تتواصل المواجهة في أرمينيا بين نيكول باشينيان رئيس حكومة أرمينيا وفصائل المعارضة التي أعلنت توحدها في "حركة إنقاذ أرمينيا"، حول مطلب استقالته من منصبه، على ضوء ما وصفته بتعثر سياساته في الوقت الذي يظل رئيس الجمهورية أرمين سركيسيان يرفض طلبه حول التصديق على قراره بشأن إقالة رئيس أركان القوات المسلحة أونيك غاسباريان، وها هو باشينيان يدخل في مواجهة جديدة مع رئيس الجمهورية، بعد أن تباعدت مواقفه مع رفاق الأمس من قيادات أركان القوات المسلحة، وبلغت حد إعلانها عن طلبها استقالته من منصبه، وكانت الأحداث خلال الأسابيع القليلة الماضية كشفت عن قصور سياسات رئيس الحكومة وعجزه عن إدارة الأزمة، بعد أن كان فشل في إدارة المعارك القتالية خلال المواجهة المسلحة مع القوات الأذربيجانية حول قره باغ، التي كانت أرمينيا استولت عليها مع سبع من المقاطعات الأذربيجانية، التي تفصل "جمهورية" قره باغ، غير المعترف بها عن أراضيها منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
وعلى الرغم من دعوته لأنصاره بطلب تأييده والخروج إلى شوارع العاصمة يريفان، فإنه لم يستطع بعد تجاوز معارضيه ممن خرجوا لمحاصرة البرلمان، وإقامة مخيماتهم التي لم يغادروها لليوم الثالث على التوالي تحت شعارات تطالب برحيله، وتعلن تأييدها لخصومه من قيادات رئاسة الأركان وكبار ضباط القوات المسلحة، وبينما سبق واستنجد باشينيان بالرئيس فلاديمير بوتين الذي اكتفي بدعوته وخصومه إلى الحوار والبحث عن السبل السلمية لتسوية الموقف، عاد باشينيان ليدعو مناصريه إلى الخروج ثانية إلى شوارع يريفان في أول مارس (آذار) المقبل، إلى جانب دعوته إلى انتخابات برلمانية مبكرة.
المأزق
من جانبه، بادر رئيس الجمهورية سركيسيان بمخاطبة رئيس حكومته عبر مواقع التواصل الاجتماعي في سابقة لم تشهد الأوساط الرسمية على مستوى الدولة مثيلاً لها من قبل، يدعوه إلى إعادة الحكومة النظر في طلبه، حول إقالة رئيس الأركان، وقال، "إن مثل هذه الأساليب لا تسهم في الوصول إلى الحلول المناسبة للخروج من المأزق الراهن".
وكان الرئيس سركيسيان أعلن، يوم السبت الماضي، أن اقتراح إقالة رئيس الأركان حسب رأي رجال القانون لا يتفق مع النصوص الدستورية، وإن أعلن "أنه شخصياً لا ينحاز إلى أي من الأطراف السياسية المتصارعة، وأنه لا يمكن التوصل إلى حل الأزمة الراهنة في البلاد عن طريق تغيير الكوادر"، ومع ذلك، فقد عاد باشينيان إلى إرسال طلبه حول التصديق على قرار إقالة رئيس الأركان إلى رئيس الجمهورية، الذي أصبح مدعواً الى أمر من اثنين، إما التصديق عليه، وإما تحويله للفصل فيه أمام المحكمة الدستورية. وحتى ذلك الحين انصرفت فصائل المعارضة إلى تنظيم صفوفها ومواقعها على مقربة من مبنى البرلمان في قلب العاصمة معلنة أنها لن تغادر مواقعها حتى يعلن باشينيان عن امتثاله للرحيل من منصبه، وكان أعرب عن استعداده لاتخاذ مثل هذا القرار خلال الأسابيع القليلة الماضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلنت المعارضة التي تضم ممثلي 17 حزباً وتنظيماً سياسياً عن ترشيح فازغين مانوكيان رئيس الوزراء السابق، وزير الدفاع رئيساً للحكومة الانتقالية ممثلاً للحركة الموحدة التي سموها "حركة إنقاذ الوطن"، وهو الذي سبق وكان من مؤسسي الجيش الوطني لأرمينيا في أعقاب إعلانها استقلالها قبيل انهيار الاتحاد السوفياتي السابق في نهاية العام 1991.
