تشهد التجارة العالمية انتعاشاً منذ انهيارها في المراحل الأولى من تفشي فيروس كورونا، وتستحوذ الصين ودول تصنيع آسيوية أخرى على شريحة كبرى من إجمالي الصادرات العالمية، ومن المتوقع أن تحتفظ هذه الدول بحصة في السوق بعد تلاشي أكبر أزمة صحية يواجهها العالم.
واليوم ومع تسارع وتيرة التعافي العالمي، من المرجح أن تستمر التجارة في النمو، لكن الصعوبات المتزايدة التي تواجهها المصانع في تلبية شهية المستهلكين الغربيين للسلع ستعوقها بحسب "وول ستريت جورنال" نقلاً عن صانعي السياسات ورجال الأعمال والاقتصاديين.
وكان قد رجح الاقتصاديون في منظمة التجارة العالمية في أبريل (نيسان) الماضي، أن تتجمد أجزاء كبيرة من الاقتصاد العالمي، وتوقعوا أن تعاني التدفقات التجارية العالمية من أكبر انخفاض لها منذ الكساد الكبير، وربما تتراجع بمقدار الثلث.
وبدلاً من ذلك، انخفضت التدفقات التجارية العالمية بنسبة 5.3 في المئة فقط العام الماضي، وفقاً للبيانات الجديدة الصادرة عن المكتب الهولندي لتحليل السياسة الاقتصادية "سي بي بي"، بعد أن عادت إلى مستويات ما قبل الوباء بحلول نوفمبر (تشرين الثاني)، وقد تطلب هذا الانتعاش أقل من نصف الوقت الذي استغرقته التدفقات للعودة إلى مستواها السابق بعد الأزمة المالية العالمية.
وكان الطلب على معدات الحماية الشخصية قد شهد ارتفاعاً، بما في ذلك كمامات الوجه، في حين أدى العمل والتعليم من المنزل إلى زيادة الطلب على أجهزة الكمبيوتر، وقادت الجهود المبذولة لتجنب أنظمة النقل العام المحفوفة بالمخاطر في المدن إلى زيادة الطلب على الدراجات الهوائية وعلى المفروشات والمعدات المنزلية، كما أسهم التحفيز الحكومي الضخم في البلدان الغنية في زيادة هذا الطلب.
10 في المئة نمو حصة الصين من الصادرات العالمية
ووفقاً لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، قفزت المبيعات عبر الحدود لمعدات الحماية الشخصية، مثل الكمامات، بنسبة 40 في المئة في الأشهر الثلاثة حتى سبتمبر (أيلول)، و16 في المئة أخرى في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي.
وجاءت معظم البضائع المُصدرة من شرق آسيا، حيث أعيد فتح المصانع بعد احتواء الفيروس إلى حد كبير، وكانت الصين المصدر الرئيس لمعدات الحماية الشخصية الأساسية ومصدراً رئيساً للمعدات المكتبية، وشهدت زيادة بنسبة 16 في المئة في المبيعات عبر الحدود في الربع الثالث، وزيادة بنسبة 14 في المئة في الربع الرابع، وفي عام 2020,
وتُظهر أرقام (أونكتاد)، أن حصة إجمالي الصادرات العالمية التي تمثلها الصين ارتفعت بنسبة 10 في المئة، ولكن حتى ذلك تجاوزوه في كل من تايوان وفيتنام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في حين، تمكنت بعض الشركات المُصنعة من الاستفادة من خبرتها في التعامل مع وباء "سارس" الذي اجتاح آسيا في 2003، بما في ذلك مجموعة "جيانت" في تايوان، وهي واحدة من أكبر شركات تصنيع الدراجات في العالم، والتي كافحت لمواكبة الطلب المتزايد، حتى بعد إعادة فتح المصانع في الصين التي كانت مغلقة في الأشهر الأولى من الوباء.
