كثيرة الأزمات السياسية والاقتصادية التي تمر بها السلطة الفلسطينية، بعد تجميد إسرائيل إرسال أموال المقاصة للحكومة الفلسطينية، ومسارعة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى ضمّ أراض في الضفة الغربية، مستفيداً من تحالف وثيق مع الإدارة الأميركية.
وفي سبيل فكفكة العقد، قام الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس بزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبحثا سبل مواجهة الأزمات السياسية والمالية التي تعصف بالقضية الفلسطينية، وللمشاركة في الاجتماع الطارئ الذي دعت إليه فلسطين، لوزراء الخارجية العرب.
وهذا الاجتماع الطارئ، بحث في طرق مواجهة صفقة القرن، وإمكان التصدي للقرارات الأميركية المتخذة ضدّ القضية الفلسطينية، وضرورة تفعيل شبكة الأمان العربية التي تضمن تمويل ميزانية السلطة بقيمة 100 ميلون دولار أميركي شهرياً.
سد منيع
وتنبع أهمية هذا الاجتماع، من وجهة نظر المحلل السياسي وجيه أبو ظريفة من "ضرورة إيجاد موقف عربي موحد، ووضع خطة للعمل مع المجتمع الدولي، لمواجهة صفقة القرن"، بعدما أعلن الرئيس الأميركي موعداً للإفصاح عنها رسمياً.
وأظهر أبو ظريفة أنّ هذه الخطوة "تعمل على حماية القضية الوطنية، من خلال تشكيل سد منيع لقرارات ترمب، والخطوات التي تسعى إسرائيل إلى تطبيقها، بمباركة أميركية، بعد تنصلها من الاتفاقيات السابقة".
كما أوضح أبو ظريفة أنّ عبّاس طلب من مصر "موقفاً واضحاً تجاه حركة حماس، وتعاملها مع قضايا قطاع غزّة، وبخاصة في ملف معبر رفح، وكيف يمكن الموازنة بين القضايا الوطنية"، معلناً أنّ تغيرات جمّة "ستطرأ على تعامل المخابرات المصرية مع حماس".
ولا يتوقع أبو ظريفة أنّ يكون هناك أفق في ملف المصالحة الفلسطينية، في ظلّ عدم الحديث عن لقاءات مشتركة بين حماس وفتح، وتعنّت الطرفين في تطبيق بنود اتفاقية نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2017.
ويؤكّد أبو ظريفة أنّ عبّاس "لا يريد إلغاء الاتفاقيات مع إسرائيل، ولو رغب لأعلن حلّ اتفاقية أوسلو أمام الجامعة العربية... إنّ العلاقات بين السلطة الوطنية، وأميركا، مفتوحة بشكل شبه كامل، حتى في ظلّ الحديث عن تطبيق صفقة القرن".
دعم سياسي
أما المحلل السياسي إياد القرا فيرى "أنّ الدول العربية لا يمكنها إعطاء دعم سياسي للسلطة، ويقتصر دعمها على تقديم المساعدات المالية فقط، في ظلّ العلاقات القوية مع إسرائيل وأميركا، التي لا يمكن تجاهلها".
مستشار مركز مسارات للأبحاث السياسية في قطاع غزّة عماد أبو رحمة يرى بدوره أنّ المطلوب "موقف فلسطيني موحد حول قضية المصالحة، والقرارات الأميركية، وما دون ذلك لا يمكنه إنقاذ الموقف الوطني".
ويوضح أبو رحمة أن "انعكاس اجتماع وزراء الخارجية على ملف المصالحة لا يمكن قياسه بشكل واضح، ويقتصر على إعطاء تعليمات للسلطات المصريّة، في تسريع إنجازه، لبدء دراسة موضوع صفقة القرن وطرق المواجهة". ويبيّن أبو رحمة أنّ عبّاس استشعر بخطر كبير على القضية الفلسطينية بعد فوز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحقبة حكومية جديدة، الأمر الذي يضع القضية الفلسطينية على المحك في ظلّ خطط نتنياهو وترمب.
وأكّد أنّ العرب لديهم موقف معلن ضد قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وضد الإجراءات الإسرائيلية بحق أراضي الضفة الغربية، لكن الموقف يحتاج إلى حراك سياسي على أرض الواقع، وهو ما يحاول عبّاس الحصول عليه، في اجتماع وزراء الخارجية.
100 مليون دولار
وتعاني السلطة الوطنية الفلسطينية أزمة مالية كبيرة، بعدما اقتطعت إسرائيل نحو 140 مليون دولار من أموال مقاصة الضرائب، التي تجنيها إسرائيل من البضائع التجارية بالنيابة عن السلطة، وهي قيمة المخصصات المالية التي يدفعها عبّاس للأسرى وذويهم وعائلات القتلى.
في ضوء ذلك، أكّد مجلس جامعة الدول العربية، التزامه دعم موازنة دولة فلسطين وتنفيذ قرار قمة تونس، بتفعيل شبكة أمان ماليّة بمبلغ 100 مليون دولار أميركي شهرياً، لمواجهة الضغوط السياسية والمالية التي تتعرض لها السلطة.
الخبير المالي والمحلل الاقتصادي مازن العجلة يقول، إنّ قرار تفعيل شبكة الأمان المالية العربية، سيسهم في "حلّ جزء من الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية، وحمايتها من الانهيار، في ظلّ استمرار رفض استلام أموال المقاصة، وتعنت إسرائيل في اقتطاع جزء من الأموال".
وتوقّع العجلة أنّ تمتد أزمة اقتطاع أموال المقاصة إلى أكثر من 6 أشهر، إذ فاقت قيمتها الـ 70 في المئة من الميزانية العامة. وهذا ما يشكل أزمة كبيرة للسلطة الفلسطينية، ويعطي أهمية كبيرة لشبكة الأمان العربية، التي يمكنها حلّ جزء من المشكلة، وتوفّر للحكومة أموالاً من دون الاقتراض من البنوك.