أثار توقيع السودان ومصر اتفاق تعاون عسكري، يغطي مجالات التدريب وتأمين الحدود، على هامش زيارة رئيس أركان الجيش المصري الفريق محمد فريد للعاصمة الخرطوم للمشاركة في الاجتماع السابع للجنة العسكرية السودانية المصرية المشتركة، تساؤلات وتفسيرات عدة من ناحية أبعاد هذا الاتفاق، خصوصاً أنه يأتي في ظل أجواء متوترة من ناحية البلدين مع إثيوبيا، بسبب الإخفاق في التوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة، فضلاً عن الحشود العسكرية على الحدود السودانية الإثيوبية على إثر خلافهما على ترسيم الحدود، وغيرها من التحديات.
وبحسب محمد فريد، فإن القاهرة تسعى لترسيخ الروابط والعلاقات مع الخرطوم في كل المجالات، خصوصاً العسكرية والأمنية، والتضامن كنهج استراتيجي تفرضه البيئة الإقليمية والدولية، لافتاً إلى أن البلدين يواجهان تحديات مشتركة، وأن هناك تهديدات متعددة تواجه الأمن القومي في الدولتين.
وفيما نوه فريد إلى استعداد بلاده لتلبية كل طلبات الجانب السوداني في المجالات العسكرية كافة من تدريب وتسليح وتأمين الحدود المشتركة، أكد أن مستوى التعاون العسكري مع السودان غير مسبوق. مضيفاً أن "تعدد وخطورة التهديدات المحيطة بالأمن القومي والمصالح المشتركة تستدعي التكامل بين الأشقاء".
في حين أوضح رئيس أركان الجيش السوداني الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين، أن الهدف من هذا الاتفاق هو تحقيق الأمن القومي للدولتين، لبناء قوات مسلحة مليئة بالتجارب والعلم، معضداً مساعي مصر الحميدة، ووقوفها إلى جانب السودان في المواقف الصعبة.
البناء العسكري
وتعليقاً على أبعاد هذا الاتفاق، قال الناطق الرسمي السابق للقوات المسلحة السودانية الفريق أول معاش محمد بشير، "من المعلوم أن قانون الاتفاقيات العسكرية يجري بين الدول في إطار حماية الأمن القومي لكلا الطرفين، لأنه يصعب على دولة واحدة بناء قدرات عسكرية مثل السودان الذي يقع على أرض شاسعة، ويجاوره ما يزيد على ثماني دول، وساحل بحري طويل واستراتيجي. ومصر والسودان يواجهان تهديدات كبيرة جداً ترتبط بالأمن المائي، ومن أهمها سد النهضة وإصرار إثيوبيا على ملئه وتشغيله من دون اتفاق يحمي الطرفين من السد وتأثيراته على الأمن الغذائي والمائي والسكاني، فالقاهرة لا تسمح بما يهدد أمنها المائي، وليس لها حدود مباشرة مع أديس أبابا، وفي حال أصرت الأخيرة على تنفيذ استراتيجيتها الخاصة بسد النهضة من دون مراعاة الأطراف المعنية، فإن السودان سيكون المدخل المباشر والاستراتيجي لمصر في هذا الصراع".
وزاد بشير، "السودان مهدد من ناحية إثيوبيا في حدوده الشرقية، ومن أجل حماية أمنه القومي، وردع الطرف الإثيوبي، فإنه يحتاج إلى مناصرين، كما أنه لا توجد دولة تستطيع لوحدها أن تبني قوات مسلحة بتكاليفها العالية، لذلك جاءت هذه الاتفاقية العسكرية مع الجانب المصري للمناصرة في استثمار النواقص والبناء العسكري لتحقيق الأمن القومي، والتدريب والتأهيل، وتبادل الخبرات والمعرفة، فهي كذلك تعضد مخرجات اتفاقية السلام التي وقعت في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة، من ناحية المحافظة على البنية الهيكلية القديمة للقوات المسلحة السودانية في إطار تنفيذ الترتيبات الأمنية التي على ضوئها سيجري ضم قوات جديدة للجيش تابعة للحركات المسلحة، بعيداً عن البعد الجهوي الذي تخشاه مصر".
وبين الناطق الرسمي السابق للقوات المسلحة السودانية، أن الخرطوم بموقعها الجيواستراتيجي والجيوسياسي، وتكالب كثير من الدول عليها يجعل الاتفاق العسكري مع مصر يعضد أمن البحر الأحمر الذي يستوعب 60 في المئة من التجارة العالمية، فضلاً عن كونه مدخلاً للإرهاب. منوهاً إلى أنه مع اعتبارية حلايب وشلاتين محل الخلاف بين البلدين، إذ لن تنسى الذاكرة بأنهما جزء من الأراضي السودانية، لكن قد يأتي الاتفاق العسكري بمداخل أخرى تقود لترتيب في إطار المصالح المشتركة بين الدولتين.
