على الرغم من الصورة الباهتة التي بدا عليها عام 2020، مع خلو الربع الثاني من أي اكتتابات عامة في أسواق المال بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتسجيل اكتتاب واحد فقط في الربع الثالث، فإن الربع الرابع من العام ذاته شهد انتعاشاً واضحاً بإدراج أربع صفقات اكتتابات عامة بقيمة إجمالية بلغت 925 مليون دولار.
ومع استمرار إجراءات التحفيز المالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى جانب وفرة السيولة وزيادة الثقة في برامج التطعيم ضد فيروس كورونا ستساهم في الحفاظ على هذا الأداء الإيجابي للاكتتابات خلال 2021. وحسب تقرير "إرنست أند يونغ" العالمية حول نشاط الاكتتابات العامة، فقد انخفضت أعداد الاكتتابات العامة بنسبة 33 في المئة وتراجع عائداتها بنسبة 97 في المئة مقارنة بالربع نفسه من عام 2019، إلا أن الربع الرابع من 2020 سجل أعلى العائدات خلال العام.
وأشار التقرير إلى تسجيل تسع صفقات اكتتابات عامة بلغت قيمتها 1.86 مليار دولار، بانخفاض العدد الإجمالي للاكتتابات بنسبة 40 في المئة بالربع الرابع، وللعائدات بنسبة 94 في المئة مقارنة بعام 2019. وجاءت 6 من أصل 9 صفقات اكتتاب، في القطاع العقاري، اثنان منها لصناديق استثمار عقارية (ريت)، أما الصفقات الثلاث المتبقية فكانت لقطاعات الرعاية الصحية والسلع الاستهلاكية والتأمين.
1363 اكتتاباً في 2020
على الصعيد العالمي، واصل عدد الاكتتابات العامة ارتفاعه في عام 2020، حيث تم تسجيل 1363 اكتتاباً بزيادة بنسبة 19 في المئة عن العام السابق. وأظهر التقرير أن العائدات زادت بنسبة 29 في المئة مقارنة بعام 2019، حيث بلغت 268 مليار دولار أميركي، وهي أعلى عائدات تم تسجيلها بعد الرقم القياسي لعام 2010 البالغ 290.2 مليار دولار أميركي من 1361 اكتتاباً.
وقال ماثيو بنسون، رئيس خدمات استشارات الصفقات والاستراتيجيات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى "إرنست أند يونغ"، إن تراجع النمو الاقتصادي والاضطراب الكبير الذي شهدته مختلف القطاعات جراء تفشي فيروس كورونا، إلى جانب انخفاض الطلب على النفط، تركت تأثيراً كبيراً على أداء سوق الأوراق المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2020. كما تأثرت الأسواق على المستوى العالمي.
وأوضح أن السوق في النصف الأول من العام سجلت أعلى تقلبات لها منذ الأزمة المالية العالمية، لكنها هدأت بسرعة، وشهدت سوق الاكتتابات العامة أداءً جيداً في النصف الثاني من العام الماضي. وتوقع أن استمرار إجراءات التحفيز المالي ووفرة السيولة وزيادة الثقة في برامج التطعيم ضد فيروس كورونا ستساهم في الحفاظ على هذا الأداء الإيجابي للاكتتابات خلال 2021.
أداء أسواق المنطقة
وشهدت أسواق الأوراق المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقلبات عالية وارتفاعاً ملحوظاً في متوسط قيم التداولات اليومية في البورصات الرئيسة. ورصد التقرير أن السوق المالية السعودية (تداول) شهدت انخفاضاً بلغ 30 في المئة تقريباً في بداية عام 2020، إلا أنها انتعشت في نهايته، وحقق مؤشر العائدات نمواً بنسبة 3.6 في المئة، مدعوماً بانتعاش أسعار النفط الخام.
وشهدت مؤشرات البورصة المصرية أكبر تراجع بين المؤشرات المرصودة، بخسارة بلغت 22.3 في المئة، أما سوق أبوظبي للأوراق المالية، فقد اختتمت هذا العام بشكل مستقر نسبياً، بينما انخفضت مؤشرات سوق دبي المالي وبورصة الكويت بنسبة 10 في المئة و13 في المئة على التوالي خلال الفترة نفسها.
من جهته، قال غريغوري هيوز، رئيس خدمات الاكتتابات والعناية الواجبة للمعاملات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى "إرنست اند يونغ": "مع أن نشاط الاكتتاب العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كان ضعيفاً نسبياً طيلة عام 2020، إلا أن إعلان عدة هيئات تنظيمية في المنطقة عن قيامها بتغييرات إيجابية خلال هذا العام، يشكل فاتحة خير للشركات العامة الحالية والمستقبلية".
