Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن
0 seconds of 25 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
00:25
00:25
 

في ذكرى رحيله الرابعة... آخر أيام "التصافي" بين عبد الرحمن الأبنودي و"الضيف الكريم"

كتب الشعر حتى على ورق الجرائد... وأحس بقرب نهايته بعد عيد ميلاده ‏السابع والسبعين... وهرب برئتيه وقصائده إلى هواء الإسماعيلية

تساءل شاعر العاميّة المصريّة عبد الرحمن الأبنودي بصوت عليّ الحجار وموسيقى ‏عمار الشريعي "هي البطولة تعيّش اسمك ولّا البطولة إنك تعيش؟". ‏مفتاح الحكاية من هنا، حيث أمسك الأبنودي حرفيّاً بجوهر ارتباك القلب وتوتر ‏العقل، أطلق السؤال على الجمهور، في حين أنه قد حسم الإجابة ‏والقرار قبلها بسنوات طويلة، فقد اختار أن "يعيّش اسمه" منذ بداية ‏انتشار أعماله في منتصف ستينيات القرن الماضي وحتى قبلها. علم السر وصاغه في عبارات ننتفض لدى سماعها، فقد حقق "الخال"‏ـ كما يلقبه محبوه- البطولة الكبرى، حتى أن يوم 21 أبريل (نيسان) 2015 هو ‏فقط موعد مغادرة الجسد، وها هي الذكرى تأتي عاما بعد عام والأبنودي ‏لم يرتحل خطوة واحدة، طاغيا كما اعتاد في حضوره، يسطو بأشعاره ‏على الروح، حيث الأثر غير الزائل أبدا.‏

الرفيق المخلص لعبد الرحمن الأبنودي يروي سيرته

في سنواته الأخيرة، كان المقربون من الشاعر الكبير، الذي فارق الحياة بعد ‏أيام من بلوغه السابعة والسبعين، يعرفون أهمية "محمود" ‏بالنسبة إليه. البعض كان يسميه محمود الأبنودي لقربه الشديد من ‏الراحل، حيث ظلّ ملازما له منذ عام 1986، وظل مستودعا لأسراره طيلة ‏‏29 عاما. يحفظ مواعيد الدواء، يذكّره بالمناسبات المهمة، يطهو له ‏طعامه المفضّل، ويشرف على تنفيذ نصائح الأطباء التي كان يهرب منها ‏"الخال"، ويحفظ بالطبع طقوسه في الكتابة. وعن الأخيرة يقول محمود محمد ‏مصطفى، في تصريحات خاصة لـ(اندبندنت عربية) "كان يكتب في أي ‏مكان، وأي لحظة، فحينما يحضر الشعر لا شيء يوقفه، أعرف كيف ‏أتعامل معه وقتها، حتى أنني كنت أسير على أطراف أصابعي كي لا ‏يشعر بوجودي ويستمر في الكتابة، يكتب في الشُرفة أو في المطبخ أو في ‏غرفته، لا يوجد طقس محدد، هو بالطبع كان يفضّل تبييض قصائده على ‏ورق مسطر، ولكن لحظة الكتابة الأولى كانت على أي شيء، ‏وعادة كان يكتب أول مرة على جريدة يقرأها في يده، فقد علمني أن ‏الشعر ضيف خفيف يجب أن نكرمه لأنه يرحل سريعا، مثل النسمة ‏الصافية تأتي ولا يعطلها شيء ويجب أن نهتم بها، والأبنودي كان بستانا ‏مليئا بكل الزهور الجميلة والأغاني التي لا تفارقنا".‏

يبدو كلام "محمود" وكأنه كلام شاعر يخجل أن يعلن عن نفسه، يستخدم ‏تعبيرات وأوصافا واستعارات تليق بالفعل برفيق أحد أبرز وأهم شعراء ‏العاميّة المصرية في النصف قرن الأخير. يعلّق محمود على هذه ‏النقطة "أنا بالفعل أكتب، فلديّ خواطر كثيرة، ولكنني أحتفظ بها لنفسي".‏

