أثار تحذير رئيس الشاباك السابق يوفال ديسكن من خطر قدرة إسرائيل على الاستمرار بعد 25 عاماً كدولة مستقلة قائمة بحد ذاتها، نقاشاً إسرائيلياً داخلياً، حيث يطلق هذا التحذير، للمرة الأولى من قِبل مسؤول أمني طالما حذر كغيره من العسكريين والسياسيين من الخطر المحدق بإسرائيل، الذي يهدد وجودها.
تحذير ديسكن جاء في ذروة الشرخ الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه إسرائيل، الذي سيكون من الصعب على أي كتلة مع نتنياهو أو ضده، تشكيل حكومة بعد الانتخابات التي ستُجرى بعد نحو شهر، لتعود إسرائيل إلى المربع الأول في أزمتها السياسية، وفق ما تشير استطلاعات الرأي الأخيرة.
إلى جانب هذا يتعاظم تأثير المتشددين دينياً على السياسة الإسرائيلية، بل فرض قادتهم قواعد لعبة جديدة على السياسة التي يقودها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وحتى على الحملة الانتخابية له، ما يعكس حالة من الفوضى الاجتماعية والسياسية أيضاً.
أما الشرخ الاجتماعي فيتعاظم بين شرائح مختلفة في المجتمع الإسرائيلي، وفي هذا الجانب يرى ديسكن "أن الانشقاق داخل المجتمع الإسرائيلي يتعمق سواء بين اليمين واليسار، الذي أصبح مركزياً أكثر من الشرخ بين اليهود والعرب (فلسطينيي 48)، أو في انعدام الثقة بمؤسسات الحكم المركزية والفساد المستفحل في أجهزة الحكم المحلية والقطرية، في مقابل تدهور خطير لما سماه ديسكن "التضامن الاجتماعي".
حديث ديسكن جاء في وقت أظهر بحث أجرته الجامعة العبرية، عمق الكراهية والشرخ الاجتماعي في المجتمع الإسرائيلي. حيث يؤيد نحو نصف أبناء الشبيبة المتدينة حرمان فلسطينيي 48 من حق الانتخاب. ومستوى الكراهية في أوساط اليهود الأصوليين للعرب هي الأعلى التي سجلت من بين المجموعات الاجتماعية المختلفة. وأوضح البحث أن نحو نصف أبناء الشبيبة العرب لهم مواقف نمطية سلبية من اليهود المتشددين دينياً، في حين أن العلمانيين يشيرون بشكل أساس إلى تعاطف منخفض مع المجموعات الأخرى. كما أظهر البحث فوارق واختلافات مهمة في مظاهر الخوف، والاشمئزاز أو تجاهل المجموعات المختلفة الواحدة للأخرى.
تحولات عديدة تغير جوهر إسرائيل كدولة
في تطرقه لمستقبل إسرائيل تحدث ديسكن بصراحة غير مسبوقة، عن قدرة الدولة على إدارة الحكم في كثير من المناطق السكنية قائلاً، "إسرائيل غير قادرة على حكم مناطق كثيرة تحت سيادتها في النقب، والجليل، والقدس والأخطر منها في مدينة بني براك" (مدينة يسكنها يهود متشددون دينياً، حريديم).
وفي حين تنشغل إسرائيل بمختلف مؤسساتها السياسية والأمنية والعسكرية والاستخباراتية، في مدى خطورة النووي الإيراني على إسرائيل ووجودها، فاجأ ديسكن متخذي القرارات في الشأن الإيراني بقوله، "حديثي حول عدم قدرة إسرائيل على الوجود كدولة بعد جيل واحد غير متعلق بالتهديد النووي الإيراني، أو صواريخ "حزب الله" أو الإسلام السلفي المتطرف. بل إنني أتحدث عن التحولات الديمغرافية، الاجتماعية والاقتصادية التي باتت تغير جوهر الدولة ومن شأنها تشكيل خطر على وجودها بعد جيل واحد".
استعراض سياسي رخيص
في استعراضه للأسباب التي يراها ديسكن سبباً لانهيار إسرائيل وعدم القدرة على التواجد، تطرق إلى الوضع السياسي الذي تشهده في أعقاب ثلاث حكومات تشكلت دون القدرة على الاستمرار وإجراء انتخابات رابعة في غضون سنتين. ووصف ما تشهده السياسة الإسرائيلية في هذه الفترة بـ"الاستعراض السياسي الرخيص". وفي رأيه، فإن هذا الوضع يأتي على حساب الجهود التي كان يتوجب على إسرائيل بذلها في مواجهة التحديات المحدقة بها "يأتي هذا (الاستعراض السياسي الرخيص)، بدل مواجهة القضايا الإستراتيجية – الوجودية، التي جسدت أزمة كورونا مدى حدتها. حيث باتت تل أبيب تفتقد التعاضد الاجتماعي، والمناعة الاقتصادية والقوة العسكرية والأمنية، وبذلك لن تضمن استمرار وجودها بعد جيل واحد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العرب واليهود المتشددون نصف السكان
على مدار سنوات طويلة سعت إسرائيل إلى ضمان خريطة ديمغرافية يكون فيها اليهود أكثرية مطلقة والعرب أقلية شبه غير موجودة. ولتنفيذ ذلك نفذت مشاريع استيطانية واسعة وعديد من الخطط التي تحرم فلسطينيي 48 من أدنى حقوقهم، وسلبت منهم مساحات شاسعة من الأرض ومنعتهم من البناء إلى جانب خطة ترانسفير تدفع بغالبيتهم العظمى إلى ترك البلاد، لكن المعطيات الرسمية في إسرائيل تشير إلى عدم النجاح في تحقيق هدف هذه الخطط.
