بعد أن أعلن عن الوفاة الأولى المثبتة بكوفيد-19 في 29 فبراير (شباط) 2020 في منطقة سياتل، تجاوزت الولايات المتحدة، الاثنين 22 فبراير، العتبة الرمزية لـ500 ألف وفاة بالوباء.
والسؤال، لماذا سجلت أكبر قوة في العالم مثل هذه الحصيلة العالية من الوفيات بالمرض؟ وماذا استخلص الأخصائيون الأميركيون من هذه السنة الأولى من الوباء؟
"غير المنظم"
يقول الطبيب جوزف ماسي الذي حارب كل الأوبئة منذ الـ"إيدز"، وهو اليوم أحد المسؤولين في مستشفى "المهرست" في كوينز، حيث يعالج عدداً كبيراً من المصابين في نيويورك، إن "وباء كوفيد-19 شكل عنصر مفاجأة"، ويضيف أنه "قبل الوباء، كانت الولايات المتحدة تراقب فيروس كورونا عن بعد، وكان هناك عدد قليل جداً من حالات سارس (متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد، نوع من كورونا رصد في 2002)".
ويتابع "فجأة، وجدت الولايات المتحدة نفسها في صلب المشكلة"، مضيفاً أن "رد فعل حكومة الرئيس السابق دونالد ترمب (غير المنظم) لم يساعد في بلد مثل بلدنا مع 50 ولاية ومساحة ضخمة وشبكة مستشفيات خاصة إلى حد كبير، كان من الصعب جمع كل الآراء حول الاستراتيجية نفسها". وقال إن واقع "تنافس المستشفيات للحصول على معدات الوقاية لم يكن له أي معنى. كان يجب جعل المسألة مركزية بشكل سريع جداً، ولم يقوموا بذلك".
"مسألة سياسية"
ويرى، كما ترى الطبيبة ميشيل هالبرن، المتخصصة بالأمراض المعدية في مستشفى، في ضواحي نيويورك، حيث انتشر الوباء بقوة اعتباراً من فبراير 2020، أن أحد الأخطاء كان السماح بأن يصبح وضع الكمامات "مسألة سياسية". ومع تقلباتها وتشكيكها بالفيروس والإجراءات الوقائية، واجهت إدارة ترمب للأزمة الصحية انتقادات شديدة.
وقالت هالبرن "ليس من الصعب وضع الكمامة، نحن نعتاد على ذلك، لكن يجب توصيل الرسالة إلى الناس بأنه أمر مهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورأى جوزف ماسي أن الدرس الأول هو تعلم إعادة تأهيل المستشفيات لتكون قادرة على التعامل مع تدفق مفاجئ للمرضى، وقال "نشارك في تمارين للاستعداد لكوارث، وقمنا بعديد من التدريبات، لكننا لم نقم بشيء لمحاكاة هذا الأمر. الانتقال فجأة من 12 سريراً في العناية الفائقة إلى 150 مع الموظفين والتجهيزات اللازمة".
وعلى مر الأشهر، توصلت مجموعة المستشفيات العامة، وبينها "المهرست"، إلى استراتيجيات لتوزيع العبء بين المستشفيات العامة الـ11 في نيويورك.
وتقول ميشيل هالبرن، إنه بشكل عام "يجب أن ندرك أن المستشفيات بحاجة إلى موارد، يجب الاستثمار في الأبحاث لكن أيضاً في المستشفيات ودور التقاعد، يجب أن يكون هناك عدد كافٍ من الموظفين، وأن تكون لديهم التجهيزات التي يحتاجون إليها".
حجم التفاوت
وكشف الوباء أيضاً عن حجم التفاوت في المجال الصحي في الولايات المتحدة، وخصوصاً السكن، الذي يؤثر بشكل خاص على الأقليات السوداء أو المتحدرين من دول أميركا اللاتينية، كما يؤكد ماسي، ويقول إن الاختلاط الذي تسببه المساكن الصغيرة يجعل من الصعب احترام قواعد التباعد الاجتماعي، ويجب التفكير في وسائل تكييف هذه المساكن مع أوبئة مستقبلية "لأنه ستكون هناك أوبئة أخرى".
النسخ المتحورة
وعلى الرغم من تسريع حملة التلقيح، لا تزال الشكوك تحيط بالنسخ المتحورة من الفيروس التي ظهرت في بريطانيا وجنوب أفريقيا، ما يدفع المتخصصين إلى الاستمرار في توخي الحذر. ويقول ماسي إنه من دون هذه النسخ، ومع الوصول إلى تلقيح أكثر من 70 في المئة من السكان، كان يمكن أن تكون هناك "فرص جيدة بألا نضع الكمامات" في نهاية 2021، وإذا استمر انتشارها فسيصبح "أصعب بكثير القول إننا سننتهي من الأمر" في ديسمبر (كانون الأول).
من جهتها، قالت هالبرن "آمل أن تكون اللقاحات فعالة، لكن من الصعب التأكد من أنها ستعمل على المدى الطويل أو على الطفرات الجديدة"، مضيفة "يجب الاستعداد لاستمرار هذا الأمر لفترة بعد".
نظام عالمي
وعلى المدى الطويل، يقول ماسي "يجب عدم السقوط في فخ النسيان"، وعدم التفكير بالوباء بعد انتهائه. ويضيف "من المزعج التفكير في أن كل هذه الأمور حصلت من دون سابق إنذار. يجب أن يكون لدينا فعلياً نظام عالمي لرصد العوامل المسببة للأمراض لأننا نعيش في عصر لم يعد بإمكاننا القول فيه إن هناك شيئاً ما يحدث في آسيا لن يؤثر على أميركا".