وضع إعلان إثيوبيا نيتها القيام في يوليو (تموز) المقبل بعملية الملء الثاني لسد النهضة، الواقع في مجرى النيل الأزرق على بعد 20 كيلو متراً من الحدود السودانية بسعة 74 مليار متر مكعب، السودان أمام اختبار صعب من ناحية كيفية تدارك الآثار الناجمة عن هذا القرار، والتعامل معه بعد أن أصبح واقعاً ماثلاً، فضلاً عن تداعياته بشكل عام، وما الخطوات التي يجب أن تتبعها الحكومة السودانية في التعامل مع هذا الملف.
يوضح الخبير السوداني في القانون الدولي للمياه وممثل السودان السابق في مفاوضات سد النهضة أحمد المفتي، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أنه "إذا قامت إثيوبيا بعملية الملء الثاني لسد النهضة في يوليو المقبل، فإن حق السودان قد ضاع بالفعل، لأن هذه العملية ستكون بمثابة قنبلة مائية موقوتة تستخدمها إثيوبيا كورقة ضغط سياسي لتنفيذ مآربها وأهدافها المختلفة متى ما شاءت، بالتالي سيكون السودان تحت رحمتها لتحكمها الكامل في مياه النيل الأزرق، لأن السعة التخزينية للسدود السودانية بسيطة جداً، إذ تبلغ سعة سد الروصيرص أقرب السدود لسد النهضة 7 مليارات متر مكعب، مما سيكون تأثير هذا الملء بالغ للغاية".
ضوء أخضر
وأضاف المفتي، "في نظري أن السودان ومصر تنازلا عن حقوقهما المائية منذ الإعلان عن بناء هذا السد في عام 2011، حيث كان يجب عليهما الاعتراض على بنائه، وألا يتم تشييده إلا وفق الشروط التي يحددانها، لكن للأسف قاما بإعطاء أديس أبابا الضوء الأخضر، والآن يريدان تدارك الأمر من خلال المفاوضات مع الجانب الإثيوبي الذي أمن موقفه تماماً، بعد فوات الأوان، وهو أمر يصعب تلافيه، فليس أمام الخرطوم والقاهرة غير اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لتقديم شكوى لحسم هذا الملف بموجب الفصل السابع، وهو الخيار الأفضل، وهناك خيار الحرب كخيار ثان، وهو خيار غير قانوني، لكن له حسابات أخرى".
ولفت ممثل السودان السابق في مفاوضات سد النهضة، إلى أن "المخاطر المحدودة الناجمة عن الملء الثاني لهذا السد، والتي تتمثل في نقص الكهرباء والتأثير على المشاريع الزراعية، هي آثار بسيطة بالنظر إلى كونه يشكل تهديداً مباشراً على سيادة البلد، فقد حصل بالفعل سيطرة على السودان من قبل إثيوبيا، بل إن الأمر قد يمتد إلى أبعد من ذلك بأن اكتمال عملية الملء الثاني سيغير في استراتيجية المنطقة بشكل كامل، لذلك كان يجب محاسبة من أوصلنا إلى هذا الحد، لأنه بسبب هذه الأخطاء الجسيمة دفعنا كشعب سوداني ثمناً غالياً لا يمكن تعويضه".
تحكم في المياه
في حين أشار وزير الري والموارد المائية سابقاً في السودان عثمان التوم، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن "من وجهة نظره الشخصية أن أديس أبابا ستتجه في يوليو المقبل إلى ملء السد، في خطوة مربوطة بالانتخابات العامة في إثيوبيا، والقيام بتوليد الكهرباء كأهم إنجاز للحكومة الإثيوبية، ما يجعلها مطمئنة لكسب ولاء الشارع الإثيوبي وصوته في تلك الانتخابات. وبحسب علمي فإن السودان كوّن مجموعة عمل من الخبراء المختصين في هذا الشأن للنظر في هذه القضية، وبالفعل وضعت هذه المجموعة عدة توصيات رُفعت لوزير الري السوداني الذي بدوره شكل لجنة لدراسة هذه التوصيات والمطلوب اتباعه من خطوات ومواقف للتعامل مع هذه المستجدات والملف بشكل عام".
