هوس "البوب الكوري -K-Pop " يجتاح العالم، عبارة باتت واقعاً بعد أن كانت مجرد مبالغات تتردد على استحياء في المجموعات المغلقة على الإنترنت بين عاشقي الثقافة الكورية الجنوبية من دراما وأغنيات وحركات راقصة، وتدريجياً، وباتت الفرق الموسيقية الكورية لوناً أساسياً مطروحاً على الساحة الفنية العالمية، بعد أن حققت الأفلام والمسلسلات الكورية نجاحاً لافتاً، وحصدت جوائز مهمة، وبات لها جمهور واسع. وجاءت أغنيات الـ"كيبوب" لتحتل مساحات على الخريطة الموسيقية العالمية، فتخطى الإعجاب بها فكرة الظاهرة المؤقتة، ولم تعد توصم بأنها مجرد أغنيات "مراهقين"، وإن كانت بداية انتشارها الحقيقية بين هذه الفئة بالفعل!
صناعة الموسيقى تخدم الاقتصاد
إن صناعة الموسيقى في كوريا الجنوبية، بفضل انتشار وشعبية تلك الفرق التي تقدم مزيجاً فنياً مميزاً يضم ألواناً متعددة من الموسيقى والإيقاعات، مرتبطة في معظم الأوقات برؤية بصرية ولوحات راقصة، ما جعلها تحقق أكثر من 550 مليون دولار أميركي كصادرات فقط، وفقاً لما أوضحه موقع الإحصاءات "statista" في تقرير نشر أواخر أغسطس (آب) من العام الماضي، كما أوضح الموقع نفسه، وبحسب مسح أجري عام 2019، فإن 37 في المئة من المشاركين من أنحاء العالم أكدوا أن موسيقى "البوب الكورية" لها شعبية كبيرة في محيطهم.
إذاً، الأمر ليس مصادفة، وليس هوساً مؤقتاً، إنها صناعة ضخمة وثقافة تغلغلت في المزاج الموسيقي العالمي، وتدريجياً، أصبح "البوب الكوري" منافساً لا يستهان به للموسيقى الهندية، التي تتمتع هي الأخرى بشعبية كاسحة بنتها على مدى عقود، حيث إن مريديها من كل أنحاء العالم يرددون الأغنيات الهندية على الرغم من عدم إلمامهم باللغة. الأمر هنا يبدو شبيهاً، إذ إن اللغة الكورية ليست شائعة، ومع ذلك، يردد محبو تلك الفرق الأغنيات، التي لا تزال تقدم إنتاجها الأكبر باللغة الكورية، وبعضها يطعم أغنياته بالإنجليزية، أما الفريق الأكثر شعبية "BTS"، فقد احتفى هذا الصيف بأرقام قياسية عدة حققتها أغنيته "Dynamite"، أول عمل خالص له باللغة الإنجليزية، ففي يوم واحد فقط، حظي الفيديو كليب الخاص بها عبر "يوتيوب"، بأكثر من 100 مليون مشاهدة، وهو الرقم الذي أدخل الفرقة موسوعة "غينيس"، وبعد ستة أشهر من طرحها، وصل عدد مشاهديها إلى ما يقرب 900 مليون مشاهدة، وهي أرقام تذكر بالنجاحات التي حققتها أغنية "غانغنام ستايل" للمغني الكوري الجنوبي بساي، الذي كان له يد في لفت الأنظار للموجة الكورية في الغناء في السنوات الأخيرة، وأغنيته التي طرحت قبل تسع سنوات حصدت رواجاً عالمياً كبيراً، وأصبحت رقصتها وحركاتها منتشرة في الطبقات كافة، وقد وصل عدد مشاهدي نسختها على "يوتيوب" حتى الآن إلى نحو أربعة مليارات مشاهد.
