تعتمد خطة الاتحاد الأوروبي للتعافي على "الأداة الأوروبية المؤقتة" البالغة قيمتها 750 مليار يورو خلال الفترة الممتدة بين عامي 2021 و2023، وعلى 1.1 تريليون يورو تشكل ميزانية الاتحاد الأوروبي 2021-2027. وتُعد هذه الأموال استجابة الاتحاد الأوروبي للتخفيف من الآثار الاجتماعية والاقتصادية لأزمة فيروس كورونا. وورد في تقرير بحثي للبرلمان الأوروبي حمل عنوان "عشر قضايا تحتاج لمراقبتها في عام 2021" نشره موقع "يورو بارل"، أن عام 2021 سيكون حاسماً لإطلاق خطة التعافي الأوروبية، فمن المُفترض أن تساعد الأموال الضخمة على إصلاح الضرر الاقتصادي والاجتماعي الناجم من الجائحة وأيضاً في توجيه الانتقال نحو أوروبا أكثر حداثة واستدامة.
ولكن هل تكفي هذه الأموال لإنقاذ الكتلة الأوروبية المُتعثرة التي تعيش موجة إغلاق ثانية مع تفشي فيروس كورونا مجدداً، في وقت تصارع فيه الشركات من أجل البقاء على قيد الحياة ويخسر عشرات الآلاف وظائفهم، فيما تهدد سلالات جديدة للفيروس بتركيع كبرى الاقتصادات الأوروبية؟
استجابة غير عادية لوضع غير مسبوق
بتمويل من ميزانية الاتحاد، تُعد حزمة "الجيل المقبل للاتحاد الأوروبي" (أن جي إي يو)، الأكبر والأكثر ابتكاراً، وهي أداة اقترحتها بروكسل لإصلاح اقتصاد الاتحاد، ليس فقط بسبب حجم الدعم المالي، ولكن أيضاً بسبب طريقة تمويله والرابط الذي ينشئه بين إجراءات التعافي وأهداف الاتحاد الأوروبي وقيَمه. وهذه الحزمة هي الأكبر، إذ تبلغ نحو خمسة أضعاف الميزانية السنوية للاتحاد الأوروبي. وتوفر دعماً مالياً للدول الأعضاء في شكل منَح بقيمة 390 مليار يورو (472.6 مليار دولار أميركي) وقروض بقيمة 360 مليار يورو (436.2 مليار دولار أميركي). وترتبط "حزمة الجيل المقبل" بميزانية الاتحاد الأوروبي البالغة 1.1 تريليون يورو (1.3 تريليون دولار) لمدة سبع سنوات، وبذلك يصل إجمالي قيمتها المالية إلى 1.8 تريليون يورو (2.1 تريليون دولار). كما سيتم دعم اقتصاد الاتحاد الأوروبي بأموال إضافية، بنسبة 60 في المئة خلال فترة السنوات السبع المالية المقبلة (2021-2027) مقارنةً مع (2014-2020). ويجعل ذلك من خطة الاتحاد الأوروبي للإنعاش استجابةً غير عادية لوضع غير مسبوق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ارتباط الميزانية بقيم الاتحاد
ويذكر تقرير البرلمان الأوروبي أن أداة الإنعاش الأوروبية الطموحة تهدف إلى أن تكون أبعد من كونها مجرد خطة إغاثة للدول الأعضاء التي تضررت من الجائحة، فهي مصممة على أن يقف اقتصاد الاتحاد على قدميه مجدداً من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية وتنفيذ الإصلاحات، مع بناء بيئة أكثر اخضراراً وأكثر رقمية. وربطت أداة الإنعاش الأوروبية بين الدعم المالي والتقدم المُحرَز في تحقيق الأهداف التي حددها الاتحاد للسنوات المقبلة كشرط لتلقي الدعم المالي، فيجب على الدول الأعضاء الباحثة عن الدعم المالي تقديم طلب للحصول على الدعم مع إبراز خططها للتعافي، والتعريف بجهودها المناخية وخططها في التحول نحو الرقمنة. ونظراً إلى الميزانية طويلة الأجل، على النحو المُتفق عليه مع البرلمان الأوروبي، سنجد أنه على الأقل 30 في المئة من الإنفاق سيتجه نحو مكافحة تغير المناخ، بالإضافة إلى ذلك فإن 10 في المئة من الإنفاق السنوي من الميزانية الأوروبية ستذهب إلى نشاطات التنوع البيولوجي. علاوةً على ذلك، فإن الآلية الجديدة تولي أهمية بالغة لسيادة القانون، بمعنى أن التمويل من ميزانية الاتحاد الأوروبي مرتبط الآن أيضاً باحترام الدول الأعضاء لـلقيم الأساسية للاتحاد الأوروبي (المادة 2 من معاهدة الاتحاد الأوروبي)، بالتالي حماية ميزانية الاتحاد في حالة وجود أوجه قصور.
إطلاق اقتصادات الاتحاد الأوروبي
ويُتوقَع أن تعيد خطة الانتعاش إطلاق اقتصادات الاتحاد الأوروبي المنهكة بسبب تداعيات أزمة كورونا، بينما تضع الأسس لما هو أفضل لمستقبلها. ويَتوقع مواطنو الاتحاد نتائج ملحوظة أيضاً. ويشير تقرير البرلمان الأوروبي إلى أن الطريقة المبتكرة التي وُضعت من خلالها خطة التعافي قد تُغير أيضاً أسس تمويل سياسات الاتحاد وميزانيته، في حال وُجدت إرادة سياسية للقيام بذلك.
وتُقدر المفوضية الأوروبية أن الجيل الثاني للاتحاد الأوروبي أو ما يعرف بـ "أن جي إي يو"، يُمكن أن يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد بنسبة 2 في المئة في المتوسط، وخلق ما يصل إلى مليوني وظيفة إضافية بحلول عام 2024. وبالنسبة إلى البعض، يمكن للدول الأعضاء في "أن جي إي يو" الإسهام بنسبة تصل إلى 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وجاء في تقرير البرلمان الأوروبي، أن التحدي يكمن في استيعاب هذه الأموال وتحقيق الإمكانات الكاملة التي يمكن أن تقدمها الخطة لدعم الانتعاش وهي فرصة لا ينبغي تفويتها. وأضاف التقرير أنه إذا ما تم تنفيذ خطة التعافي بنجاح، فقد تصبح طريقةً جديدة لتمويل سياسات الاتحاد الأوروبي ومرفقاً دائماً لمساعدته في مواجهة أي أزمة عميقة أخرى محتملة. ومع ذلك، من أجل أن يصبح هذا النهج هو الطريقة الجديدة للرد على الأزمات، سيكون النقاش ضرورياً، إذ لا تزال هناك وجهات نظر أوروبية متباينة.