عاد ملف التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان إلى الواجهة مجدداً، بعد أشهر من اعتذار شركة "ألفاريز أند مارسال" عن الاستمرار بالمهمة لاصطدامها بامتناع المركزي عن تسليم المعلومات المطلوبة، بذريعة امتثاله لقانون السرية المصرفية.
وفي 29 ديسمبر (كانون الأول) 2020، بادر مجلس النواب إلى إقرار قانون حمل رقم 200 لرفع السرية المصرفية بشكل استثنائي لمدة عام.
وبعد نحو شهر من المراسلات وتقاذف المسؤوليات بين المركزي ووزارة المال، أعلن أخيراً وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني أنه تَسلّم، وفقاً للأصول القانونية، الكتاب المُرسل من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي يؤكد فيه التزامه كامل أحكام القانون رقم 200 وتعاونه مع الشركة إيجابياً بالنسبة إلى الأسئلة المطروحة من قبلها لإنجاز مهمة التدقيق الجنائي، على أن يحوّل وزني ردّ الحاكم إلى الشركة استناداً إلى المعطيات المستجدة.
وبالفعل، بدأ وزني التعاون مع فريق عمل الوزارة، لتحضير الردود المناسبة على متطلبات "ألفاريز أند مارسال"، ضمن كتاب واحد ليتسنى لها اتخاذ القرار النهائي بشأن عودتها إلى لبنان.
أسئلة "ألفاريز أند مارسال"
طلبت الشركة من وزارة المال أجوبة عن تساؤلات تتعلق بمسار إنجاز مهمتها، في حال وافقت على العودة إلى لبنان واستئناف التدقيق في حسابات المركزي، الذي تم توسيعه ليشمل الوزارات والصناديق والهيئات والمجالس، ما يحتّم توقيع عقد جديد بين الطرفين.
مصادر متابعة في وزارة المال تكشف لـ"اندبندنت عربية" عن أن تساؤلات الشركة الأربعة الأساسية للعودة هي:
- هل يجيز القانون الجديد اطّلاعها على حسابات المؤسسات الخاصة لدى مصرف لبنان؟
-هل تقدم مصرف لبنان ربطا بصدور قانون تعليق السرية المصرفية بأي معلومات جديدة التي سبق أن طلبتها (ألفاريز) لتتمكن من القيام بالتدقيق الجنائي؟
- هل تغيّر موقف مصرف لبنان لناحية رفضه تسليم المعلومات المتعلقة بهيكليته وعمله التنظيمي وقواعد الحوكمة المعتمدة لديه، بحجة أن إتاحة هذه المعلومات تشكّل انتهاكاً لقانون النقد والتسليف؟
- هل تغيّر موقف المركزي بشأن إمكانية الولوج إلى أنظمة التدقيق المحاسبي للمصرف لإتمام عملية التدقيق؟
ولا بد من الإشارة إلى أن وزارة العدل ولحسم الجدل القائم حول تطبيق القانون 200، أحالت تفسيره إلى هيئة التشريع والاستشارات، التي أعطت جواباً واضحاً يبيّن أن كلمة "بالتوازي" الواردة فيه تعني التدقيق الجنائي بالطريقة نفسها وليس ضمن المهلة ذاتها، وأن رفع السرية المصرفية يشمل كل الحسابات في مصرف لبنان.
إعلان سلامة تعاونه مع الشركة ترافق مع التشديد على ضرورة التزامها بكل الموجبات التي تفرضها القوانين ومعايير حماية البيانات والمعلومات التي قد تستحصل عليها، منعاً لتكرار واقعة تسريب قائمة المعلومات المقدمة من قبل مصرف لبنان في إحدى الصحف العالمية قبل أشهر قليلة.
مسرحية جديدة
يرى المحامي علي زبيب، المتخصص القانوني الدولي في الشؤون المصرفية، أن الصراع المستمر منذ تسعة أشهر بشأن التدقيق الجنائي المالي هو بمثابة تمثيليات هزلية بين مجلسي النواب والوزراء ومصرف لبنان. فالسلطة السياسية ممعنة في إفشاله لما في ذلك من تبعات على أركانها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح زبيب أن "القانون جاء مفخخاً، لأنه أعطى عاماً واحداً كمهلة لرفع السرية المصرفية، وهي فترة قصيرة ليست كافية للعمل المطلوب. وبالفعل، استنفد منها شهران من دون أي تحرك أو تقدم في هذه الإطار".
ويشير إلى أن إضافة الشمولية، أي التدقيق في كل المؤسسات العامة التي يفوق عددها 1200، يشكّل أيضاً استحالة وتفخيخاً واضحاً لعدم وجود كوادر بشرية قادرة على القيام بهذه المهمة.
ويتوقف عند كلمة "بالتوازي" التي وردت في قانون رفع السرية المصرفية وأشعلت اجتهادات قانونية على الرغم من الرد الواضح لهيئة التشريع والاستشارات.
ووفق زبيب، إذا وافقت الشركة على العودة بعقد جديد وكلفة أعلى، سيعود القرار إلى مجلس الوزراء، ما يتطلب مزيداً من الوقت، وتعثّر العملية مجدداً.
ويؤكد القانوني الدولي أن مسلسل الإمعان في تفشيل عملية التدقيق الجنائي المالي لا يزال قائماً، ولبنان أمام تحدٍّ جديد يتعلق بكيفية البدء بها في ظل توجه لتعديل العقد وتعذّر إقرار خطة محكمة لإجرائه عبر المؤسسات العامة.
ويختم أنه في ظل وجود هذه السلطة السياسية التي كانت سبباً رئيساً في وصول لبنان إلى حالة الإفلاس والانهيار غير المسبوق، فمن المستحيل حصول تدقيق جنائي بمعايير صحيحة وشفافة لأنه "سيحاسب أركانها ويودي بهم إلى السجن".