خرج المحتجون إلى شوارع ميانمار من جديد، اليوم الخميس، في مختلف التقاطعات المزدحمة في وسط مدينة يانغون إلى العاصمة القديمة باغان، للتنديد بانقلاب الأول من فبراير (شباط)، واعتقال الزعيمة المنتخبة أونغ سان سو تشي.
ولا تظهر أي علامة على انحسار الاحتجاجات والإضرابات اليومية التي شلت كثيراً من النشاطات الحكومية على الرغم من تعهدات المجلس العسكري إجراء انتخابات جديدة، ومناشدة موظفي الخدمة المدنية العودة إلى العمل، والتهديد باتخاذ إجراء ما لم يعودوا.
عصيان مدني
وامتلأت شوارع العاصمة التجارية يانغون بعشرات الآلاف بعد يوم من احتجاجات تعد من أضخم التظاهرات المنددة بالانقلاب حتى الآن. إذ عادت حشود كبيرة إلى معبد سولي بوسط المدينة، وتدفقت حشود أخرى على موقع احتجاج ثان عند تقاطع بالقرب من الحرم الجامعي الرئيس.
واتسمت مسيرات الشوارع بالسلمية، مقارنة بتلك التي قمعت بشكل دموي على مدار نصف قرن من حكم الجيش، لكن كان للاحتجاجات وحركة العصيان المدني تأثير كبير على كثير من الأعمال الحكومية.
كما أغلق سائقون في رانغون الطرقات بسياراتهم، إذ تركوا أغطية المحركات مرفوعة، وكأنها معطلة، لمنع قوات الأمن من التنقل في أنحاء كبرى مدن بورما. وأظهرت لقطات مصورة حافلات وسيارات متوقفة حول جسر في شمال داغون، صباح الخميس، إذ هتف المتظاهرون "لا تذهبوا إلى المكاتب، اتركوها وانضموا إلى حركة العصيان المدني".
وكتب على لافتة حملها راهب ارتدى الزي البرتقالي التقليدي "نحتاج من الجيش الأميركي أن ينقذ الوضع لدينا".
وسيرت الشرطة عشرات الدوريات في محيط تقاطع ميانيغون حيث أغلق السائقون الطرقات أيضاً.
وقال سائق سيارة أجرة، (30 عاماً)، "جمعنا نحو خمس سيارات أجرة، وادعى أحد سائقيها بأن سيارته تعطلت وأغلق الطريق. أحاط به البقية. لكننا لم نمكث طويلاً. أغلقنا الطريق نحو ثلاثين دقيقة". وأضاف "نقوم بذلك للتسبب في صعوبات بالنسبة إلى الشرطة. إذا قدموا وكان الوضع متوتراً بعض الشيء، نغادر".
وقالت بائعة متجولة تدعى ثان ثان، إن الأزمات المرورية تصعب الأمور عليها بعض الشيء، لكنها تؤيد الحملة. وأضافت المرأة، البالغة 50 عاماً، "اضطررت للسير 40 دقيقة تقريباً، لأن السيارات كانت تغلق الطريق في أثناء عودتي إلى المنزل، بعد ظهر أمس، قبل أن أتمكن من الصعود على متن حافلة".
حملة اعتقالات
ويبدو أن وضع حد لحملة العصيان المدني يمثل أولوية للحكومة العسكرية. إذ أصدر المجلس العسكري الليلة الماضية مذكرات اعتقال بحق ست من الشخصيات الشهيرة، بينهم مخرجون وممثلون ومغن، بموجب قانون مكافحة التحريض، لتشجيعهم موظفي الخدمة المدنية على الانضمام إلى الاحتجاج. ويمكن أن تصل عقوبة هذه الاتهامات إلى السجن عامين.
وارتفع منسوب التوتر خلال الليل في ثاني كبرى مدن بورما، ماندالاي، عندما فرق كل من الشرطة والجيش تظاهرة عطلت حركة القطارات، وفق ما أفاد مصدران لوكالة الصحافة الفرنسية. وقال أحد عناصر جهاز الطوارئ المحلي، إن قوات الأمن فتحت النار، على الرغم من أنه لم يتضح إن كانت استخدمت الرصاص المطاطي أم الحي، مضيفاً، أن شخصاً أصيب بجروح.
وجرى توقيف أربعة من سائقي قطارات شاركوا في العصيان عبر تهديدهم بالسلاح، وأجبروا على القيادة باتجاه مدينة ميتكيينا شمالاً، بحسب "هيئة مساعدة السجناء السياسيين". كما ذكرت المجموعة أنه جرى توقيف ما يقارب من 500 شخص منذ الانقلاب.