وفي حديثه إلى قناة "روسيا اليوم"، قال مانوكيان، "صبر الأرمن قد نفذ"، وفي وقت أشار إلى أن الازمة السياسية الجديدة يمكن أن تفضي إلى صدامات جماهيرية، قال آخرون، إنها قد تقود البلاد إلى حرب أهلية، وكشف عن أن المعارضة توجهت إلى رئيس الجمهورية بطلب عدم التصديق على قرار باشينيان حول إقالة رئيس الأركان، نظراً لمخالفة هذا القرار النصوص الدستورية التي تقول إن "رئيس الأركان يجرى تعيينه لفترة محددة مدتها خمس سنوات، لا يجوز خلالها إقالته من منصبه، ما لم يرتكب جريمة جنائية".
منظومات "إسكندر"
من المنتظر أن يلتقي رئيس الجمهورية بالعسكريين الذين كانوا أصدروا بيانهم الذي طالبوا فيه باستقالة رئيس الحكومة رداً على قراره بإقالة رئيس الأركان وانتقاداته لأداء العسكريين خلال المعارك التي دارت دفاعاً عن قره باغ في سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، وما قاله حول عدم فعالية منظومات "إسكندر" الصاروخية الروسية، ما أثار اعتراضات وانتقادات ممثل المؤسسة العسكرية الروسية، وتوقف مانوكيان عند هذه الانتقادات التي عزاها إلى احتمالات أن يكون ما قاله باشينيان "أملي عليه من جهات خارجية" لم يكشف عنها، أو أنه أراد بمثل هذه التصريحات، تصويرها وكأنها إهدار للمال العام، والنيل من سلفه سيرج سرغسيان رئيس الحكومة السابق الذي اعتبر الحصول على مثل هذه المنظومات إنجازاً كبيراً، وخلص إلى اعتقاده أن الامرين معاً يستهدفان إفساد العلاقة مع روسيا التي يصعب من دونها إعادة بناء القوات المسلحة، وهي المهمة الأولى المطروحة اليوم في صدارة أعمال الحكومة الجديدة.
حالة من الإحباط
وأعاد إلى الاذهان كثيراً من أخطاء باشينيان التي ارتكبها خلال إدارته المعارك ضد القوات الأذربيجانية، وقال إنه لم يستطع الإلمام بجوانب الموقف، في وقت اصطدم كثيراً مع التنظيمات السياسية خلال الفترة الماضية، وأضاف مانوكيان أن باشينيان فقد ثقة العسكريين، ولم يعد الشخصية المقبولة اليوم لإدارة البلاد، ليس فقط بالنسبة إلى العسكريين بل وأيضاً بالنسبة إلى عموم الشعب الذي تبدو الأغلبية الساحقة منه على غير وفاق مع سياساته.
وكان وصل إلى الحكم في فترة كان الشعب يتمتع فيها بدرجة مناسبة من الاستقرار الاقتصادي، بينما هو اليوم يعيش حالة من الإحباط والاكتئاب بعد أن خسرت أرمينيا الحرب ومعها كثيرين من أبنائها ممن قدموا أرواحهم فداء للوطن، ومنهم من لم يعودوا بعد إلى ذويهم. لذا، فإن الغالبية خلدوا إلى مساكنهم لا يريدون الخروج منها بعد أن فقدوا الثقة في المستقبل، بل، هناك كثيرون باتوا يفكرون في الهجرة إلى الخارج.
