قبل أيام قليلة، بدأت المجالس التشريعية في 43 ولاية أميركية يسيطر عليها الجمهوريون مناقشة 253 مشروع قانون لتغيير قوانين الانتخابات السارية وبخاصة التصويت المبكر والتصويت بالبريد.
في المقابل، أقر قبل ساعات مجلس النواب الأميركي الذي يسيطر عليه الديمقراطيون مشروع قانون شامل لتوسيع حقوق التصويت الفيدرالية ومواجهة جهود الجمهوريين لوضع حواجز أمام التصويت، ما فتح الباب أمام معركة محتدمة في مجلس الشيوخ، في حين أعطت المحكمة العليا الأميركية التي يسيطر عليها المحافظون إشارات إلى أنها تتجه إلى تأييد إجراءات تقييدية للانتخابات في ولاية أريزونا، كانت ستوسع حقوق تصويت السود والملونين والسكان الأصليين. فما طبيعة هذا الصراع المتزايد على كل الجبهات، وكيف يمكن أن يؤثر على الانتخابات النصفية العام المقبل، والانتخابات الرئاسية عام 2024؟
مخاطر هائلة
أظهر بروز الجدل من جديد بين الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس الأميركي، وفي المجالس التشريعية للولايات، وفي المحكمة العليا، المخاطر الهائلة للنزاع على قوانين الانتخابات، سواء بالنسبة إلى كيفية ممارسة الأميركيين لحقهم في التصويت أو بالنسبة إلى كيفية تجميع كل من الحزبين عناصر قوته السياسية للحفاظ على بقائه في السلطة وفي دائرة صنع القرار. فبينما سعى الحزبان على مدى عقود داخل الكونغرس إلى تسهيل إجراءات الاقتراع وحث الناخبين على الإدلاء بأصواتهم، أصبحت هذه القضية خلال السنوات الأخيرة مسألة حزبية بشكل حاد، حيث أدت التغيرات التي شهدتها التركيبة السكانية في الولايات المتحدة والائتلافات السياسية إلى وصول الجمهوريين إلى قناعة بأنهم يستفيدون من ضعف مشاركة الناخبين بخاصة في المدن والمناطق الحضرية حولها، في حين يحرص الديمقراطيون على توسيع هامش مشاركة التصويت لضمان مشاركة الأقليات العرقية في الانتخابات والتي تصوت لهم تقليدياً.
وعلى الرغم من أن مشروع القانون الذي تم تبنيه على أسس حزبية بأغلبية 220 صوتاً مقابل 210، سوف يشكل إذا أصبح قانوناً، أهم توسيع لحقوق التصويت الفيدرالي منذ الستينيات، فإنه يفتح الباب على مصراعيه لمعركة جديدة ضمن نقاش وطني محتدم في مجلس الشيوخ وفي وسائل الإعلام حول قوانين الانتخابات، لأن القانون المكون من 791 صفحة يهدف إلى مواجهة الحزب الجمهوري ومحاولاته تضييق الخناق على وصول مزيد من الناخبين إلى صناديق الاقتراع.
سبب الخلاف
ويكمن الخلاف الجوهري بين الديمقراطيين والجمهوريين في أهداف كل منهما وكيفية الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف. فبالنسبة إلى الديمقراطيين يهدف القانون إلى فرض متطلبات جديدة شاملة على المستوى الوطني بحيث تيسر التسجيل التلقائي للناخبين، وتوسع التصويت المبكر وعبر البريد، وتجعل من الصعب تطهير قوائم الناخبين واستعادة حقوق التصويت للمسجونين السابقين، والقضاء على التلاعب الحزبي، وفرض شفافية جديدة على الأموال غير معلومة المصدر المستخدمة في تمويل الحملات، وتشديد المعايير الأخلاقية، وهي جميعها تغييرات تستهدف زيادة مشاركة الناخبين، بخاصة بين الأقليات العرقية التي تميل للتصويت لصالح الديمقراطيين.
لكن الجمهوريين بدأوا بالفعل قبل أسابيع معركتهم داخل المجالس التشريعية للولايات في جميع أنحاء البلاد لسن قوانين تضع حواجز جديدة أمام عملية التصويت، من شأنها أن تعزز من قدرة الحزب الجمهوري على الفوز بأصوات أكثر في الانتخابات الفيدرالية للكونغرس والرئاسة بعد ما نجحت الولايات الخاضعة لسيطرة المحافظين في السنوات الأخيرة في فرض قيود جديدة تقول الدراسات إنها تؤثر على الناخبين السود وأولئك الذين يعيشون في المناطق الحضرية.
وعلى الرغم من أن الجمهوريين لم يجادلوا بشكل صريح أنهم يريدون جعل التصويت أكثر صعوبة، فإنهم استندوا إلى منطق يقول إن الولايات وليس الحكومة الفيدرالية هي الأقدر على تحديد كيفية إجراء انتخاباتها بنزاهة، وأن مشروع القانون الذي تم اعتماده في مجلس النواب سيؤدي إلى تفشي التزوير لصالح المرشحين الليبراليين بعد مزاعم كاذبة عن تفشي تزوير الانتخابات والتي أطلقها الرئيس السابق دونالد ترمب.
