في كتابها المصور، "تاريخ مرئي للمرأة الأفريقية في مئة عام" تعتمد الكاتبة كاثرين إي ماكينلي على مجموعة كبيرة من الصور التاريخية والمعاصرة في تقديم سجل يمتد لمئة عام (1870–1970) عن تلك الأيقونة الساحرة (المرأة الأفريقية)، بعيداً من الصورة النمطية الراسخة في أذهان العالم، والمرتبطة إلى حد بعيد بلون بشرتها المغوي، وحصرها في خضم الحروب والفقر المدقع.
كاثرين إي ماكينلي كاتبة وقيمة فنية، درّست الكتابة الإبداعية في كلية سارة لورانس وجامعة كولومبيا، وتعيش في مدينة نيويورك. ظهرت أعمالها في العديد من المجلات والصحف، بما في ذلك "الجوهر" و"الانبثاق" و"الآنسة التي تعيش في بروكلين، نيويورك".
الصورة ذاكرة التاريخ
تُنسب الصور التي انتقتها ماكينلي بعناية إلى مجموعة من المصورين الأفارقة المشهورين والأوروبيين، والاستديوهات المحلية، وعدد من المصورين المجهولين، قاموا بالتقاطها من زوايا متباينة، لفتيات ونساء أفريقيات، معظمهن من بوركينا فاسو وتشاد وغامبيا ونيجيريا ودول أخرى على طول الساحل الأطلسي للقارة، وتغطي فترات الاستعمار والاستقلال وما بعد الاستقلال.
استهدفت ماكينلي عبر وسيطها الصورة، رصد مدى ما تتمتع به المرأة الأفريقية من عالمية وحداثة وكيف استطاعت الاستفادة من أداتين من أدوات القمع الاستعماري الذي طالما هدد كيانها ومعيشتها؛ ماكينة الخياطة والكاميرا. فما أحدثته هاتان الأداتان من تأثير لم يقتصر على الموضة والصورة فحسب، بل امتد إلى كل شيء من الفن إلى السياسة والصناعة والطب والاقتصاد المحلي والعالمي. إنهما ببساطة تصلحان كوسيلتي تتبع لمسار المشروع الاستعماري ذاته.
قصة التحرر الأفريقي
على الرغم من سطوة الصورة وقدرتها على أن تكون في حد ذاتها نصاً مكتمل الدلالة، أضافت ماكينلي بعض التعليقات الثاقبة والنصوص والشروح الذكية لاستكناه التاريخ الخفي للمرأة الأفريقية من خلال الصورة الحية، وليس من كتب التاريخ أو تداعي الذاكرة، حيث يمكنك أن ترى الفرحة الجذلة، الأسرة والحب والوطن، بقدر ما يمكنك أن تستشعر السلطة التي يتمتع بها المصورون البيض على الأفارقة.
لكن ما يلفت الانتباه أن الصور التي التقطها الأوروبيون كانت الأكثر وضوحاً وعرياً، في تجسيدها للعلاقة بين الرجل الأبيض والمرأة الأفريقية، وما انطوت عليه تلك العلاقة من خلل رهيب في توازن القوى. وتخترق ماكينلي السطح لتكشف عن روح المقاومة في إيماءات شتى منها النظرة المشتعلة بلهبٍ بالغ الدكنة، كأثر لمقاومة هادئة عميقة في تحديقة العينين. وهو ما يطرح سؤالاً جذرياً "من الذي يمكنه أن يروي القصص ويكتب التاريخ وكيف تُمارس هذه القوة في العالم"؟
كتبت ماكينلي أن بعض صور الحقبة الاستعمارية طُبعت على بطاقات بريدية كوسائل إباحية للرجال الأوروبيين "الذين يقاتلون سحر الإمبراطورية الثقيل"، ولكن بحلول وقت الاستقلال (بدءاً من تحرير غانا في عام 1957)، كانت الملابس والكاميرا "عوامل قوية لإنهاء الاستعمار".
أولت ماكينلي اهتماماً خاصاً لملابس الشخصيات وأكسسواراتهم ومجوهراتهم كدلالات على الهوية والوضع الاجتماعي، وخلصت إلى أن الموضات الجديدة التي ارتدتها النساء للتصوير في الاستوديوهات كانت بمثابة "دليل دراماتيكي على المشاركة الواعية مع سياسات عموم أفريقيا وغيرها من السياسات الراديكالية عبر القارة والعالم". ويؤرخ الكتاب أيضاً لأهمية ماكينة الخياطة في التعبير عن الذات والقوة الاقتصادية للمرأة الأفريقية، كما يسلط الضوء على ظهور مصورات من النساء في الاستوديوهات، بما في ذلك الفنانة فيليسيا إيوراسي أبان.
الرفاهية البعيدة المنال
هل تعد نوعاً من الشطط، دراسة المرأة في كل أنحاء القارة الأفريقية، من خلال ماكينة خياطة وكاميرا، في أواخر القرنين التاسع عشر والعشرين، بما يجعل هاتين الأداتين للحداثة تتفوقان على اختراع السيارة، والابتكارات الطبية وأدوات الزراعة، وكل ما قدمته التكنولوجيا من حداثة؟ تجيب ماكينلي بحقيقة مؤكدة مؤداها أنه لعقود بعد سقوط الأنظمة الاستعمارية، بدءاً من استقلال غانا في عام 1957، لم يصل سوى عدد قليل جداً من هذه الابتكارات الحديثة على نحو عام أو ثابت إلى معظم الحياة الأفريقية، وبخاصة حياة النساء. وحتى اللحظة الراهنة لا تزال هذه الابتكارات بعيدة المنال، بما في ذلك الطاقة الثابتة أو الماء حتى في أكثر زوايا المدن حداثة، في حين أصبحت الكاميرا وماكينة الخياطة تدريجياً جزءاً من الحياة اليومية- أدوات ثابتة توفر وسائل قوية لحياة الأفريقيات.