الحلول المقترحة
وعن الحلول المقترحة للأزمة الراهنة، قال زعيم المعارضة مانوكيان إنها تتوقف على الدورة الاستثنائية للبرلمان المدعوة إلى اتخاذ قرار إنهاء حال الطوارئ، نظراً لأن الدستور ينص على تعذر إقالة رئيس الحكومة خلال حال الطوارئ، وكشف عن أن باشينيان يعتمد اليوم على عنصرين أساسيين في معركته، وهما الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم التي تملك الأغلبية في البرلمان، والشرطة التي قال مانوكيان إنها تبدو أكثر تحفظاً في سلوكها وأدائها خلال الفترة الأخيرة، وقال إنه يجري العمل من أجل استمالة عدد من أعضاء الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم إلى صفوف المعارضة، اعتماداً على عدم الإطاحة أو التضحية برئيس الأركان الذي يطالب باشينيان بإقالته.
ومن اللافت أن المعارضة في أرمينيا تركز اليوم كثيراً من فعالياتها وتصريحات ممثليها على استقطاب دعم روسيا التي طالما ارتبطت بها سياسات أسلاف باشينيان من رؤساء الجمهورية والحكومات السابقين، قبل نجاح "الثورة الملونة" في أرمينيا في ربيع العام 2018. ومن هنا كانت تصريحات آرا إيفازيان وزير الخارجية الأمنية لوكالة أنباء "نوفوستي" التي قال فيها، إن بلاده تعتمد في سياساتها على دعم علاقاتها مع روسيا، وأكد الوزير الأرمني على طابع التحالف الذي تتسم به علاقات الدولتين على صعيد علاقاتهما الإقليمية والدولية، وقال إن أرمينيا على يقين من ضرورة تواصل هذه السياسات انطلاقاً من ضرورات ومتغيرات العصر بما يخدم المصالح الجذرية للبلدين ولشعبيهما.
لجنة العمل الثلاثية
وكانت "لجنة العمل الثلاثية" حول قره باغ التي تشكلت من نواب رؤساء حكومات روسيا، وكل من أذربيجان وأرمينيا بموجب اتفاق رؤساء هذه البلدان في اجتماعهم الأخير في موسكو، أعلنت عن اجتماعها المرتقب في أول مارس من هذا العام عبر خاصية "الفيديو كونفرنس".
وكشف ألكسي أوفيرتشوك نائب رئيس الحكومة الروسية عن أن الاجتماعات الثلاثة الماضية تناولت تنفيذ ما جرى الاتفاق حوله على مستوى الرؤساء، بشأن الاتجاهات الرئيسة للعمل المشترك في المجالات الاقتصادية ومشاكل النقل والمواصلات البرية في قره باغ، وكذلك قضايا الأمن والصحة والجمارك وكل القضايا المتعلقة بالرقابة، وتنفيذ ما يتعلق بالالتزامات المتبادلة على مستوى منظومات التعاون بين بلدان الفضاء السوفياتي السابق.
وفي وقت تتواصل الأزمات الداخلية بين رئيس الحكومة والمعارضة في أرمينيا، تقف أذربيجان على مقربة لتؤكد أن ما يدور من أحداث وتطورات هناك، تظل قضية داخلية تخص الشعب الأرمني، وإن كشف الرئيس الأذري إلهام علييف، أن أرمينيا تمر بمراحل معقدة قد تسفر عن تقويض أسس الدولة، مؤكداً مسؤولية القيادة الأمنية الحالية تجاه ما يجري من تطورات.
وقال علييف إن حكومة باشينيان تقود البلاد إلى "الهاوية والخراب"، ما يشير ضمناً إلى تأييده غير المباشر لإقالة باشينيان، وأعرب علييف عن أمله في ألا تؤثر هذه التطورات على مسار تنفيذ بنود الإعلان الثلاثي الصادر حول قره باغ الذي وقعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الحكومة الأرمنية باشينيان.