منزل آية ونور

محمود رفيق الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي لا يزال يعيش في نفس ‏المنزل، بقرية الضُبيعة الشرقية الواقعة بمحافظة الإسماعيلية شرقي ‏مصر، وهو منزل "آية ونور"، حيث أسماه الأبنودي ‏على اسم ابنتيه الشابتين من زوجته المذيعة التلفزيونية نهال كمال. يهتمّ محمود بصيانة الذكريات الأخيرة لـ"الخال"، كما يهتم ‏بالحديقة وأشجار المانجو التي لم يحرم منها الشاعر الراحل أي شخص ‏كان يأتيه للزيارة ، ويدعو كل من يتصل به ليطمئن عليه أن يجد أقرب ‏فرصة ويذهب إليه ليتذوفها. يقول إنه كان مع الشاعر الكبير بالطبع حينما ‏شرع في بناء البيت في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، حيث استغرق ‏بناؤه وتجهيزه خمس أو ست سنوات تقريبا، وكان يتردد عليه من وقت ‏إلى آخر، ولكنه أقام فيه بشكل كامل منذ عام 2005، حينما نصحه الأطباء ‏بالعيش في مكان نقي وأن يبتعد عن هواء القاهرة، وكان محمود محمد ‏مصطفى هو الرفيق الوحيد الذي لا يتغير معه في هذا المنزل، لمدة عشر ‏سنوات كاملة قبيل الرحيل، وبالطبع كان معه كمساعد أمين فيما قبلها، ‏يواصل الرفيق المخلص "ما بيننا كان محبة خالصة، كان هو عائلتي، ‏نتفق ونختلف وهناك شدّ وجذب ولكنه معلمي الأول، علمني كل شيء ‏حتى الطبخ، فكنت أطهو له ما يحب من طواجن وأسماك ولحوم"، يحكي ‏محمود كيف كان يتصرف الأبنودي حينما يغضب منه، يقول "كان ‏يصالحني بطريقة مختلفة أيضا، وهي أن يطلب مني أن أصنع له كوبا من ‏الشاي، وقتها أعلم أننا قد تصافينا".‏

الأبنودي الذي عاني من مشكلات كثيرة في رئتيه بسبب الإفراط في ‏التدخين، عاش سنواته الأخيرة برئتين تعملان بنسبة عشرة في المئة ‏فقط، وكان يصف الوضع ساخرا من مرضه بأنه بات ‏يتنفس عن طريق الخياشيم مثل السمك، رغم ذلك كان صوته يمتلئ ‏بالحماس والمرح. وعلى الرغم من الأزمات المتعاقبة، يأتي صوته قويا ‏وممتلئا بالحياة، ويستقبل في منزله كل الأحبة، حيث شهد المنزل كتابة ‏أعمال كثيرة مهمة، بينها أغنيات مسلسلي "الرحايا" و"شيخ العرب همّام"، ‏وشهد استقبال كثير من المشاهير أصدقاء الشاعر الكبير الراحل، بينهم المطربين علي الحجار ومحمد منير، والراحلين نور الشريف وعمار ‏الشريعي، وغيرهم.‏

لم يحب عبد الرحمن الأبنودي، الذي حصل على جائزة الدولة ‏التقديرية عام 2001 كأول شاعر عامية ينالها، أن يلقي شعره على ‏الأصدقاء والمقربين في المنزل، كان يحب أن يقوله بالأمسيات ليراه في ‏عيون الناس، بحسب ما يؤكد محمود، حيث كان يقول له الراحل دوما إن ‏المثقفين والمقربين قد يجاملون الشاعر، ولكنه يفضل أن يشاهد بنفسه ردّ ‏فعل الناس العاديين.‏

