أظهرت أرقام رسمية أن اقتصاد المملكة المتحدة تقلص بنسبة قياسية بلغت 9.9 في المئة في 2020. وتباطأ التعافي الاقتصادي بشكل ملحوظ في الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2020 مع تشديد القيود المفروضة في التعامل مع موجة ثانية من فيروس كورونا.
وأفاد "مكتب الإحصاءات الوطنية" بأن ناتج البضائع والخدمات ازداد بنسبة 1 في المئة بين أكتوبر (تشرين الأول) وديسمبر (كانون الأول)، بعد ما بلغ معدل النمو 16.1 في المئة في الأشهر الثلاثة السابقة.
ونمت القطاعات الاقتصادية العريضة في الربع الأخير من 2020. إذ ارتفعت الخدمات بـ0.6 في المئة، والإنتاج بـ1.8 في المئة، والبناء بـ4.6 في المئة. وفي الإجمال، بلغ التوسع ضعفي حجم توقعات خبراء الاقتصاد.
ولم يكن ذلك كافياً كي يعوض عن الهبوط القياسي في الناتج المحلي الإجمالي أثناء فترة الإغلاق الأولى، في وقت سابق من العام الماضي. إذ بلغ التراجع الإجمالي في 2020 أكثر من ضعفي مستواه سنة 2009 عندما تسببت الأزمة المالية العالمية في هبوط الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بـ4.1 في المئة.
ومن المتوقع أن تؤدي الجولة الثالثة من عمليات الإقفال الوطنية إلى مزيد من انكماش الاقتصاد في الأشهر الأولى من 2021. وانخفض الإنفاق بالبطاقات في يناير (كانون الثاني) من السنة الجارية، وأبلغت الشركات عن انخفاض في حجم التعاملات.
ويتوقع "بنك إنجلترا" انتعاشاً سريعاً في الربيع المقبل مع تلقيح مزيد من الناس ورفع القيود.
وذكر نائب المسؤول الإحصائي الوطني في مكتب الإحصاءات الوطنية جوناثان أثو "أن تخفيف القيود في عدد من أرجاء المملكة المتحدة، ترافق مع تعافٍ في بعض عناصر الاقتصاد خلال ديسمبر 2020، مع تسجيل نمو في قطاعات الضيافة، ومبيعات السيارات، والمزينين. كذلك ساعدت الزيادة في فحوص "كوفيد- 19" ومتابعة المرضى، في تعزيز الناتج. وكذلك انخفض الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام بنحو 10 في المئة، ما يفوق ضعفي الهبوط السنوي الأضخم على الإطلاق المسجل في السابق".
ويعتبر التراجع الذي شهده العام الماضي الأكبر منذ بدأ الإحصائيون في حساب الناتج المحلي الإجمالي في أربعينييات القرن العشرين. وبالرجوع إلى كتب التاريخ، يظهر أن الانخفاض الأخير في ذلك الناتج على نطاق قابل للمقارنة قد حدث في 1921 حين تعاملت الأمة مع تأثيرات الحرب العالمية الأولى.
ويُقدر أن الاقتصاد تقلص بـ9.7 في المئة في ذلك العام، على الرغم من أن بيانات الناتج المحلي الإجمالي لم تُجمَع بالطريقة نفسها المعتمدة حاضراً.
ومع وضع الأرقام المتاحة كلها في الحسبان، تشكل سنة 2020 أسوأ عام للاقتصاد منذ انهيار المحاصيل بعد "الشتاء الكبير" في 1709.
وحاول آندي هالداين نائب محافظ "بنك إنجلترا" التخفيف من القتامة من خلال تقييم متفائل لآفاق المملكة المتحدة، أثناء حديث له، الجمعة المنصرم. ووصف الاقتصاد بأنه يشبه "نابضاً ملتفاً ومضغوطاً" ومستعداً لإطلاق الطاقة المكبوتة بمجرد استعادته ثقة الناس.
وكتب السيد هالداين في "الدايلي ميل" مشيراً إلى أنه "مع تلقيح 13 مليوناً من أكثر الناس ضعفاً بالفعل، ربما يكون خطر الوفاة أو الدخول إلى المستشفى في المملكة المتحدة، قد انخفض فعلاً إلى النصف".
"مع حلول نهاية مارس (آذار) 2021، واستناداً إلى الوتيرة الحالية لطرح اللقاحات والبيانات الحكومية عن المجموعات الضعيفة، ربما ينخفض هذا الخطر بما قد يصل إلى ثلاثة أرباع، وبحلول نهاية الربع الثاني من هذا العام، ربما ينخفض إلى مستوى أقل".
وتشير ردود على استطلاعات إلى أن البريطانيين جمعوا نحو 125 مليار جنيه إسترليني (173 مليار دولار) كمدخرات إضافية منذ بدأت الجائحة. وعلى الرغم من أن البعض عززوا أرصدتهم المصرفية، عانى آخرون بسبب البطالة أو انخفاض ساعات العمل والأجور.