وفي الساعات الأولى من صباح الخميس، جرى توقيف 11 مسؤولاً في وزارة الخارجية لمشاركتهم في أنشطة العصيان المدني، وفق ما كشف أحد زملائهم لوكالة الصحافة الفرنسية. وقال شرطي طلب عدم الكشف عن هويته، في حديثه إلى الوكالة، إن 50 موظفاً مدنياً على الأقل من عدة وزارات اعتقلوا خلال الأيام الأربعة الماضية.
وبرر الجيش انتزاعه السلطة عبر حديثه عن تزوير واسع النطاق شهدته انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) التي حقق فيها حزب سو تشي فوزاً كاسحاً.
ودانت قوى غربية والأمم المتحدة بشكل متكرر الانقلاب. ووجهت اتهامات إلى سو تشي بحيازة أجهزة اتصال غير مسجلة، وإجراء تجمع انتخابي العام الماضي أشارت المؤسسة العسكرية إلى أنه خرق قيود احتواء كورونا.
ولم يتمكن محاميها خيم ماونغ زاو من لقاء موكلته، وأعرب عن قلقه حيال خصوصية محادثاته معها، إذ لا يسمح له بالتحدث معها سوى عبر الهاتف أو الفيديو قبيل جلسة استماع الأول من مارس (آذار).
القراصنة يستهدفون الحكومة
ومن الميادين وساحات الاحتجاج إلى الفضاء الإلكتروني، استهدف قراصنة مواقع الحكومة البورمية في إطار الاحتجاجات على انقلاب الجيش الذي كثف بدوره الضغط على المعارضة، عبر حجب خدمة الإنترنت ونشر الجنود في أنحاء البلاد.
وعطلت مجموعة أطلقت على نفسها "قراصنة بورما" مواقع على الإنترنت بما فيها موقع المصرف المركزي والصفحة الدعائية التابعة للجيش البورمي وشبكة "إم آر تي في" الرسمية للبث وسلطة الموانئ وهيئة الغذاء والدواء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأفادت المجموعة على صفحتها في "فيسبوك"، "نقاتل من أجل العدالة في ميانمار... الأمر أشبه بتظاهرة شعبية حاشدة أمام المواقع الإلكترونية التابعة للحكومة".
ورأى خبير الأمن الإلكتروني مات وارن من جامعة "آر إم آي تي" أن الهدف على الأرجح هو "لفت الأنظار إلى الحراك".
وقال، في حديثه إلى وكالة الصحافة الفرنسية، إن "نوع الهجمات التي يقومون بها هو الحرمان من الوصول إلى الخدمة أو تشويه المواقع الإلكترونية في إطار ما يطلق عليه القرصنة الحقوقية". مضيفاً "سيكون تأثيره محدوداً في النهاية، لكن ما يقومون به هو التوعية".
وفرضت السلطات قيوداً شديدة على القدرة إلى الوصول إلى الإنترنت لليلة الرابعة، وفق ما أفادت مجموعة "نتبلوكس" البريطانية لمراقبة انقطاع الإنترنت في العالم، وذلك حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل الخميس بالتوقيت المحلي (18,30 ت غ الأربعاء).
وأشارت المجموعة إلى أن الاتصال عبر الإنترنت تراجع إلى 21 في المئة فقط من المستويات المعتادة، وأعيد بعد ثماني ساعات قبيل موعد بدء يوم العمل في ميانمار.
وأفادت "نتبلوكس" على "تويتر" أن "الممارسة مضرة بالنسبة للسلامة العامة، وتثير الإرباك والخوف والمعاناة في فترة صعبة".
دعوة دولة لعودة الديمقراطية
في هذا الوقت قالت وزارة الخارجية الأميركية إن كبار الدبلوماسيين في الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا دعوا الخميس إلى عودة "عاجلة" للديمقراطية في ميانمار خلال محادثات رباعية.
وقال المتحدث نيد برايس إن وزير الخارجية أنطوني بلينكن ناقش في محادثاته المشتركة الأولى مع ما يسمى الرباعية الدولية "الحاجة الملحة لاستعادة الحكومة المنتخبة ديموقراطيا في ميانمار وأولوية تعزيز مقاومة الديموقراطية في المنطقة الأوسع".
عقوبات بريطانية
من جهتها أعلنت بريطانيا الخميس فرض عقوبات على ثلاثة جنرالات على خلفية "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان" بعد الانقلاب الذي وقع في ميانمار مطلع شباط (فبراير)، واتخاذ تدابير لمنع تعامل الشركات البريطانية مع الجيش.
والتدابير التي تبنّتها كندا أيضا، تستهدف وزير الدفاع ميا تون وو ووزير الداخلية سو هتوت ونائبه تان هلينغ. وجمّدت أصول الجنرالات الثلاثة في بريطانيا وأصبحوا ممنوعين في الإقامة على أراضيها، وفق ما أفادت وزارة الخارجية في بيان.