دخلت ماكينة الخياطة القارة الأفريقية في الفترة من منتصف إلى أواخر القرن التاسع عشر، بعد فترة وجيزة من إعلانها رسمياً اختراعاً وحصلت على براءة اختراع على نطاق واسع في أوروبا. وكان يتم الاحتفاظ بهذه الماكينات أول الأمر في المواني التجارية والمباني الملحقة بالقلاع الاستعمارية. غالباً ما كانت هذه المباني تضم أو يلحق بها مصانع صغيرة تصنع الملابس، وبشكل أساسي الزي الرسمي وملابس المهام، إضافة إلى حياكة بعض القطع ووضع اللمسات الأخيرة على القماش، ليتم توزيعها في تجارة واسعة النطاق ومربحة بين أفريقيا.
في البداية اقتصر امتياز حيازتها على الطبقات الملكية الأوروبية والأفريقية. في العديد من الثقافات الأفريقية، لا يزال من المعتاد دفن الموتى بممتلكات تمثل شخصية المرء ومكانته الاجتماعية - لمساعدتهم في عالمهم الآخر. ثمة حاوية من القرن التاسع عشر، وُضِعت على قبر رئيس إقليمي في مبوما، تكشف عن المكانة الاجتماعية والتسلسل الهرمي لثقافة ماكينة الخياطة المبكرة.
بمرور الوقت، امتلكت النخب الأفريقية الأخرى ماكينات خياطة، وسرعان ما انتشرت من خلال التعليم التبشيري، على الرغم من أنها كانت لا تزال باهظة الثمن. شيئاً فشيئاً أصبحت ماكينة الخياطة عنصراً شائعاً من عناصر المهر، تستخدمها الزوجة في تسيير متطلبات أسرتها فحسب، أو لتحقيق حريتها الاقتصادية عن زوجها.
مع تطور ماكينات الخياطة، بقيت الماكينات عتيقة الطراز أو التي تعمل باليد أو الدواسة مثل الفراشة السوداء Black Butterfly الأيقونية، التي تشبه ذخائر الكونغو، من الآلات الأساسية الموثوق بها إلى جانب أحدث الواردات اليابانية أو الألمانية المحوسبة.
الذات حين تواجه العالم
الكاميرا هي الأداة الأخرى التي تتبعت بها ماكينلي التاريخ المخفي للمرأة الأفريقية. وفقاً لما ورد في كتابها، دخل التصوير الفوتوغرافي للمرة الأولى- النمط الداغيري - إلى مصر في عام 1840، بعد وقت قصير من الإعلان الرسمي لفرانسوا أراغو في عام 1839 في مجلس النواب الفرنسي عن اختراع لويس داغير للتكنولوجيا. لكن الأمر سيستغرق عقداً ونصفاً آخر قبل أن تدخل الكاميرا في التجارة الاستعمارية.
لم تتوصل ماكينلي تحديداً إلى التاريخ المبكر للتصوير الفوتوغرافي في أفريقيا، ولكنها تستدل عليه من خلال أول استوديوهات معروفة، يعود تاريخها إلى عام 1853، حيث نعلم أنها كانت مملوكة في كثير من الأحيان للأفارقة كما كانت للتجار الأوروبيين واللبنانيين، والمنفيين السياسيين السود والعائدين من الولايات المتحدة ودول أخرى مشتركة في التجارة عبر الأطلسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالنسبة لأوروبا، كان التصوير الفوتوغرافي أحد الطرق الفعالة للربط بين معسكرات الإمبراطورية المتباينة والمتباعدة. وهو ما ساعد في تشكيل سرد حقيقي للغزو الاستعماري وجعل الجهود حقيقية لكل من أولئك الموجودين في أوروبا وفي جميع أنحاء المستعمرات، حين تتعثر التخيلات والمعنويات.
استخدمت الحكومات الاستعمارية الصور كأداة قوية في الدعاية، وكوسيلة للإبلاغ، ولإبهار الأوروبيين والترفيه الشعبي في شكل صور مجسمة، وبطاقات بريدية، وكروت شخصية، وفي النهاية صور متحركة.
في عام 1869، مع انتشار الكاميرات على نطاق واسع، أرسل المكتب الاستعماري في لندن تعليمات إلى حكام الإمبراطورية في جميع أنحاء العالم لتصوير جميع "الأجناس" في الإمبراطورية البريطانية وفهرستها لتحقيق مزيد من "الإطلاع" تحت حكم التاج. وحين تم إرسال مهندسي الجيش بأسلحة في رحلات استكشافية داخل إحدى الدول الأفريقية، انضم المصورون إلى تلك المهمات لتوثيق البنية التحتية والمشاريع التبشيرية والحملات الإصلاحية، إضافة إلى رسم خرائط للأرض ومسحها وتوثيق من سكنها.
يبلغ عدد الصور التي استعانت بها ماكينلي في كتابها 150 صورة، جسدت مسار المشروع الاستعماري في القارة السوداء، بقدر ما جسدت ما انطوت عليه ملامح الأفريقيات عبر القرون من كرامة ومرح وتقشف وعظمة وخيال، فضلاً عن اللون العاجي المشع الذي أغوى العالم.