وفي تطرقه إلى هذا الجانب أشار ديسكن إلى خطر المعطيات التي نشرتها دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية التي وفق ديسكن "تشير إلى حتمية تغييرات جوهرية في الخريطة الديمغرافية بحيث سيكون نصف سكان إسرائيل بعد 40 عاماً من اليهود المتشددين وفلسطينيي 48". وتساءل ديسكن، ما المشترك بين اليهود المتشددين دينياً والعرب؟ ولماذا سيرسم مستقبلهما صورة الدولة ويؤثر في قدرتها على الوجود بعد جيل واحد؟"
ورد بالقول، "على مدار السنوات استمرت حكومات إسرائيل المختلفة في إهمال هاتين الشريحتين، حيث لا يتم دمج كليهما بما فيه الكفاية، قياساً بحجمهما في اقتصاد الدولة، ونتيجة لذلك بات مستوى الدخل متدن في مقابل توجهات معادية من قبلهما للصهيونية، ومع مرور الوقت فقدت إسرائيل قدرتها على السيطرة والحكم عليهما".
واكتفى ديسكن لدعم موقفه، هذا، بالنسبة إلى اليهود المتشددين دينياً، بما تشهده إسرائيل من تصرفات من قبلهم منذ انتشار فيروس كورونا، حيث لا يلتزم قادتهم وكافة الجمهور القيود التي تفرضها الحكومة ووزارة الصحة ويتمردون على القرارات. وبحسب مختلف المعطيات التي نشرت فإن هذه الشريحة اليهودية المتشددة دينياً هي سبب مركزي في انتشار الفيروس وارتفاع نسبة الإصابة، بالتالي دخلت إسرائيل برمتها إلى إغلاق شامل ثلاث مرات.
اما بالنسبة إلى فلسطينيي 48 فقد دعم ديسكن موقفه في الحديث عن فوضى السلاح، الذي تعيشه البلدات العربية وتغلغل المنظمات الإجرامية ونشر سلاحها، فقد تجاوز عدد السلاح غير المرخص بين نحو مليون و800 ألف مواطن في المجتمع الفلسطيني، في إسرائيل 420 ألف قطعة سلاح 80 في المئة منها مصدرها من الجيش الإسرائيلي، بالتالي فإن هذه النسبة هي الأعلى في جميع دول الشرق الأوسط، من حيث نسبة السكان. وبموجبها فإن كل بيت خامس في المجتمع الفلسطيني فيه سلاح غير مرخص وخلال الشهر الأول من هذه السنة (الشهر الماضي) وصلت نسبة القتلى جراء إطلاق الرصاص قتيل كل يومين، ومعظمهم قتلوا عن طريق الخطأ برصاصات طائشة خلال تصفية حسابات بين عصابات الإجرام. وفي رأي ديسكن يشكل الفراغ السلطوي سبباً مركزياً في هذا الوضع.
الهجرة ستكون خيار بقية المجموعات السكنية
وفي كيفية توصله إلى استنتاج وضعية إسرائيل بعد 25 عاماً، تطرق ديسكن إلى وضعية المجموعات الأخرى في المجتمع، قائلاً، "عدا هاتين المجموعتين (الحريديم والعرب) هناك مجموعات متعددة الهويات، علمانيون، ومتدينون قوميون، وتقليديون، وشرقيون، وأشكناز". وبين هؤلاء هناك نسبة عالية من الطبقة الوسطى ونسبة لا بأس بها من الأثرياء ومن سماهم "المستضعفين تاريخياً، الذين سيواجهون صعوبة في تحمل العبء نتيجة عدم مشاركة اليهود المتشددين دينياً والعرب في الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي".
وإزاء وضع كهذا اعتبر ديسكين، أنه من المستحيل "أن تتحمل هذه الشرائح الوضع القائم وعدم قدرتها على الصمود من النواحي الاقتصادية، والاجتماعية وحتى الأمنية، وسيدفع بمعظمهم إلى الهجرة والعيش في أماكن أخرى في العالم وليس في دولة، حيث بات تقاسم العبء فيها اليوم غير متساو"، وفق ديسكن، الذي دعا إلى خطوات فورية لاستدراك الوضع "ودون ذلك ربما نفقد دولتنا بعد جيل واحد من اليوم".