الأبنودي في عيد ميلاده الـ77: أعرف أنه الأخير

الراحل كان لا يبخل على أسرته بأن يحتفل بعيد ميلاده معهم رغم أن مرور ‏عام من العمر لم يكن أمرا سعيدا بالنسبة إليه، لكنه اعتاد على الطقس. ‏وعن عيد ميلاده الأخير الذي سبق الوفاة بعشرة أيام، يقول محمود مساعد ‏الراحل وهو يغالب دموعه "قال لي إنه يعلم أن هذا هو عيد ميلاده ‏الأخير، وأنه يعلم أن نهايته اقتربت، وأوصاني أن أغسّله بنفسي، وبعد هذا الحوار بأيام قلية تدهورت صحته وذهب إلى المستشفى لآخر مرة بالفعل وكانت النهاية هناك، ‏والحقيقة أنه جاء لي في المنام قبيل وفاته بساعات، فأنا كنت لا أحب أن ‏أزوره كثيرا في مستشفى الجلاء العسكري بالقاهرة لأنني لا أقوى على ‏مشاهدته في سرير المرض، وكنت أفضل أيضا أن أطمئن عليه عن طريق ‏زوجته السيدة نيهال يوميا في العاشرة صباحا، ولكن في تلك الليلة رأيته ‏بالمنام وجاء ليطلب مني أن أساعده في تغيير ملابسه وشعرت أن هناك ‏شيئا غريبا في الرؤية وتفاصيلها، فصحوت سريعا واتصلت بالسيدة نهال ‏كمال في السابعة على غير العادة، وبعد أن أغلقت الهاتف، اتصلت بي ‏سريعا وطلبت مني أن أحضر فورا، فذهبت ومع دخولي غرفته بالرعاية ‏المركزة كان يلفظ أنفاسه الأخيرة وكأنه كان ينتظرني ليلقى ربه، فما بيننا كان ‏كبيرا جدا".‏

الزيارات المتبادلة لم تنقطع رغم الرحيل!‏

محمود مسقط رأسه بالأساس في قرية الصفّ بالجيزة، ولكنه اختار حياته ‏إلى جوار الأبنودي، ولا يزال يعيش بالمكان مع أسرته وابنيه الشابين، ‏يروي أن الأبنودي لا يزال يزوره بمنامه وخصوصا حينما يمر بضائقة ‏أو يصاب بوعكة صحية، وكأنه يريد أن يطمئن عليه، فيما هو لا يتوقف ‏عن زيارة مقبرته التي بناها قبيل الوفاة بسنوات على بعد قليل من منزله ‏بالإسماعلية، وتحديدا في منقطة جبل مريم، وقد أشرف على بنائها مع رفيق مخلص آخر هو السيد عبده محمود الذي أسهم في بناء المنزل المفضل للراحل كذلك، وأعد مقبرته لتكون لها قبة ‏وباب واحد على شاكلة المقابر في قريته بقرية أبنود بمحافظة قنا ‏جنوبي مصر، حيث ولد هناك في 11 من أبريل (نيسان) عام 1938، لأب يعمل ‏مأذونا شرعيا، وأم هي السيدة فاطمة قنديل التي يدين لها الأبنودي بكل ما تعلمه، ‏وتربى الصبي على أشعار السيرة الهلالية التي خلّدها على طريقته.

 ‏كما أسهم بكلماته في صنع بصمات بتاريخ كبار نجوم الغناء، بينهم عبد ‏الحليم حافظ وشادية ونجاة ومحمد رشدي وصباح ومحمد مينر وعلي الحجار ‏وماجدة الرومي، ومروان خوري، بالإضافة إلى عشرات الأغنيات قدم ‏أكثر من عشرين ديوانا شعريا، فيما لا تزال سيرته عامرة بالشعر ‏وعطرة بالمحبة، وخالدة بموهبة جاءت يقينا من "ملح الأرض".‏

المزيد من ثقافة