وقالت بوني تو، رئيسة شركة "جيانت" لـ"وول ستريت جورنال": "لم نواجه أي مشاكل في توصيل الدراجات إلى الأسواق الخارجية في المرحلة المبكرة من الوباء، ولكن مع ذلك، ونظراً لارتفاع الطلب على الدراجات، تسبب ذلك في حدوث اضطراب كبير في سلسلة توريدها، ولم تتمكن الشركة من مواكبة الطلبات الواردة إليها".
اضطراب سلاسل التوريد
وكان الحصول على البضائع المصنوعة في شرق آسيا وأماكن أخرى من العالم يشكل أمراً صعباً للمستهلكين في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث قلصت شركات الطيران رحلات الركاب ومساحات الشحن المرتبطة بها، في حين شهدت سفن الحاويات تعطلاً في الجداول الزمنية بسبب إصابات طواقمها بفيروس كورونا وازدحام الموانئ، فعلى سبيل المثال خلق الوباء مجموعة غير مسبوقة من المشاكل لميناء روتردام الذي يُعد أكبر ميناء في أوروبا.
وقال ألارد كاستلين، الرئيس التنفيذي لميناء روتردام للصحيفة: "لم يكن هناك مخطط ، ولا دليل يطبق، لقد كانت إلى حد كبير مجموعة كاملة من الأشياء المجهولة"، لكن بحلول الوقت الذي بدأت فيه موجة جديدة من الإصابات في أواخر عام 2020، كان الميناء قد تكيف.
ولكن حتى مع عمل المصانع بكامل طاقتها وتكيّف الموانئ مع الاضطرابات، واجه تجار التجزئة نقصاً، في المملكة المتحدة، حيث ارتفع الطلب على الدراجات بعد إغلاق مارس (آذار)، ولم يتمكن بعض المستهلكين من العثور على الدراجة التي يريدونها.
وقال مارك إيتون، مدير سلسلة التوريد في هافوردس، أكبر متاجر التجزئة للدراجات في البلاد، "لقد تأثر كل جزء من سلسلة توريد الدراجات تقريباً بكوفيد، من تصنيع المكونات والتجميع إلى توافر الحاويات وازدحام الموانئ"، وأضاف إيتون أن عدداً من معوقات سلسلة التوريد بدأ في التراجع الآن، في وقت ما يزال هناك كثير من التحديات القائمة في ما يتعلق بشبكة التصنيع والتجارة العالمية، وقد يعيق ذلك النمو في عام 2021.
الطلب العالمي لا يزال قوياً
وتقول الصحيفة، إن الخبر السار بالنسبة للاقتصاد العالمي هو أن الطلب لا يزال قوياً، وقالت بوني تو، رئيسة شركة "جيانت"، "لا تزال سلسلة توريد الدراجات تحاول اللحاق بالطلبات بدءاً من عام 2020 ونتوقع أن يظل الطلب على الدراجات قوياً لعام 2021"، وأضافت، "العالم يتنقل أكثر بسبب فيروس كورونا، ونتوقع أن يستمر ذلك بعد زوال الجائحة".
لكن الشركات المصنعة أبلغت عن تأخيرات مطولة في تأمين الإمدادات لصنع منتجاتها، وفقاً لاستطلاعات لمديري المشتريات أجرتها "آي أتش أس ماركت"، وبينما توجد دلائل على أن النقص في الحاويات في شرق آسيا آخذ في الانحسار، فإن شبكة اللوجستيات العالمية لم تُصلح بالكامل بعد.
وقال كاستلين: "لم نعد بعد إلى الحالة الطبيعية التي سبقت تفشي الجائحة، وأسعار الشحن مرتفعة بشكل لا يصدق، وجدول التجارة ليس في أفضل وضع، لكنني سأعتبر ذلك نتوءاً طفيفاً".
وبدأ التعافي في الصادرات لأوروبا والولايات المتحدة بعد بضعة أشهر من تعافي الصين، ويتوقع الاقتصاديون التجاريون أن يروا استمراره هذا العام، لكن من غير المحتمل أن تتراجع المكاسب التي حققتها الصين وبعض اقتصادات شرق آسيا الأخرى بسرعة.