وتابع التوم، "بلا شك، فإن الجانب السوداني سيبحث كل الاحتمالات الممكنة لاتباعها في هذا المسار، لكن من المؤكد أن السودان سيتأثر من جراء الملء الثاني للسد، ففي السابق كان التعامل مع إيرادات مياه النيل الأزرق يتم بشكل طبيعي، من دون أن يكون هناك تدخل وتحكم في إيرادات المياه كما يحدث الآن. فمن حيث الفكرة ليس هناك اعتراض عليها من قبل الجانب السوداني، بقدر ما يحتاج السودان فقط إلى المعلومات اليومية الدقيقة لبرنامج الملء والتشغيل حتى يكون ملماً بتفاصيل هذه العملية، لكي يقوم بتنظيم أموره بالشكل المطلوب على ضوء البرنامج المحدد من قبل الجانب الإثيوبي، بخاصة وأن 80 في المئة من المشاريع المروية في السودان تعتمد في الري على مياه النيل الأزرق، وكذلك توليد الكهرباء، فهي منظومة متكاملة تعمل مع بعضها البعض، فهذه المعلومات مهمة جداً للجهات المختصة في وزارة الري السودانية حتى تستطيع أن تضع خططها على ضوء وارد المياه، بخاصة وأن سدود السودان صغيرة من حيث السعة التخزينية وتعتمد على مسألة التوقيت".
وأضاف وزير الري والموارد المائية السابق في السودان، "في رأيي يجب على الأطراف المعنية بقضية السد حل القضايا المفصلية بالتي هي أحسن، ولا بد من تنشيط اللجان المشتركة بين السودان وإثيوبيا على الرغم من أن الأجواء ملبدة بالغيوم والفتور، لبحث قضايا التعاون واعتماد الحل الودي في كافة القضايا المصيرية بين البلدين، ومنها قضية سد النهضة، وهنا يجب على القيادتين التدخل لدفع هذا العمل إلى الأمام، فالبلدان محتاجان لبعضهما البعض، حيث يعانيان من الفقر بسبب نقص الغذاء والسلع الاستراتيجية، واستفحال الأزمة الاقتصادية".
تهديد مباشر
وكان رئيس مجلس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، رأس في الأربعاء 17 فبراير (شباط) الحالي الاجتماع الأول للجنة العليا لمتابعة ملف سد النهضة الإثيوبي، بحضور أعضاء اللجنة "وزراء شؤون مجلس الوزراء، والخارجية، والري والموارد المائية، ومدير عام جهاز المخابرات العامة، ومدير عام هيئة الاستخبارات العسكرية وسفير السودان لدى إثيوبيا، وأعضاء فريق التفاوض".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب بيان صادر عن مجلس الوزراء السوداني، فإن الاجتماع ناقش الجمود الحالي في مفاوضات سد النهضة مقروناً بانتقال رئاسة الاتحاد الأفريقي من دولة جنوب أفريقيا لجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومقترح السودان الداعي لتعضيد المسار الأفريقي بتحويله لمسار رباعي يمثل فيه "الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأميركية"، على أن تلعب الأطراف الأربعة دور وساطة وتسهيل في المفاوضات بدلاً عن الاكتفاء بدور المراقبين.
وأشار البيان إلى أن الاجتماع استعرض التصريحات الإثيوبية المتكررة حول عزمها الأحادي على البدء في الملء الثاني للسد في يوليو المقبل من دون التوصل لاتفاق حول تبادل المعلومات، ما يشكل تهديداً مباشراً لسد الروصيرص، بالتالي على منظومات الري وتوليد الكهرباء ومحطات مياه الشرب على طول نهر النيل الأزرق داخل الحدود الوطنية، ونهر النيل الرئيس حتى مدينة عطبرة (شمال الخرطوم)، الأمر الذي يشكل أيضاً تهديداً للأمن القومي السوداني.
كما أوضح البيان، أن الاجتماع تناول التحوطات اللازمة التي اتخذتها الأجهزة والمؤسسات الوطنية المختلفة للحد من الآثار السلبية المتوقعة على شبكات الري والتوليد الكهربائي نتيجة الملء الأحادي للسد للسنة الثانية. فضلاً عن التأمين على مقترح فريق التفاوض بالمضي قدماً في التواصل مع الأطراف الدولية الأربعة لشرح فكرة الوساطة الدولية الرباعية حول سد النهضة.
أديس أبابا غير معنية بفشل التوصل إلى اتفاق
وكان وزير الموارد المائية والري الإثيوبي، سيليشي بيكيلي قد أعلن، الجمعة 6 فبراير، أن أديس أبابا غير معنية بفشل التوصل إلى اتفاق، وأن تعطيل مفاوضات السد خلال الجولات السبع الماضية، التي كان يرعاها الاتحاد الأفريقي، ليست مسؤولية حكومته.
وذكر بيكيلي، وفق ما نقلت عنه هيئة الإذاعة والتلفزيون الإثيوبية، أن الأعمال الهندسية في بناء السد وصلت إلى 91 في المئة، وأن بلاده ستبدأ عملية الملء الثانية لبحيرة سد النهضة خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وجدد الوزير الإثيوبي الجدل بتصريحات مماثلة في 7 فبراير حين قال فيها، إن بلاده ترفض أي اتفاق يحيد عن إعلان المبادئ بشأن السد الموقع في مارس (آذار) 2015، معتبراً أن أديس أبابا "مرنة جداً" في المفاوضات.
