إنها صورة صادمة، تُظهر لحظة إطلاق القوى الأمنية رصاصات قاتلة على شاب تركي اسمه كمال كوركوت في نقطة تفتيش بمدينة ديار بكر في 21 مارس (آذار) 2017.
لقي المصور عبد الرحمن غوك الثناء لأنه تمكن من التقاط صورة هذه اللحظة العصية على الاحتمال. وأدت الصورة المؤلمة للشاب الأعزل الذي يبدو أن الرصاص قد أُطلق عليه من الخلف، إلى إدانة اثنين من عناصر الشرطة، وأظهرت مدى الانتهاكات التي ترتكبها قوى إنفاذ القانون التركية، والتي أدت إلى دعوات في أنحاء العالم إلى إجراء إصلاحات في عمل هذه الفئات وإخضاع المخالفين للمساءلة.
وبدلاً من ذلك، جرت تبرئة عنصرَي الشرطة المتهمين في القضية. والمفارقة، أن غوك نفسه بات في قفص الاتهام يتعرض للمحاكمة بتهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية ونشر دعاية إرهابية. وعقدت جلسة الاستماع الأولية الثلاثاء الماضي في محكمة بديار بكر، على أن تُستأنف المحاكمة في يونيو (حزيران) المقبل.
أثارت القضية المرفوعة ضد غوك القلق بين المدافعين عن حرية الصحافة من أتراك وأجانب. وبينما قد لا تكون الصورة سبباً مباشراً في مقاضاة المصور، فإن الاهتمام الذي أثارته على نطاق واسع هو الذي جعل القوى الأمنية يضعونه تحت المراقبة. وسبق أن احتُجز في 2018 العام لفترة قصيرة، حين صودر هاتفه الخليوي، ووجهت إليه التهمة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بموجب شهادة سرية أدلى بها مخبر مجهول لم يُذكر اسمه، بحسب ما افاد بعض دعاة حرية الصحافة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسبق أن تصادم غوك مع القوانين المرعية الإجراء، كما ساهم في تغطية القتال في سبيل نيل الأكراد حقوقهم السياسية، وهذه مسألة ترى السلطات التركية أنها دقيقة وحساسة. بيد أن الوضع بالنسبة للعديد من الصحافيين في تركيا يبقى سيئاً. ومن المقرر أن يمثل عشرات الصحافيين هذا الأسبوع أمام المحاكم في مواعيد قد حُددت سلفاً، علماً أن بينهم من يواجهون تهماً تتعلق بالأمن القومي. ومن هذه القضايا تلك المسماة محاكمة "بلومبيرغ"، ويمثل فيها حوالى 40 شخصاً من الصحافيين المتخصصين بالموضوعات المالية إلى جانب موظفين إعلاميين، بتهم تتصل بتغطية أزمة العملة التي شهدتها تركيا في العام 2018.
وفي قضية أخرى، يواجه صحافيون عقوبة السجن بسبب منشورات لهم على وسائل التواصل الاجتماعي اعتُبرت "مهينة" لقيادة البلاد، أو بسبب كتابتهم تقارير صحافية حول عنف قوات الشرطة. ويكاد جميع الذي يتعرضون للمحاكمة يكونون من الصحافيين ووسائل الإعلام التي ترفض التزام الخط الحكومي وتناول المسائل بما يلبي رغبة القائمين على السلطة. وباتت الدعاوى القضائية عبارة عن أداة في يد الحكومة لترهيب الإعلام بطريقة أكثر وضوحاً وجرأة مما كانت عليه ربما في أي وقت مضى في تاريخ حرية الصحافة المضطرب في تركيا.
لكن من المهم بالنسبة للسلطات التركية أن تتذكر أن الصحافيين يساهمون في كبح التجاوزات الأشد سوءاً، التي يرتكبها المسؤولون العاملون في مؤسسات عامة وفي قوى الأمن، كما يعملون على ضبط جموح هؤلاء وانزلاقهم إلى الفساد، من خلال إبقائهم قيد المراقبة عن كثب. فالصحافة واحدة من ركائز المجتمع المدني الأساسية، وليست نشاطاً إجرامياً على الإطلاق.
© The Independent