مهددات أمنية
في المقابل يوضح المتخصص في إدارة الأزمات والتفاوض اللواء أمين إسماعيل مجذوب، أن "هذا الاتفاق العسكري بين البلدين، يأتي في إطار عدد من الجولات والزيارات والتمارين العسكرية خلال العام الماضي. كما أن هناك تحديات عدة تلزم الدولتين الاندماج العسكري وعقد الاتفاقيات والبروتوكولات، من أهمها ما يدور من مهددات أمنية على حدود السودان الشرقية من الجانب الإثيوبي، وكذلك ما يجري في ليبيا من أحداث وتأثيرها على مصر والسودان من خلال دخول حدود البلدين العناصر الراديكالية والجماعات الرافضة للحوار الليبي الداخلي، فضلاً عن التهديد الإثيوبي من ناحية سد النهضة وفرض أديس أبابا سياسة الأمر الواقع والقرار الأحادي بملء السد وإكمال بنائه من دون أي اتفاق مع دولتي المصب. أيضاً من دواعي هذا الاتفاق ما يشهده القرن الأفريقي من تطورات وغليان خصوصاً في جانب العلاقات مع إسرائيل، ووصول سفن أميركية وروسية على ساحل البحر الأحمر قبالة ميناء بورتسودان، فهناك تدافع دولي على سواحل السودان الشرقية، كما أن مصر تخشى من تمدد إسرائيل على حدودها الجنوبية في ظل تطور علاقات الأخيرة مع الخرطوم، وهو ما تعتبره القاهرة تهديداً لأمنها القومي ما يجعلها تستبق هذه التطورات بالتوقيع على هذا الاتفاق العسكري مع الجانب السوداني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع مجذوب، "ما يشعر به السودان من احتمال لوقوع حرب مع الجارة إثيوبيا، يجعله يسعى لحشد قواه وتقوية مقدراته القتالية والعسكرية من خلال استراتيجية يجري تنفيذها مع عدد من الدول المجاورة والصديقة، وقد تتطور هذه الاتفاقية مع مصر أسوة باتفاقية الدفاع المشترك التي وقعت بين الدولتين منتصف سبعينيات القرن الماضي، ومن المؤكد أن الزيارة المرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للخرطوم من شأنها أن تجعل هذه الاتفاقية ذات تأثير كبير على المنطقة عامة، سواء على ملف التوترات على الحدود السودانية الإثيوبية، أو سد النهضة، أو ملف اتفاقية تقاسم مياه النيل".
ولفت إلى أن التحالفات أو الاتفاقيات العسكرية مع مصر بمثابة إشارة لإثيوبيا وليبيا وإريتريا بأن السودان خط أحمر، وأنه يمثل العمق والأمن القومي المصري، لذلك لن تسمح القاهرة بأي تهديد للخرطوم يؤثر في أمنها القومي. كما أن وجود قواعد أميركية وروسية على ساحل البحر الأحمر يجعل السودان رقماً لا يمكن تجاوزه في المنطقة، بالتالي فإن مصر تريد من خلال هذه الاتفاقية أن يكون لها وجود في السودان يتيح لها متابعة التطورات السياسية والعسكرية مما يجعل عينها على مناطق التأثير والاهتمام في البلاد.
وأضاف المتخصص في إدارة الأزمات والتفاوض، "كذلك من أبعاد هذا الاتفاق، أن ما حدث بشأن السيطرة على الموانئ السودانية بوصول تركيا لاستئجار ميناء سواكن، والعرضين الإماراتي والقطري لتأهيل ميناء بورتسودان، ثم قدوم واشنطن وموسكو لسواحل السودان الشرقية يجعل حرب الموانئ دافعاً لمصر لتكون قريبة من أي تطورات في هذا الاتجاه حتى لا تتأثر قناة السويس باعتبارها عصب الاقتصاد المصري". مؤكداً أن هذا الاتفاق العسكري بمثابة تحالف الضعفاء للوقوف أمام التحركات الأميركية والروسية والتركية، إذ إنه تحالف ثنائي ليس له علاقة بأي تحالف دولي".
دعم الشراكة
وتناولت اجتماعات اللجنة العسكرية السودانية المصرية المشتركة، عدداً من الملفات التي تدعم مجالات الشراكة بين البلدين، كما أسفرت عن الاتفاق على تعزيز التعاون العسكري والأمني بين القاهرة والخرطوم، خصوصاً في مجالات التدريبات المشتركة والتأهيل وأمن الحدود، ونقل وتبادل الخبرات العسكرية والأمنية.
والتقى رئيس أركان الجيش المصري، خلال هذه الزيارة، كلاً من رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح برهان، ووزير الدفاع السوداني اللواء ركن يسن إبراهيم يسن، ورئيس هيئة الأركان المشتركة في السودان، حيث جرت مناقشة تعزيز العلاقات المصرية السودانية، باعتبارها علاقات ذات طبيعة استراتيجية تقوم على التعاون لتحقيق متطلبات الحفاظ على الأمن القومي لكلتا الدولتين، فضلاً عن بحث الموضوعات ذات الاهتمام المشترك للبلدين، بما يسهم في التصدي للتحديات المشتركة.
لقاء وزيري الخارجية
وتزامن هذا الاتفاق العسكري مع زيارة وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي للقاهرة، الثلاثاء، التي التقت خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجية سامح شكري، وناقشت معهما التنسيق بين البلدين في القضايا الإقليمية محل الاهتمام المشترك حالياً، وعلى رأسها سد النهضة، والنزاع الحدودي بين الخرطوم وأديس أبابا، وملف التعاون المشترك.
وأكدت المهدي، خلال مؤتمر صحافي في ختام زيارتها، التزام بلادها بالوصول إلى اتفاق بأطر قانونية واضحة بشأن تعبئة وتشغيل سد النهضة، مشددة على أهمية حسم كل الملفات المتعلقة بالسد قبل بدء الملء الثاني، وأعربت عن أملها في عودة إثيوبيا إلى المفاوضات بصورة جادة.
وأشارت إلى أن الحكومة منفتحة على جعل الحدود السودانية الإثيوبية منطقة تعاون، لكن بعد ترسيمها، مؤكدة أنها مع حل هذه القضية بالوسائل الدبلوماسية.
فيما نوه وزير الخارجية المصري، في المؤتمر الصحافي، إلى أن القاهرة مستمرة في محاولة التوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة يحمي مصالح الشعوب الثلاثة. مؤكداً أن لدى البلدين كل الأطر لتوثيق العلاقات، خصوصاً في المجال الاقتصادي.