وأضاف أن بداية عام 2021 تعطي مؤشرات قوية لتجديد التفاؤل، حيث نلحظ موجة قوية من الاكتتابات العامة في الأسواق الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونتوقع أن يزداد النشاط تدريجياً خلال العام الجديد. كما لاحظنا في الأشهر الأخيرة بعض الاهتمام بصفقات الاندماج مع شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة المدرجة في الولايات المتحدة، والذي جاء في أعقاب زيادة محدودة للنشاط في هذا المجال خلال العامين الماضيين في المنطقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
السعودية تقود سوق الاكتتابات في المنطقة
وفق التقرير، فقد واصلت السعودية تصدرها سوق الاكتتابات العامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث إجمالي عدد الصفقات وقيمة عائداتها، حيث احتلت السوق المالية السعودية (تداول) المركز الأول في المنطقة هذا العام بأربع صفقات بلغت قيمتها الإجمالية 1.45 مليار دولار، وتمثل 78 في المئة من إجمالي الاكتتابات العامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2020.
وحققت الاكتتابات العامة في الربع الأخير من عام 2020 أكبر عائدات خلال العام، ويرجع ذلك أساساً إلى إدراج أسهم شركة بن داود القابضة (584 مليون دولار أميركي)، في ثاني أكبر إدراج لهذا العام بعد مجموعة الدكتور سليمان الحبيب للخدمات الطبية (701 مليون دولار أميركي) التي سبق وأدرجت أسهمها في الربع الأول من عام 2020. وجرى كلا الإدراجين في السوق الرئيسية لـ"تداول".
وحسب التقرير، شهدت سوق دبي المالية أول اكتتاب عام لصناديق الاستثمار العقارية، مع إطلاق عدة مبادرات جديدة في الإمارات. وخلال عام 2020، حقق الاكتتاب العام على أسهم صندوق المال "كابيتال ريت" نحو 95.3 مليون دولار، وأدرج الصندوق رسمياً في سوق دبي المالي في 18 يناير (كانون الثاني) 2021، وهو أول اكتتاب عام في دولة الإمارات منذ عدة سنوات.
وكان هذا أول إدراج لصناديق استثمار عقارية في البورصة، ما زاد إجمالي إدراجات هذه الصناديق في الإمارات إلى ثلاثة إدراجات، مع الإدراجين السابقين للإمارات "ريت"، و"بنك الإمارات دبي الوطني ريت"، في بورصة "ناسداك دبي".
وفي بداية الربع الرابع من عام 2020، أطلقت سوق دبي المالي منصتها لتداول العقود الآجلة للأسهم الفردية. كما أعلنت بورصة "ناسداك دبي" خلال الربع نفسه عن عزمها إطلاق سوق "ناسداك دبي للنمو" لدعم الشركات الناشئة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة في أوائل عام 2021. وقد ساعدت تحديثات الإطار التنظيمي في إنشاء هذه السوق بعد إجراء مشاورات مع المشاركين في السوق.
وفي أبوظبي، تم إدراج شركات "سواعد القابضة"، و"إيزي ليس"، و"بالم الرياضية"، و"مخازن زي" على منصة السوق الثانية لسوق أبوظبي للأوراق المالية للشركات المساهمة الخاصة في الربع الرابع من عام 2020. كما أطلقت شركة "أي دي كيو القابضة"، المساهم الكامل في سوق أبوظبي للأوراق المالية، شركة "كيو لصناعة السوق" خلال الربع الرابع من العام، ومن المتوقع أن تحصل على التمويل المخصص لحزمة الحوافز الاقتصادية في أبوظبي لتعزيز السيولة في سوق أبوظبي للأوراق المالية.
مبادرات إماراتية في 2020
ولفت التقرير إلى أن عام 2020 شهد إطلاق عدة مبادرات جديدة في الإمارات بهدف تعزيز نشاط الاكتتابات العامة في السنوات المقبلة. وكانت التعديلات على الملكية الأجنبية ومتطلبات الإدراج من أهم هذه المبادرات، حيث تشمل تغييرات كبيرة في اللوائح الناظمة لعمل الشركات التجارية، وتلغي الشرط التاريخي الذي يفرض أن يكون 51 في المئة من رأس مال الشركة على الأقل مملوكاً لمواطنين إماراتيين، وأصبح يحق للأجانب الآن امتلاك 100 في المئة من أسهم الشركات المحلية.
كما امتدت هذه التغييرات لتشمل نشاط الاكتتابات العامة، فضلاً عن صفقات الاندماج والاستحواذ. وأصبح يحق لمؤسسي الشركات المساهمة الخاصة طرح ما يصل إلى 70 في المئة من رأس مالهم في الشركة عن طريق الاكتتاب العام، بدلاً من نسبة 30 في المئة في السابق. كما يمكن رفع هذا الحد بعد الحصول على موافقة هيئة الأوراق المالية والسلع في دولة الإمارات.
وقالت أليسون هوبارد، رئيس القسم القانوني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى "إرنست أند يونغ"، إن التعديلات على قانون الشركات في عام 2020 تعد فاتحة خير للتطور الشامل للأسواق المالية في الإمارات، وبعد زيادة المرونة تجاه الملكية الأجنبية والتعديلات التي تناولت شروط الجنسية لأعضاء مجلس الإدارة وزيادة نسبة رأس المال المسموح للمالكين طرحه للاكتتاب العام، على سبيل المثال لا الحصر، فمن المتوقع أن يزداد عدد الاكتتابات العامة المرشحة للإدراج في الإمارات.