بعد يوم دام جديد شهدته مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، أدى إلى سقوط 4 قتلى ونحو 100 جريح، قدم المحافظ ناظم الوائلي استقالته إلى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
ونشر المكتب الإعلامي للمحافظ رسالة مكتوبة بخط يد الوائلي إلى رئيس الوزراء تتضمن وضع استقالته تحت تصرف الكاظمي للموافقة عليها.
ولليوم الخامس على التوالي تستمر الاحتجاجات المطالبة بإقالة محافظ ذي قار، فيما تستمر حصيلة الضحايا بالتزايد مع استخدام القوات الأمنية الرصاص الحي في محاولة تفريق المحتجين عن مقتربات مبنى المحافظة.
وقالت مصادر أمنية إن حصيلة ضحايا الاحتجاجات بلغت 4 قتلى ونحو 100 جريح، فيما تؤكد المصادر أن القتلى نحو 7 خلال الأيام الثلاثة الماضية.
في المقابل، تشير مصادر طبية من المحافظة إلى أن مستشفى الحبوبي في مدينة الناصرية توقف عن استقبال الجرحى بسبب امتلاء الردهات، مبينة أن غالبية الجرحى تعرضوا لإطلاق نار.
وتابعت المصادر أن "إدارة المستشفى طلبت تحويل الجرحى على مستشفيات أخرى في المحافظة".
مصادر حكومية تكليف الأسدي بدلاً من الوائلي
وكانت أنباء تواترت قبل ساعات عن عزم رئيس الحكومة العراقية إقالة محافظ ذي قار، إلا أن المكتب الإعلامي للأخير نشر قبل قليل نص استقالة المحافظ لينهي الجدل في هذا السياق.
في حين قالت مصادر حكومية، لـ"اندبندنت عربية"، إن "الكاظمي كلّف عبد الغني الأسدي محافظاً لذي قار خلفاً لناظم الوائلي"، مشيرة إلى أن "الحكومة بصدد تشكيل مجلس تحقيق بالأحداث الأخيرة لمحاسبة المتسببين بعمليات القمع".
وأضافت المصادر أن "قرارات أخرى تتعلق بتشكيل مجلس استشاري من شخصيات المحافظة المعروفة وترتبط برئيس الوزراء، لمتابعة ملف الإعمار وإطلاع الحكومة على التفاصيل لحل الإشكالات التي تعاني منها".
وكانت وسائل إعلام محلية، نقلت عن مصادر مطلعة أن "الكاظمي أقال محافظ ذي قار ناظم الوائلي، وكلف رئيس جهاز الأمن الوطني عبد الغني الأسدي بمهمات المحافظ بشكل مؤقت".
وتأتي تلك التطورات إثر اشتداد الاحتجاجات على جسرَي النصر الزيتون، القريبين من مبنى المحافظة، فيما استمرت القوات الأمنية باستخدام الرصاص الحي.
ناشطون يرفضون تكليف الأسدي
وظهر الأسدي في مقطع فيديو وجه فيه رسالة إلى أهالي المحافظة، فيما أعلن عن تكليفه في إدارة المحافظة.
وبعد أقل من ساعة على إعلان الأسدي هذا، أعلن ناشطون من المحافظة في بيان رفضهم تكليف الأسدي.
وجاء في البيان الذي تبناه "ثوار ساحة الحبوبي"، أن "الأحداث الدامية والمؤسفة التي شهدتها محافظتنا العزيزة ذي قار راح ضحيتها نحو 8 شهداء وأكثر من 150 جريحاً في مجزرة أخرى تضاف لمجازر أحزاب السلطة وقواتها القمعية".
وأضاف البيان، "في الوقت نفسه نرفض رفضاً قاطعاً تنصيب عبد الغني الأسدي محافظاً لها ولو لساعة واحدة، ويجب إبعاد المحافظة عن المماطلة والتسويف واختيار محافظ من أبناء المدينة يتمتع بكفاءة ونزاهة ووطنية واستقلالية".
مطالب إضافية
بعد أحداث الجمعة، يتحدث ناشطون من مدينة الناصرية عن مطالب إضافية لا تتوقف عند حدود إقالة المحافظ وتتعلق بإقالة القيادات الأمنية في المحافظة إثر استمرار سقوط الضحايا، وكشفوا أن مجموعة من المطالب الجديدة ستصدر خلال الساعات المقبلة.
وقال أحمد حميد، وهو أحد الناشطين المشتركين في تظاهرات الناصرية، إن "ثلاث تشكيلات أمنية تولت عمليات القمع ضد المحتجين وهي قوات (سوات) والشرطة الاتحادية والشرطة المحلية"، مبيناً أن هناك "بعض فرق الشرطة الاتحادية جاء من خارج المحافظة".
وأضاف، "ثلاثة عناصر من الجيش العراقي أصيبوا بإطلاق نار من القوات الأمنية، كانوا بالقرب من المحتجين"، مبيناً أن "المحتجين استخدموا الحجارة في الرد على إطلاق القوات الأمنية الرصاص".
