لم يرصد مسؤولو الصحة في إنجلترا أي حالة إنفلونزا موسمية خلال الأسابيع السبعة الماضية، مع وصول معدلات الإصابة بتلك الإنفلونزا إلى مستويات متدنية غير مسبوقة في ظل القيود المستمرة المستخدمة في الحد من تفشي "كوفيد- 19". ويعود الفضل في انخفاض أعداد المصابين بالإنفلونزا إلى الإجراءات التقييدية التي فرضتها السلطات البريطانية على الحياة الاجتماعية في إطار مكافحتها فيروس كورونا، إضافة إلى الإقبال المتزايد على لقاح الإنفلونزا الموسمية.
وفي كل أسبوع، ينكب علماء في هيئة "الصحة العامة في إنجلترا" Public Health England PHE على دراسة آلاف المسحات [المأخوذة من الجهاز التنفسي] وتحليلها من أجل استطلاع مدى انتشار الأمراض التنفسية المختلفة بين السكان. ومن بين الـ685 ألفاً و243 عينة استعرضت في مختبرات الهيئة منذ الأسبوع الأول من يناير (كانون الثاني)، لم يعثر حتى على حالة إيجابية واحدة للإصابة بعدوى الإنفلونزا الموسمية. ولكن، في الأسبوع المنتهي في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2020، وقعت المختبرات على حالة إنفلونزا وحيدة.
وتعليقاً على ذلك، أفادت الدكتورة فانيسا صليبا، رئيسة قسم الإنفلونزا لدى هيئة "الصحة العامة في إنجلترا"، صحيفة "اندبندنت" أنه "يرجح انخفاض حالات الإنفلونزا هذا العام إلى التغيرات التي طرأت على سلوكياتنا، كالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة وغسل اليدين وتقليص الحركة الجوية الدولية". وأضافت، "في كل عام، يتلقى أكثر من 15 مليون بريطاني وبريطانية لقاح الإنفلونزا الموسمية، حماية لأنفسهم وتجنباً لنقل العدوى إلى الآخرين. وبالنسبة إلى برنامج التحصين ضد الإنفلونزا هذا الشتاء، فإنه في طريقه لأن يصبح الأكثر نجاحاً على الإطلاق، مع تزايد استخدام اللقاحات الموسمية في أوساط العاملين في المجال الصحي، والأطفال بين عامين وثلاثة أعوام، وأفراد الفئة العمرية من 65 سنة وما فوق".
وتذكيراً، يعرف عن هيئة "الصحة العامة في إنجلترا" أنها تراقب معدلات الإنفلونزا في البلاد على مدار السنة، وتصدر بين أكتوبر (تشرين الأول) وأبريل (نيسان) تقريراً أسبوعياً يرصد نشاط ذلك الفيروس والأمراض التنفسية الأخرى، في ذروة موسم الإنفلونزا.
وفي سياق متصل، ذكرت بيانات منفصلة صادرة عن مركز البحوث والمراقبة التابع لـ"الكلية الملكية للأطباء العامين" Royal College of General Practitioners RCGP أن معدل الإصابة بأعراض شبيهة بالإنفلونزا تراوح بين 0.5 و1.3 لكل 100 ألف شخص في ديسمبر (كانون الأول)، وهذا أقل بكثير من متوسط هذه الفترة في خمس سنوات. واتصالاً بذلك، يظهر أن انتشار إجراءات التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات في أنحاء المملكة المتحدة، قد قطعا طرق الانتشار المعتادة على فيروس الإنفلونزا الذي يتأرجح مؤشر تكاثره بين 1.3 و1.5 بحسب السلالة، مقابل 2.5 و3.0 لفيروس "سارس- كوف-2 " المسبب لمرض "كوفيد- 19". واستطراداً، يعني ذلك أن الأنفلونزا الموسمية باتت أقل عدوى وأصعب انتشاراً من كورونا، ما يفسر بالتالي انحساره بين سكان المملكة المتحدة هذا الموسم.