وحذر كبير خبراء الاقتصاد لدى "برايس ووترهاوس كوبرز" جوناثان جيلهام من أن "عملاً كثيراً" لا يزال متوجباً كي يعاد الاقتصاد إلى مساره، على الرغم من أن أرقام الفصل الرابع جاءت أفضل من المتوقع.
ووفق السيد جيلهام، "لا تزال القطاعات الرئيسة كالبيع بالتجزئة والإقامة تعاني في شكل كبير، ويؤثر هذا في شكل خطير في الموظفين وأصحاب الأعمال".
وأكدت الأرقام التفصيلية مدى التفاوت الذي تخلفه تأثيرات الجائحة. وفي ديسمبر، تجاوز 44 قطاعاً صناعياً مستويات إنتاجها قبل "كوفيد". وخلال الفترة نفسها، انخفض الناتج في خدمات الإقامة والطعام، التي تشمل الفنادق والمطاعم والجهات المتعهدة لوجبات الطعام، بـ55.6 في المئة.
وفمن شأن ذلك أن يلقي على عاتق وزير المالية ريتشي سوناك مهمة صعبة، بينما يستعد لإعلان الميزانية في 3 مارس المقبل، مع ملاحظة أنه من المقرر انتهاء العمل بتدابير دعم كبرنامج الإجازات المدفوعة والإعفاء من ضريبة الأعمال في أبريل (نيسان) 2021.
وذكر الوزير أن الاقتصاد شهد "صدمة خطيرة" وإجراءات الإغلاق لا تزال مؤثرة بشكل خطير في الناس والشركات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب السيد سوناك، "لهذا السبب، يظل تركيزي منصباً على بذل كل ما في وسعنا لحماية الوظائف والشركات وسبل العيش. وفي الميزانية سأحدد المرحلة التالية من خطتنا للوظائف، والدعم الذي سنقدمه خلال المرحلة التالية من الجائحة".
وكذلك دعت وزيرة المالية في حكومة الظل العمالية، أنيليز دودز، الحكومة إلى العمل الآن بدلاً من الانتظار حتى الشهر المقبل.
وأكدت السيدة دودز على أنه "لم يعد بوسع الشركات أن تنتظر بعد الآن. فنحن بحاجة إلى برنامج أذكى بشأن الإجازات المدفوعة يمتد بالتأكيد إلى ما وراء أبريل، إلى جانب تمديد الإعفاء من ضريبة الشركات، وتقليص حيوي في ضريبة القيمة المضافة، بالنسبة إلى قطاعي الضيافة والسياحة كي نعطي الشركات متنفساً.
"لقد تسببت هذه الأزمة في إماطة اللثام عن الاقتصاد غير الآمن للمحافظين. ويتعين علينا أن نعيد البناء بمزيد من القوة، وأن نضع الأسس اللازمة لمستقبل أفضل وأكثر أماناً".
وأظهرت بيانات منفصلة أن العجز التجاري في المملكة المتحدة (= الصادرات ناقص الواردات) قد ازداد، ويرجع هذا جزئياً إلى واردات اللقاح المضاد لكورونا من بلجيكا التي تضم المصنع الرئيس للقاحات "كوفيد- 19" التي تصنعها شركة "فايزر".
وقد تلقت المملكة المتحدة 22 عملية تسليم من لقاح "فايزر/ بيونتيك" في 25 ديسمبر 2020. وكذلك زاد المصنعون من واردات مُكونات اللقاح قبل نهاية الفترة الانتقالية لخروج بريطانيا في 31 ديسمبر 2020.
وارتفع إجمالي الواردات 11.6 مليار جنيه، في حين زادت الصادرات بنحو 0.7 مليار جنيه.
واستناداً إلى تلك المعطيات، دعت الأمينة العامة لـ"مؤتمر الاتحادات المهنية"، فرانسيس أوغرايدي، إلى تمديد العمل ببرنامج الإجازات المدفوعة، الذي دعم ما يقرب من 10 ملايين وظيفة خلال هذه الجائحة.
"إن وظائف الملايين من الناس معلقة في الميزان. لقد حان الوقت لإنهاء حالة عدم اليقين والقلق. ويتعين على وزير المالية أن يمدد على وجه السرعة العمل بالدعم الكامل حتى نهاية العام من أجل الحفاظ على سلامة الوظائف".
وأضافت: "يتعين عليه أن يلغي تجميد الأجور المقرر أن يطال ملايين العمال الرئيسيين في أبريل. إذ يتمثل آخر ما تحتاج إليه شركاتنا ومؤسساتنا للبيع بالتجزئة، في خفض الإنفاق الاستهلاكي إبان محاولة تلك الأعمال العمل على التعافي".
© The Independent