وتابع، أن "المطلب الرئيس للمحتجين هو إقالة المحافظ، لكنه تفرع إلى مطالب أخرى ستصدر في بيان خلال الساعات المقبلة"، مبيناً أن من بين المطالب الأخرى "إقالة قائد الشرطة وقائد عمليات سومر، فضلاً عن انسحاب قوات الشرطة الاتحادية وإحالة ملف الأمن في المحافظة على الجيش العراقي".
وأشار إلى أن "المحتجين وضعوا جملة اشتراطات في عملية اختيار محافظ جديد، من بينها ألّا يكون منتمياً إلى أي جهة سياسية أو حزبية، فضلاً عن التعهد بتنفيذ مطالب المحتجين وعلى رأسها الكشف عن مصير الناشطين المختطفين ومحاسبة القتلة"، لافتاً إلى أن من بين الشروط "تشكيل مجلس استشاري من رموز المحافظة وشخصياتها يكون رديفاً ومراقباً لعمل المحافظ".
وأكد أن "حصيلة الضحايا بلغت 5 شهداء، بالإضافة إلى نحو 120 جريحاً غالبيتهم أصيبوا بإطلاق نار".
دعوات إلى التبرع بالدم
نظراً للعدد الكبير للجرحى، دعا مصرف الدم في الناصرية، في 26 فبراير (شباط)، أبناء المحافظة للتبرع بالدم.
وناشد معاون مدير مصرف الدم في الناصرية راجي السعد، في بيان، المواطنين "التبرع بالدم لجرحى التظاهرات (نظراً) للحاجة ومن جميع الفصائل".
فيما تستمر دعوات أبناء المحافظة للجهات الأمنية والحكومية، إلى إنقاذ الناصرية وإيقاف ما يجري من عمليات قمع يتعرض لها المحتجون منذ أيام.
ويأتي تصاعد الأحداث في المدينة على بعد يوم واحد من مغادرة وفد حكومي أرسله الكاظمي، لنزع فتيل الأزمة.
وكان الكاظمي، أرسل وفداً برئاسة وزير الداخلية عثمان الغانمي ورئيس جهاز الأمن الوطني عبد الغني الأسدي، للوقوف على الاحتجاجات في المحافظة.
مأزق عراقي عام
لا تبدو بوادر نزع فتيل الأزمة في مدينة الناصرية متوافرة، على الرغم من تقديم محافظها استقالته، إذ يتحدث مراقبون عن أن الأزمة تتعدى حدود ذلك وترتبط بسوء الإدارة والتسويات والتوافقات السياسية التي يخضع لها اختيار المحافظين بشكل عام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة ذي قار، نجم عبد طارش، أن "يستمر المأزق في الناصرية، لأنه يرتبط بسوء إدارة البلاد بصورة عامة"، مضيفاً أن "ما يحدث في الناصرية هو بالون اختبار لكل الوضع العراقي، وما دامت التسويات والصفقات السياسية مستمرة والأموال المخصصة للناس تتم سرقتها سيبقى الشعور بالغبن حاضراً ومحفزاً للتظاهر".
ويلفت طارش إلى أن "كل مدن العراق تعاني المأزق ذاته الذي تعاني منه محافظة ذي قار من سيطرة الإقطاعيات السياسية وتحكمها في موارد البلاد".
وعمّا إذا كانت استقالة المحافظ تسهم في نزع فتيل الأزمة، يقول طارش "ربما تسهم في نزع التوتر مؤقتاً، لكن استمرار آلية اختيار المحافظين وفق توازنات القوى السياسية سيؤدي إلى اشتعال الأزمة مرة أخرى".
ويختم أن "كل عوامل عودة الاحتجاجات في العراق حاضرة، وإذا لم تحصل التهدئة سريعاً في الناصرية فمن المحتمل أن يصعّد الوضع في محافظات أخرى".
إدانات وتحذيرات من الانفلات الأمني
دانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، حالة الانفلات الأمني في محافظة ذي قار. وأعلنت، في بيان، أنها "تابعت من خلال فرقها الرصدية الاحتجاجات في محافظة ذي قار التي أدت إلى استشهاد (متظاهرين) وإصابة 147 من المتظاهرين والقوات الأمنية نتيجة استخدام الرصاص الحي والغازات المسيلة للدموع والحجارة والآلات الحادة إضافة إلى حرق مبنى المحافظة وغلق جسرّي الزيتون والكرامة بالإطارات المحروقة".
وحذّرت المفوضية "من استمرار الانفلات الأمني وأن عدم معالجة المشاكل المتفاقمة سيؤدي إلى الفوضى واستمرار سقوط عدد كبير من الضحايا".
وذكّر البيان بأن "المفوضية سبق أن دعت رئيس الوزراء إلى تولي الموقف الأمني في المحافظة واتخاذ الإجراءات العاجلة لإيقاف نزيف الدم وبسط الأمن وإيقاف الانفلات الأمني فيها، وتجدد دعوتها اليوم بعد تفاقم التصادمات وسقوط هذا العدد الكبير من الشهداء والمصابين".
ودعت المفوضية الحكومة المحلية إلى "الاستجابة لمطالب المتظاهرين السلمية وحقن الدماء والحفاظ على المال العام والخاص".