وفي ظل تلك المعطيات، ترى كريستينا باغيل، بروفيسورة في البحوث التنفيذية لدى "كلية لندن الجامعية" University College London أن الحاجة اليوم ملحة إلى إعادة النظر في مقاربة الدولة بشأن التعامل مع الإنفلونزا الموسمية. وبحسب ما نقلته باغيل إلى "اندبندنت"، "لم تشهد أي دولة في العالم، بما فيها المملكة المتحدة، موسم إنفلونزا هذا العام. ويشتهر عن الإنفلونزا أنها أحد أسباب معاناة هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" في كل شتاء. لكن المثير للاهتمام في رأيي يتمثل في أن الوفيات السنوية بالإنفلونزا ليست أمراً محتوماً، بحسب ما يتصوره الناس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت، "لقد أثبتنا أننا لو أردنا، لتمكنا من خفض وفيات الإنفلونزا إلى الصفر. وصحيح أن أحداً منا لن يقبل بتحمل الإقفال التام وتبعاته منعاً لتفشي الإنفلونزا، لكن تساؤلات كثيرة تطرح نفسها حول إمكانية فعل أي شيء في هذا الخصوص". وفي معرض حديثها، دعت البروفيسورة باغيل إلى مواصلة إتاحة معقمات اليدين في كل المتاجر ومحاور النقل على مدى السنوات المقبلة. واعتبرت أيضاً أنه "من المفيد جداً تشجيع الناس على ارتداء الكمامة" في المواصلات العامة والبيئات المزدحمة الأخرى خلال أشهر الشتاء. ووفق كلماتها، "لا أعلم إذا كان التباعد الاجتماعي أو ارتداء الكمامة هو الذي تسبب في ]تقليص معدلات الإنفلونزا[، لكنني أعتقد أنه ينبغي بنا على الأقل خوض هذه النقاشات". وتابعت، "هناك أمر آخر، لا سيما في بريطانيا، يتجسد عادة في الذهاب إلى العمل على الرغم من الإصابة بالمرض. علينا أن نغير هذه العادة. وقد تبين لنا أنه يمكن لكثيرين أن يعملوا من بعد".
ووفق رأي البروفيسورة باغيل، "فإن إحدى النتائج غير المقصودة لـ"كوفيد"، يتمثل في أن الأنفلونزا الموسمية ليست غير قابلة للتجنب، بحسب ما كنا نتصور". وفي سياق متصل، حققت معدلات لقاح الإنفلونزا مستويات مرتفعة جديدة منذ بداية الجائحة.
وبالاستناد إلى آخر بيانات صادرة عن هيئة "الصحة العامة في إنجلترا"، فقد تلقى 80.8 في المئة من البريطانيين ممن تتجاوز أعمارهم 65 عاماً لقاح الإنفلونزا. وفي السياق نفسه، أشارت البروفيسورة باغيل إلى أن التفاوتات الصحية التي أضاء عليها "كوفيد- 19" ليست غريبة عن الإنفلونزا، ما يعني أن مقاربة مشتركة في تحسين جودة الرعاية بالنسبة إلى أكثر المجتمعات المحرومة في إنجلترا، قد تسهم في التخفيف من انتشار الإصابات بكلا المرضين.
"وفي خضم "كوفيد"، لمسنا مدى تأثير التفاوت [في الرعاية الصحية] على صحة السود والآسيويين والأقليات الإثنية والمجتمعات المحرومة. إذ وجدنا أن هؤلاء معرضون لخطر العدوى أكثر من غيرهم، ويشعرون بإعياء أكبر عندما يصابون بها. ويشكل ذلك أمراً معهوداً في حالات الإنفلونزا الموسمية. وكلما كنت محروماً، زادت فرصك في الإصابة بالإنفلونزا".
في سياق مواز، أوضح الدكتور ستيفن غريفين، المتخصص في علم الفيروسات في "جامعة ليدز"، أنه من غير الواضح مدى إمكانية أن تقفز معدلات الإصابة بالإنفلونزا الموسمية في وقت لاحق من هذه السنة، بعد السيطرة عليها في الأشهر الأخيرة من هذا الشتاء. وفي حديث إلى "اندبندنت"، أشار غريفين إلى أنه "من المأمول فيه أن تكون مجموعة من العادات الجيدة المتعلقة بالتباعد الاجتماعي والنظافة العامة، قادرة أيضاً على مساعدتنا في المستقبل".
وفي الخلاصة، حذر البروفيسور غريفين من إمكانية حدوث مشاكل في الرقابة وتطوير اللقاحات. إذ أضاف، "إذا لم يحدث سوى انتشار ضئيل [للإنفلونزا الموسمية]، فلسوف يغدو أشد صعوبة، توقع أي السلالات الفيروسية سيكون مسيطراً، وكذلك الحالة بالنسبة إلى استخدامها في صنع لقاح".
© The Independent