وبحسب الوزير بيكيلي، فإن مشاكل خطيرة ظهرت في المفاوضات الثلاثية بسبب "حملة تشويه" للسد، لافتاً إلى أن مصر والسودان لم تتمكنا من التوصل إلى اتفاق بإثارة "آراء متناقضة" وأنهما يتخذان مساراً يعطل المفاوضات التي تسعى إثيوبيا إلى إنهائها بشكل مرض لجميع الأطراف".
وأوضح "يجري بناء سد النهضة بشكل سريع، ومن المتوقع أن يخزن 13.5 مليار متر مكعب من المياه في موسم الأمطار المقبل".
مواقف الدول الثلاث
بالرجوع إلى مواقف الدول الثلاث المعنية بملف سد النهضة "مصر، السودان، وإثيوبيا"، نجد أن السودان اعترض مرات عدة على مواصلة التفاوض بشأن هذا الملف في ضوء الحوار المباشر بين الأطراف الثلاثة، مطالباً بمنح الفرصة الكافية للخبراء التابعين للاتحاد الأفريقي ودفع المفاوضات سياسياً، للوصل إلى اتفاق يرضي كل الأطراف.
بينما تصر مصر وإثيوبيا على مواصلة التفاوض المباشر، فيما ترى مصر أن سد النهضة يهدد تدفق مياه النيل التي ينبع معظمها من النيل الأزرق، ما يحمل تداعيات مدمرة بالنسبة لاقتصادها ومواردها المائية والغذائية، وتتخوف من تأثير سلبي محتمل للسد على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب.
في حين سبق وأكد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، أنه لا توجد قوة يمكنها أن تمنع بلاده من تحقيق أهدافها التي خططت لها بشأن سد النهضة، عقب تحذير للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، من إمكانية قصف مصر للسد الإثيوبي. حيث ترى إثيوبيا أن السد، الذي تبلغ تكلفته 4.6 مليار دولار، سيكون محركاً للتنمية لتنتشل ملايين المواطنين من براثن الفقر.
سدود السودان
يوجد في السودان حالياً 6 سدود قائمة، تستغل في تخزين المياه وتوفير الطاقة الكهربائية، كما توجد عدة مشاريع أخرى تتمثل الغاية الأساسية منها في إنتاج الطاقة الكهربائية.
وتشمل هذه السدود، سد الروصيرص وهو سد كهرومائي خرساني، شيد على نهر النيل الأزرق عام 1952، ويبلغ ارتفاعه 78 متراً، بينما تصل طاقته التخزينية إلى 7.1 مليار متر مكعب، في حين تصل طاقته الكهربائية إلى 1800 ميغاواط.
ومجمع سدي أعالي عطبرة وستيت، وهو عبارة عن سدين ترابيين بنواة طينية، لتخزين المياه وإنتاج الطاقة الكهربائية، إذ يبلغ ارتفاع سد عطبرة 58 متراً، في حين أن ارتفاع سد ستيت يصل إلى 55 متراً، وتصل الطاقة التخزينية لهما إلى 3.7 مليار متر مكعب، بينما تصل الطاقة الكهربائية إلى 320 ميغاواط.
وهناك سد مروي، الذي يعتبر من السدود الحديثة في البلاد، وهو عبارة عن سد كهرومائي خرساني شيد على نهر النيل، حيث اكتمل بناؤه عام 2009، ويصل ارتفاعه إلى 67 متراً، وتبلغ قدرته على إنتاج الطاقة الكهربائية نحو 1250 ميغاواط.
أما سد سنار، فهو أقدم سد في السودان، شُيد على النيل الأزرق عام 1926 كسد كهرمائي صخري، ويبلغ ارتفاعه 40 متراً وطاقته التخزينية 390 متراً مكعبا، وطاقة الكهربائية 14 ميغاواط فقط.
فيما يعتبر سد جبل الأولياء من بين أقدم سدود البلاد، وهو سد حجري شيد على النيل الأبيض عام 1937، حيث يصل ارتفاعه إلى 22 متراً، وتقدر طاقته التخزينية بنحو 3.5 مليار متر مكعب، وطاقته الكهربائية 30 ميغاواط.
أما سد خشم القربة، فهو عبارة عن سد خرساني شيد على نهر عطبرة عام 1964 بارتفاع يصل إلى 50 متراً، وتقدر طاقته التخزينية بنحو 1.3 مليار متر مكعب، وتصل قدرته على إنتاج الطاقة الكهربائية إلى 17.8 ميغاواط.