أرقام قياسية و"جيش" إلكتروني ضخم
وبالعودة إلى "بي تي أس"، الفرقة التي تضم سبعة مغنين، وتأسست عام 2013، فدوماً يرتبط اسمها بلفظ "أول"، إذ كانت أول فرقة كورية يتصدر ألبوم لها قوائم الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك عام 2018 من خلال ألبوم "Love Yourself: Tear"، الذي تصدر قائمة أعلى 200 ألبوم غنائي مبيعاً، وكذلك في ما يتعلق بالمشاهدة والتحميل عبر الإنترنت، وكان حينها أول ألبوم بلغة غير إنجليزية يتصدر القائمة منذ 12 عاماً، كما احتلوا العام الماضي المرتبة الأولى بألبومهم "BE" على قائمة "Billboard"، وكذلك هي أول فرقة كورية في التاريخ تتصدر القائمة على الإطلاق من خلال أغنية "Dynamite"، كما أن حساب الفرقة على موقع "تيك توك" حصل على مليون متابع خلال ثلاث ساعات تقريباً كأسرع حساب يحقق هذا الرقم، وحصدت الفرقة أيضاً أربع جوائز في حفل "أم تي في" الموسيقي العام الماضي، بالإضافة إلى أنهم ضيوف دائمون على أكبر البرامج العالمية، ويتهافت المعجبون على تذاكر حفلاتهم بأنحاء الكرة الأرضية، حيث تنفد في وقت قياسي، كما أنها أول فرقة كورية جنوبية تترشح لجوائز "غرامي" الموسيقية البارزة في الحفل المقرر إقامته في 14 مارس (آذار) الجاري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الشعبية الجارفة التي تتمتع بها هذه الفرقة التي لديها عشرات الملايين من المعجبين الذين يسمون أنفسهم "الجيش"، جعلت من الصعب أن يمر أي هجوم عليهم مرور الكرام، إذ قوبل انتقاد المذيع الألماني ماتياس ماتوشيك، براديو "بايرن 3" للفرقة، ووصفه أعضائها بالفيروس، بحملة انتقادات عارمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ سخر من أدائهم إحدى الأغنيات الإنجليزية، واتهم من قبل محبي الفرقة بـ"العنصرية"، وطالبوه بالاعتذار، واضطرت إدارة الإذاعة بعد تلك الحملة بالفعل إلى الاعتراف بالخطأ في النهاية، ولكنها نفت أن تكون نية المذيع توجيه أي إهانة.
صعود بلا توقف
أسماء الفرق الكورية باتت محفوظة بين أوساط كثيرة، نظراً لأن المواضيع التي يتم تناولها في الأغنيات تعايش مشكلات عصرية تواجه الشباب كثيراً بينها أزمات الصداقة والتنمر والحب والعائلة، وتطرحها تلك الفرق من وجهة نظر هذا العمر، وبطريقة بسيطة، ومن بين أكثر الفرق شعبية كذلك "Blackpink"، وهي فرقة فتيات تتصدر كذلك قوائم الأكثر مبيعاً، ووصلت شعبيتها إلى أن اختارتهن المطربة العالمية سيلينا غوميز لمشاركتهن تقديم أغنية باللغة الإنجليزية هي "Ice Cream" التي حققت في ستة أشهر أكثر من 500 مليون مشاهدة عبر "يوتيوب"، كما قدمت منصة "نتفليكس" عن الفتيات الأربع وثائقياً عن رحلة صعودهن، حمل عنوان "بلاك بينك، نجمات تنير السماء"، كما وصلت غالبية أغنيات ألبوم الفرقة "The Album" الذي طرح العام الماضي إلى قائمة "سبوتيفاي" لأفضل 50 أغنية.
وعلى سيرة الأرقام القياسية، كان لفرقة "أن سي تي "NCT الغنائية الكورية أيضاً نصيب، ونجحت، من خلال ألبومها "RESONANCE" الذي طرح نهاية العام الماضي، في أن تتفوق بعدد طلبات الشراء المسبقة للألبوم، والتي تجاوزت مليوناً و100 ألف نسخة، بحسب بيان رسمي للوكالة التي تدير أعمالها، كما تصدر اسم فرقة "SHINEE" الكورية، الأسبوع الماضي محركات البحث، وعادت الفرقة بألبوم جديد هو "Don't call Me" بعد غياب تجاوز عامين ونصف العام، كما يعد فريق "Exo" من أكثر الفرق شعبية كذلك، وأي جديد له يتلقاه الجمهور بإشادات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وبشكل عام، أصبحت أسماء فرق غنائية كورية مثل " Twiceـ Got ـ Stray Kids ـTXT"، بعضها يضم مطربين من الصين واليابان وتايوان، ولكن هويتها كورية، حاضرة بقوة في الخريطة الموسيقية العربية، إذ إن الموجة الغنائية الكورية التي انطلقت من تسعينيات القرن الماضي محملة ببعض الأفكار والتقاليد الكورية، ولكن أيضاً تسيطر عليها تنويعات موسيقية غربية، بدأت أولاً بالانتشار في الدول المجاورة، كاليابان، ثم لم تعد حدودها دول جنوب شرقي آسيا، حيث شهدت في مطلع الألفية الثالثة آفاقاً جديدة لها، وخلال الأعوام الأخيرة، لم تعد الفنون الكورية محلية بأي شكل من الأشكال، وصارت لاعبة رئيسة في مجال صناعة الترفيه على مستوى العالم.