وبحسب مركز "برينان للعدالة" في جامعة نيويورك وهو منظمة غير ربحية معنية بقوانين التصويت، شرعت 43 ولاية بما في ذلك الولايات المتأرجحة الرئيسة في طرح 253 مشروع قانون سوف تزيد الحواجز أمام عمليات التصويت، مثل خفض عدد أيام التصويت المبكر وإضافة قيود تحد من التصويت عبر البريد، فيما أعطى الجمهوريون الأولوية لعدد من المتطلبات الأمنية الجديدة.
جورجيا نموذجاً
وعلى سبيل المثال، يطرح المشرعون في ولاية جورجيا التي فاز فيها الرئيس جو بايدن بفارق نحو 12 ألف صوت على ترمب، عدة مشاريع قوانين لتغيير قواعد التصويت التي يراها الجمهوريون محاولة لاستعادة ثقة الناخبين بعد الجدل حول النظام الانتخابي، بينما يرى الديمقراطيون أنه جدل ليس له أساس بعد عمليات التدقيق التي أشارت إلى دقة فرز الأصوات في جورجيا، وأن الدعاوى القضائية التي رفعتها حملة ترمب هناك وفي ولايات أخرى، فشلت في إثبات مزاعم ترمب الذي سعى إلى تشويه عملية التصويت، بل وطالب سكرتير عام ولاية جورجيا بتغيير مجموع الأصوات ليكون في صالحه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن بين التعديلات المحدثة في هذه القوانين أن تصدر تعليمات لمقاطعات ولاية جورجيا بعدم زيادة أيام التصويت المبكر على 17 يوماً، وهو ما يتسبب في الازدحام خلال الاقتراع داخل المقاطعات المكتظة بالسكان التي حددت في انتخابات عام 2020 مدداً زمنية أطول للتصويت المبكر.
ويعتبر الديمقراطيون أن المدن والمناطق الحضرية المجاورة التي يصوت سكانها تقليدياً دعماً للمرشحين الديمقراطيين هي الأكثر تضرراً، لأن خفض أيام التصويت المبكر سيجعل الأمر أكثر صعوبة وسيخرج عدد كبير من الناخبين من عملية التصويت المبكر، بخاصة إذا كان التصويت عبر البريد مقيداً بإجراءات أخرى مثل منع التصويت المبكر، يوم الأحد، وهو اليوم الذي تستضيف فيه كنائس الأميركيين الأفارقة صلوات تدفع الناخبين إلى التصويت، وهو ما تؤكده الأرقام.
إصلاح جمهوري
وعلاوة على ذلك، أضاف الجمهوريون مشروع قانون آخر يعتبرونه إصلاحاً أساسياً بعد توسع التصويت بالبريد، ويتعلق بتعزيز فحص بطاقات الهوية عند طلب الناخبين التصويت غيابياً بسبب سفرهم أو مرضهم، وهو ما يرى الديمقراطيون أنه سيؤدي إلى حرمان بعض الناخبين من حق التصويت، ويعتبرون أن السبب وراء مشاريع قوانين الانتخابات الجديدة يعود إلى خسارة الجمهوريين الانتخابات، ويشيرون إلى تصريح سابق أدلى به السيناتور ليندسي غراهام، 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، اعتبر فيه أن الاقتراع عبر البريد كابوس بالنسبة إلى الجمهوريين، وحذر من أنه من دون تغييرات في نظام الانتخابات، لن يفوز الجمهوريون مرة أخرى بالرئاسة.
وطالب غراهام الجمهوريين في مجلس الشيوخ في اليوم التالي بإجراء مراجعة على الاقتراع عبر البريد، مؤكداً أنه إذا لم يفعلوا شيئاً بشأن ذلك، فسوف يفقدون القدرة على انتخاب سيناتور جمهوري في الولايات المتحدة.
غير أن الجمهوريين فقدوا السيطرة على مجلس الشيوخ في يناير (كانون الثاني)، ما حد من قدرة غراهام على تحقيق ما طالب به، لكن الحزب الجمهوري لا يزال يسيطر على معظم المجالس التشريعية للولايات التي تسن معظم قوانين الانتخابات.
بدائل الديمقراطية
وبينما تصف ميرنا بيريز، من مركز "برينان"، تغيير قوانين الانتخابات في معظم الولايات بأنه نمط مثير للقلق، وأنها هجمة على أساليب المشاركة التي استخدمها الناخبون البيض من كبار السن لفترة طويلة جداً، قال بادي كارتر عضو مجلس النواب الأميركي، إن التصويت الغيابي يحتاج في جورجيا إلى تطهير وإعادة ضبط؛ لأنك إذا أدليت بصوتك شخصياً في لجنة اقتراع، فإن الأمر يتطلب توفر بطاقة هوية تحمل صورة، بينما في التصويت الغيابي يتطلب الأمر مطابقة التوقيع فقط، وهو أمر ليس صائباً.
