لا تعد الأفاعي السامة من منغصات عيش السكان المحليين في أهوار جنوب العراق لندرتها، خصوصاً في أعماق الأهوار، إلا أن كشفاً علمياً جديداً أفاد بانتشار نوع جديد من الأفاعي السامة أطلقوا عليها لخطورتها لقب "وحش الأهوار".
شديدة الخطورة
وجاء في تقرير نشرته منظمة المناخ الأخضر التي تُعنى بتعزيز التنوع الأحيائي وحماية الحيوانات المهددة بالانقراض في العراق، أن "الأفعى التي تم رصدها من نوع (Macrovipear lebetina obtuse)، وتنتمي إلى عائلة (Viperidae) من الأفاعي السامة، وتُعد بلا منافس أخطر أفعى في الأهوار العراقية، وبذلك تستحق لقب (وحش الأهوار) لأنها أشد مخلوقات الأهوار خطورة"، وبررت المنظمة خطورة الأفعى بأنها "ذات طراز مظهري وسلوكي غريب، إذ تتمتع بقدرة عجيبة على التخفي والسباحة والغوص في المياه، ما يجعل ملاحظتها أمراً صعباً، وهذا يُفسر تعرض بعض عرب الأهوار إلى لدغات هذا النوع من الأفاعي من دون ملاحظتها".
وفي التفاصيل التشريحية للأفعى، فإنها تمتلك ثمانية أنيابٍ أنبوبية، مقسمة بواقع أربعة أنياب في كل جهة، لكنها عندما تهاجم تستخدم نابين فقط، والأخرى احتياطية خاملة. وأشارت المنظمة ضمن تقريرها إلى أن "الأفعى المكتشفة يصل طولها الى مترٍ ونصف المتر، ومن المحتمل وجود أفاعٍ أكبر حجماً منها في الأهوار، وقدرتها على السباحة والغوص يعتبر سلوكاً غريباً وغامضاً لم يعرفه العلم سابقاً حول هذا النوع من الأفاعي".
طفرة جينية
وطرح الباحثون الذين أسهموا في رصد الأفعى وتحليل سلوكها وتشريحها، فرضيات مختلفة في محاولةٍ منهم لتفسير وجودها في الأهوار. وقال الباحث هشام خير الله إن "الفرضية الأولى تفيد بأن الأفعى كانت تعيش في مناطق زراعيةٍ متاخمة للأهوار، وعند تجفيف الأهوار خلال التسعينيات، وإعادة غمرها بالمياه خلال عام 2003، تكيفت الأفعى مع هذه المتغيّرات البيئية، بحيث اكتسبت القدرة على السباحة، ومن ثم الغوص"، مبيناً أن "الفرضية الثانية تشير إلى أن الأفعى باعتبارها أخطر مفترس في الأهوار، فإنها تتمتع بتغذية ممتازة ساعدت على حصول طفرةٍ جينية غيرت من سلوكها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار خير الله الذي أصدر قبل عامين كتاباً عن الأفاعي في البيئة العراقية إلى أن "الباحثين لم يستبعدوا أن تكون الأفعى من نوع جديد غير مسجل علمياً، وإثبات ذلك أو نفيه يحتاج إلى مزيد من الوقت"، مضيفاً أن "ما يثير الاستغراب أن هذا النوع من الأفاعي موجود في إيران ولونه أسود، كما يعيش في قبرص لكن لونه أحمر، والنوع الموجود في الأهوار يتوافر بالألوان الأسود والأحمر والأصفر، وهي حالة فريدة تستحق الاهتمام لإيجاد تفسير علمي لها. وكخطوة نحو هذا الاتجاه، تم إرسال عينة من الأفعى إلى مختبر الأفاعي في متحف ألكسندر كوينيغ للتاريخ الطبيعي في ألمانيا".
سريعة التمدد
وتتميز الأهوار العراقية بوفرة التنوع الأحيائي، وتستوطنها أنواع من الطيور والأسماك والنباتات مدرجة على اللائحة الحمراء للحيوانات المهددة عالمياً بخطر الانقراض، لكن ليس من الشائع في الأهوار وجود أفاع سامة خطرة تعوم في المياه، فحيّات الماء المألوفة في بيئة الأهوار غير سامة، ومن المشاهد التقليدية مسكها باليد أو صيدها بمجاذيف الزوارق أثناء سباحتها.
وبحسب الباحث في شؤون الحياة البرية عمر الشيخلي، فإن "نوعاً واحداً من الأفاعي السامة يعيش في البيئات الترابية قرب ضفاف الأهوار، هي أفعى الحراشف المنشارية (Sindh Saw-scaled Viper)، أما النوع الجديد فيظهر سلوكيات السباحة والغوص والتخفي داخل البرك والمستنقعات وبين نباتات القصب والبردي في مناطق الأهوار، وبذلك يكون أول نوع في العالم من جنس (Vipers)له القدرة على السباحة والغوص"، موضحاً أن "الأفعى تم رصدها في هور الحويزة، والأهوار الوسطى، وليس من المستبعد انتشارها في مناطق أخرى من الأهوار"، وما يعزز من فرص انتشار هذا النوع من الأفاعي قدرتها على التكاثر السريع بمعدل 15 بيضة في السنة.
وتمتد الأهوار العراقية على مساحة تقدر بحوالى 35 ألف كيلومتر مربع، وتقع ضمن الحدود الإدارية لمحافظات البصرة وذي قار وميسان، ولأهميتها البيئية أدرجت منظمة (اليونسكو) مناطق منها على لائحة التراث العالمي، وعدّتها محميات طبيعية غنية بالتنوع الأحيائي. كما تكتسب الأهوار قيمة تاريخية كبيرة باعتبارها موطن الحضارة السومرية، وتضم الكثير من المواقع الأثرية. وقديماً أطلق العرب على الأهوار اسم "البطائح" لأن المياه تبطحت فيها، بمعنى سالت واتسعت في الأرض، وقبل أكثر من 1000 عام زار الجاحظ الأهوار (البطائح)، وتحدث عن مخلوقاتها، وذكر في مؤلفه (الحيوان) عن الأفاعي التي تعيش في الأهوار، أن "حيّات الماء فيها تفاوت، إما أن تكون لا تضر كبير الضرر، وأما أن تكون أقتل من الحيات والأفاعي".