاح القياسي في ملف الفيروس الأخير إلى مؤامرة رأسمالية تقودها شركات الأدوية ودول منتجة تبحث عن سوق للقاح معد سلفاً.
هذا الأمر لا يعد مقنعاً لمن هو في المختبر، إذ يضيف كبير فيزيائيي المركز السعودي "جائحة كورونا هي أكثر بكثير من مجرد أزمة صحية، فلا يخفى على الجميع تسبب هذه الجائحة في أكبر ركود عالمي في التاريخ، ونتج من ذلك نقص حاد في بعض الإمدادات على عدد من القطاعات بسبب (شراء الذعر) وزيادة استخدام السلع خوفاً من تعطل سلاسل الإمداد، وتعطيل المصانع والخدمات اللوجستية في كثير من الدول المصدرة، وكانت هناك حالات من التلاعب في الأسعار"، وهو ما يجعل من فرضية وجود مستفيد أمراً صعب التصديق، فما خسرته الدول المصنعة اقتصادياً أكثر مما يمكن أن تكسبه من مبيعات اللقاح.
وإن كنا استعرضنا لحالة الأورام السرطانية بشكل خاص كنموذج بحكم حلول يومها العالمي، إلا أن الأمراض المزمنة التي يقف مصابوها أمام مختبرات الأدوية بانتظار خبر كالذي حمله ختام 2020 لمصابي الأزمة التنفسية هي قائمة طويلة، تنتظر جهداً طبياً تكاملياً كالذي اصطف لمواجهة الفيروس القادم من الصين من دون الحاجة لدافع اقتصادي يحركها.