ويخشى بعض المحافظين الذين خرجوا من الحزب الجمهوري من أن الجمهوريين يستهدفون العملية الانتخابية من خلال هذه التغييرات المقترحة في قانون التصويت لأنهم يرون البلاد تبتعد عنهم بسبب التغيير الديموغرافي الذي تشهده الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، ولهذا يبحثون عن بدائل للديمقراطية، بما في ذلك الاستبداد. لكن الجمهوريين يؤكدون أنهم يدفعون إلى تغيير قوانين التصويت بناءً على حث الناخبين الجمهوريين الذين يتشككون في نزاهة الانتخابات ويسيرون على خطى الرئيس السابق، الذي لا يزال شخصية مهيمنة في الحزب على الرغم من محاولته إلغاء الانتخابات الديمقراطية.
...والمحكمة العليا
وخلال اليومين الماضيين انضمت المحكمة العليا التي يهيمن عليها المحافظون إلى السجال المستمر حول حقوق التصويت، حيث أشارت المحكمة إلى أنه من المرجح أن تؤيد اثنين من الإجراءات التقييدية للانتخابات في ولاية أريزونا، ومن المحتمل أن تتراجع أكثر عن قانون حقوق التصويت لعام 1965 حيث ألغى حكم صدر من القضاة عام 2013 أحكام الإنفاذ الرئيسة وساعد على تمهيد الطريق لنجاح العديد من الولايات التي يقودها الجمهوريون في وضع قواعد جديدة.
فشل محتوم
وعلى الرغم من جهود الديمقراطيين لاستعادة السيطرة على سن قوانين الانتخابات وسعادتهم الغامرة بإقرار المشروع في مجلس النواب، فإن هذا الإجراء الذي يدعمه الرئيس بايدن يبدو أنه محكوم عليه بالفشل في الوقت الحالي داخل مجلس الشيوخ، حيث ستجعل المعارضة الجمهورية من المستحيل تقريباً إقرار القانون بأغلبية الـ60 صوتاً اللازمة لاعتماده وفقاً لآلية التعطيل التشريعي المعمول بها منذ سنوات في مجلس الشيوخ، ما يعني أن الديمقراطيين يحتاجون إلى انضمام 10 جمهوريين معهم.
مع هذا تعهد القادة الديمقراطيون بطرح مشروع القانون للتصويت على أي حال، بينما يخطط التقدميون في الحزب الديمقراطي لاستخدام عرقلة الجمهوريين لمشروع القانون، كي يتذرعوا بها وتكون سبباً مقنعاً للضغط على الديمقراطيين المعتدلين من أجل التخلي عن آلية التعطيل التشريعي في الأشهر المقبلة.
لجان مستقلة
وإضافة إلى التباينات السابقة، هناك خلاف أكبر يتمثل في تضمين مشروع القانون فقرات حول تقسيم الدوائر الحزبية لمقاعد مجلس النواب، ويتطلب ذلك من الولايات استخدام لجان مستقلة في ترسيم الدوائر بناءً على مقاييس غير سياسية، عوضاً عن القواعد الحالية التي تزيد تأثير حزب على آخر في ترسيم الدوائر الانتخابية كل عشر سنوات والتي استفاد منها الجمهوريون أكثر خلال العقد الماضي. كما يتوقع أن يحقق الجمهوريون مكاسب أكبر مع ترسيم الدوائر الجديدة في الخريف المقبل.
معركة مقبلة
وفيما يعتزم الديمقراطيون إجراء تصويت منفصل في الأشهر المقبلة على تشريع لاستعادة أحكام إنفاذ قانون حقوق التصويت الذي ألغته المحكمة العليا، إلا أن التحدي الذي يواجه الديمقراطيين هو أن تمرير أي من مشاريع القوانين من مجلس النواب الذي يسيطرون عليه بهامش ضئيل إلى مجلس الشيوخ المتعادل 50-50، يجعلهم دائماً في حاجة إلى دعم 10 جمهوريين.
وخلال الأسابيع الأخيرة رفض الديمقراطيون تغيير قواعد إقرار القوانين في مجلس الشيوخ للسماح لهم بتمرير التشريع بأغلبية 51 صوتاً (بحساب تصويت نائب الرئيس كامالا هاريس) بدلاً من 60 صوتاً بحسب آلية التعطيل، لكن المدافعين عن إلغاء التعطيل من التقدميين يراهنون على أن مشاريع القوانين المتوقفة يمكن أن تثبت في النهاية أنها الأكثر إقناعاً لتغيير موقف أعضاء مجلس الشيوخ المعتدلين في الحزب الجمهوري الذين يترددون حتى الآن في دعم هذه الخطوة.