في الثالث والعشرين من الشهر الجاري تختتم الدورة الجديدة من تظاهرة ثقافية عريقة في مدينة تطوان (شمال المغرب) تحمل اسم "عيد الكتاب"، انطلقت قبل 79 سنة. ,لكن ما حكاية الثالث والعشرين من أبريل (نيسان)؟
في هذا اليوم بالذات من سنة 1616 توفي ميغيل دي ثرفانتس صاحب الكتاب الأشهر "دون كيخوتي ديلا مانشا"، وقررت إسبانيا لاحقاً تحويل يوم رحيله إلى مناسبة وطنية للاحتفاء بالكتب، تقديراً منها لقيمته في تاريخ الأدب العالمي عموماً، والمكتوب بالإسبانية على وجه الخصوص. وأصبحت كل مدينة في اسبانيا تقيم هذه التظاهرة الثقافية في اليوم نفسه من كل سنة تحت اسم "عيد الكِتاب". وفي 1995 قررت منظمة اليونسكو أن يصبح الثالث والعشرون من أبريل (نيسان) يوماً عالمياً للكِتاب وحقوق المؤلف، خصوصاً أن هذا التاريخ يتزامن مع رحيل وليام شكسبير وفلاديمير نابوكوف وموريس درويون وعدد آخر من رموز الكتابة في العالم.
وخلال المرحلة الكولونيالية لإسبانيا في المغرب دعا عدد من الوطنيين في مدينة تطوان إلى أن يصبح للكتاب العربي عيده، بعد أن كان لسنوات طويلة حكراً على الكتاب الإسباني، وتحقق ذلك سنة 1940 لتحتفل المدينة بالمؤلفات المكتوبة باللغة العربية، وليكون ذلك الحدث هو أول تظاهرة ثقافية من نوعها في العالم العربي.
إنطلقت الدورة الأخيرة من عيد الكتاب يوم السادس عشر من الشهر الحالي، بتنظيم من المديرية الإقليمية لوزارة الثقافة، وبشراكة مع "رابطة أدباء الشمال" و"دار الشعر" و"الجمعية الجهوية للكتبيين" وجهات أخرى في تطوان. وقد توزعت الأنشطة بين قراءات شعرية وقصصية، ولقاءات حول الرواية، وقراءات في إصدارات حديثة، إضافة إلى تقديم الأعداد الجديدة من ثلاث مجلات ثقافية هي: "عيون السرد"، "الإبانة"، "منارات". كما عرفت الدورة الجديدة تنظيم ندوات ولقاءات حول الأدب والسينما، جماليات الخط العربي، ذاكرة المدينة وغيرها من المواضيع، فضلاً عن أنشطة موازية لمعهد ثرفانتس الإسباني والمركز الفرنسي. ومن بين الكتّاب المغاربة المشاركين في هذه الأنشطة يمكن على الوقوف على الأسماء الآتية: عبد الرحيم جيران، محمد الشيخي، ادريس علوش، محسن أخريف، سعاد الناصر، عبد الرحيم العطري، عبد الجواد الخنيفي، حسن اليملاحي، عبد الجليل الوزاني، سعاد مسكين، البشير الدامون، أمامة سحر وغيرهم.
سألنا الشاعر محسن أخريف رئيس رابطة أدباء الشمال عن دلالات شعار الدورة " الكتاب وأسئلة القراءة "، فأكد لنا أنه نابع من الإيمان بأن مدخل التقدم هو القراءة، وتشجيع الناس على الإقبال على الكتاب، "وما عيد الكتاب بأروقة معرضه وبفعاليات برنامجه الثقافي، إلا أحد السبل الناجعة لتحقيق هذا المبتغى، خاصة مع التطور الذي تعرفه هذه التظاهرة منذ الدورات الست الأخيرة من حيث عددُ المشاركين في فعالياتها وتنوع وتفاوت فئاتهم العُمرية وتجاربهم في الكتابة، وتتكامل، من جهة، فعاليّتُهم في إغناء الحياة الثقافية المغربية".
وعن أهم ما يسم هذه الدورة قياساً مع سابقاتها يقول أخريف: "إن فعاليات هذه الدورة تتّسم بالشمولية والتنوع، إذ يحضر فيها تقديم الكتب النقدية والروائية والشعرية والمسرحية والقانونية، ويساهم فيها باحثون وروائيون وشعراء وقصاصون ومسرحيون وحقوقيون. وهذه الدورة إنفتح "عيد الكتاب" على شاعرات يقرأن بهذا العيد لأول مرة، بالإضافة إلى كاتبات يقتحمن مغامرة الكتابة الروائية لأول مرة".
وبخصوص الإكراهات التي تواجه "عيد الكتاب" يقول أخريف في تصريحه ل "أندبندنت عربية": "إن أي تظاهرة خاصة بالكتاب في المغرب، تواجه صعوبات وعوائق، لكن البعد العميق للثقافة والأدب في تطوان، ولتظاهرة "عيد الكتاب" يجعلها تذلل هذه الصعوبات خاصة المتعلقة بالجمهور، فغالب الندوات واللقاءات تعرف حضور عدد مهم من المتابعين، من فئات عمرية مختلفة، ومن انشغالات مهنية متنوعة يوحدهم الهم الثقافي والبحث عن كل ما هو جديد".
ويستطرد رئيس رابطة أدباء الشمال: "غير أن تحويل هذه التظاهرة إلى تظاهرة جماهيرية في تطوان يحتاج إلى دعم أكبر خاصة من السلطات المنتخبة، التي عليها أن تسخر بعض إمكاناتها اللوجيستية للارتقاء بهذه التظاهرة على المستوى تنظيم أروقة العارضين والارتقاء بها جماليا".
لكنّ الملاحظ أن معظم الكتب المحتفى بها، ومعظم الأسماء المشاركة في فعاليات "عيد الكتاب" تنتمي إلى مدينة تطوان، أو المدن القريبة منها في شمال البلاد. لذلك سألنا محسن أخريف عن السر في هذه المحلية، فصرّح لنا بأن تصور عيد الكتاب هو تصور ينطلق من الاهتمام بالكاتب ابن مدينة تطوان وعدم إقصائه، "فكل الكتاب الذين يصدرون كتبا تحترم المتلقي يتم الاحتفال بهم في سنة العيد نفسها، ثم بكتاب الجهة، وبعد ذلك بكتاب المغرب ككل، وخاصة الذين راكموا تجارب مهمة، مع انفتاح بسيط من سنة إلى أخرى على تجارب كتابة عربية من خلال لقاء: أدباء عرب في ضيافة تطوان. ثم هنالك انفتاح على الضفة الأخرى من خلال نشاطين للمركزين الثقافيين الإسباني والفرنسي، المساهمين دائما في "عيد الكتاب" منذ فترة طويلة".
غير أن هذا لا يمنع من التفكير بشكل جدّي في جعل هذا التصور أكثر شساعة، وذلك من خلال تكثيف نشاطات هذه التظاهرة، والانفتاح بشكل أكبر على التجارب الثقافية التي تنتمي إلى الجهات الأربع للبلاد، حتى يصير عيد الكتّاب بتطوان، انسجاما مع قيمته التاريخية، عيدا لكل المغاربة.
أما المفاجئ فهو رحيل الشاعر محسن اخريف عشية اختتام المهرجان جراء صعقة كهربائية، بينما كان يهتم بضبط هندسة الصوت في إحدى الندوات، مما اضفى على جو العيد طابعاً حزيناً ووداعياً. وأخريف هو واحد من الشعراء البارزين في المغرب وكان يشغل مناصب عدة.