بات الإنترنت يشكل خطراً كبيراً على الأطفال في تونس، ويهدد تربيتهم ويؤثر على سلوكياتهم وصحتهم البدنية والنفسية والعقلية، بسبب تعرضهم للعنف و التحرش الجنسي والتطرف الديني، ما جعل الجهات الرسمية تبحث عن طريقة اتصالية لوقاية هذه الفئة العمرية الهشة.
وفي هذا السياق، أطلقت وزارة المرأة والأسرة وكبار السن في تونس، حملة توعوية لحماية الأطفال من العنف عبر شبكات التواصل، تحت شعار "لنتعاون من أجل القضاء على العنف عبر الإنترنت".
ويقول المدير العام للطفولة في الوزارة شكري معتوق في حديث خاص إن" هذه الحملة تهدف إلى نشر الوعي لدى الأولياء لحماية أطفالهم من مخاطر الإنترنت، ومن سوء استعمال وسائل الاتصال الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي وتوعيتهم بمخاطر سوء استخدامها".
رسائل موجهة
ويفيد معتوق بأن" الحملة اعتمدت على جملة من الومضات التوعوية والجمل التثقيفية احتوت على رسائل موجهة إلى الأطفال والمراهقين والأولياء تهدف جميعها إلى حمايتهم من شتى أنواع العنف والاستغلال الجنسي والتطرف" ، مضيفاً" تحذر الحملة من خطورة استعمال وسائل الاتصال الحديثة من دون مراقبة ومرافقة الأبناء وكسب ثقتهم عبر الحوار والتواصل اليومي معهم والإصغاء إليهم وإلى مشاكلهم".
وتأتي هذه الحملة في إطار إيفاء تونس بتعهداتها على إثر مصادقتها على اتفاقية "لانزاروت" لحماية الأطفال من كافة أشكال الاستغلال والاعتداءات الجنسية.
وتونس أول دولة انضمت إلى هذه الاتفاقية من خارج دول مجلس أوروبا في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
وبحسب إحصاءات رسمية، تتصدر شبكات التواصل الاجتماعي في تونس 89 في المئة من اهتمامات التونسيين، أكثر من 12 في المئة من مستخدمي الإنترنت بين 13 و17 سنة.
ويضم الموقع الاجتماعي الأول في تونس "فيسبوك" أكثر من 7 ملايين حساب، أما "أنستغرام" فيضم أكثر من مليون حساب لأطفال.
ويرى مدير عام الطفولة شكري معتوق أن" آخر تقرير لنشاط مندوبي حماية الطفولة أظهر أن عدد الإشعارات ناهز 18 ألف إشعاراً من بينها 83 في المئة حالات عنف مسلط على الأطفال، منها 11 في المئة تعلقت باعتداءات جنسية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، وضعت الوزارة الخط الأخضر المجاني 1809 في متناول الأطفال والأولياء لمرافقتهم من الناحية النفسية في الوضعيات الصعبة وتوجيههم عند الضرورة إلى عيادات الطب النفسي أو أطباء عموم مندوبي حماية الطفولة.
والملاحظ بحسب معتوق أنه "سُجلت 32 ألف مكالمة خلال الفترة الممتدة بين شهري مارس (آذار) 2020 و يناير (كانون الثاني) من العام الجاري، موضحاً أن 93.95 في المئة من الاتصالات تعلقت بالأطفال ونحو ثلثها ارتبطت بحالات عنف مسلط عليهم، ومشاكل إدمان على اللعب الإلكترونية والإنترنت الذي نتج منه اضطرابات نفسية أبرزها اضطرابات في السلوك بخاصة لدى المراهقين".
مرآة المجتمع
من جانبه، يعتقد دكتور علم الاجتماع سامي أنه" يجب التعامل مع الإنترنت كمرآة للمجتمع ولا يمكن إلغاؤه أو التفكير في محاولة إصلاح محتواه، بل يجب التوجه نحو إصلاح ممارسات و قيم المجتمع".
ويضيف" فشبكات التواصل الاجتماعي هي نسخة من المجتمع الذي نعيش فيه، تحتوي كل أنواع البشر ونجد فيها كل التصرفات والممارسات الحسنة منها والسيئة".
و يوضح نصر" نعيش اليوم عبر الاتصال و التواصل"، مفسراً أن "الاتصال هو التعامل عن بعد، أما التواصل فهو التعامل المباشر، للأسف أصبحنا اليوم نعتمد على الاتصال وليس التواصل حتى داخل أفراد العائلة الواحدة".
من جهة أخرى، يعتقد نصر أن" الإنترنت أفرز الأزمة التي نعيشها وهي القطيعة داخل العائلة، وكحل لهذه الأزمة يرى أن" الأطفال والشباب يحتاجون لمؤسسات القرب المتمثلة في العائلة و النوادي ودور الشباب والكشافة، لكن للأسف كل هذه المؤسسات فقدت بريقها وأصبحت عاجزة عن استقطاب الأطفال، ما فتح المجال للبحث عن مؤسسات قرب بديلة لهم، تمثلت في المؤسسات الافتراضية التي تستقطب هذه الفئة العمرية عبر الألعاب والمحادثات بشتى أنواعها سواء الجنسية أو استقبال من قبل شبكات متطرفة".
فخ العالم الافتراضي
ويضيف الدكتور نصر "سقط أطفالنا في فخ هذا العالم الافتراضي بالتالي من الضروري حسن إدارة هذه الأزمة"
ويفسر نصر ما يعيشه الأطفال اليوم من سوء استغلال الإنترنت" بحسب علم الاجتماع يستحيل على الجيل الذي قام بثورة أن يجني ثمارها" مضيفاً أن "الأجيال المقبلة هي من ستجني ثمار هذه الثورة، في حين أن جيل اليوم يجني الأزمات المختلفة منها الاقتصادية والاجتماعية وأهمها أزمة القيم والأخلاق".
ويواصل في السياق ذاته،" طبيعي جداً ما نعيشه اليوم من أزمة قيم، لكن غير الطبيعي أن هذه الأزمة تدوم طويلاً أو الاستثمار في هذه الأزمة التي أصبحت تراهن عليها وسائل الإعلام في تونس من أجل استقطاب أكبر عدد ممكن من المتقبلين ".
ويتابع" الإنترنت فرصة مهمة تم سوء استغلالها، بالتالي المسؤولية الأولى تعود إلى العائلة، تليها مؤسسات القرب التي تحدثنا عنها سابقاً".