تحولات مفصلية تشهدها الساحة اللبنانية، لا سيما بعد كلمة البطريرك الماروني بشارة الراعي التي طالب فيها الأمم المتحدة برعاية مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان وتحييده عن الصراعات الإقليمية. ويرى مراقبون أن البطريرك أرسى توازناً على الساحة السياسية عبر مشروع "الحياد"، مقابل المشروع "الإيراني" الذي يقوده حزب الله، إضافة إلى التوازن الشعبي بعد تأييد العديد من القوى السياسية موقف البطريرك، بمعنى الانقسام في لبنان بات بين بين البطريرك الراعي وحلفائه من جهة مقابل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وحلفائه.
ومن المؤشرات التي تعطي انطباعاً بكسر حاجز الخوف من حزب الله، الشعارات التي بات يرددها المتظاهرون في العديد من المناطق، ومنها "إرهابي إرهابي حزب الله إرهابي"، إضافة إلى تحميل الحزب مسؤولية انهيار الدولة ومؤسساتها. وتشير أوساط في مجموعات الحراك المدني إلى أن توصيف البطريرك أن لبنان يواجه حالة انقلابية، في إشارة إلى الحزب، ودعوته الشارع إلى مواجهتها، كانت كفيلة بإعطاء الزخم والجرأة للشباب المنتفض بتسمية الأمور بأسمائها.
وحول التحركات الشعبية الأخيرة التي يشهدها لبنان، تؤكد الأوساط نفسها أن فئات واسعة من "الثوار" تؤيد تدويل الأزمة اللبنانية واعتبار البلاد تحت النفوذ الإيراني، لافتة إلى أن التحركات تراجعت في الشارع لأكثر من عام وكان أمام "الطبقة الحاكمة" فرصة ذهبية لإظهار حسن نيتها عبر إجراء إصلاحات بنيوية وفق طموحات الشارع وشروط المجتمع الدولي لمساعدة لبنان. لكن استمرار الحزب بوضع يده على المؤسسات يعرقل أي تقدم للخروج من الأزمة.
وكان لافتاً الرد اللاذع من البطريرك الراعي على قناة العالم الإيرانية، التي اتهمته بالعمالة لإسرائيل، مطالباً القناة بالاعتذار وعدم التدخل في الشؤون الوطنية الداخلية. وهذا ما فعلته لاحقاً.
"الرمادية" خيانة
وفي السياق، يلفت رئيس "جبهة السيادة" المنضوية ضمن المجموعات المنتفضة بهجت سلامة، إلى أن التحركات الشعبية التي يشهدها لبنان هي رد فعل طبيعي على انعدام مسؤولية السلطة، والفقر المدقع والظلم والحرمان، موضحاً العوامل الأساسية المحركة لهذا التطوّر، إذ بات "انهيار الدولة لمصلحة الدويلة الطامحة علناً لإقامة فرع لولاية الفقيه".
وعن الشعارات السياسية لا سيما تلك المناهضة لحزب الله التي باتت بارزة في مختلف المناطق اللبنانية، يقول "نحن المنتفضون السياديون نؤمن بأن الحياة مسألة خيارات في الثورة كما في السياسة"، معتبراً أن "الرمادية في مقاربة الأمور بعد تدمير القطاع المصرفي والاستشفائي والجامعي وبيروت وتشريع الفساد والسرقة والتجويع هي خيانة للوطن".
ويؤكد أن "المجموعات السيادية تشاطر الثوار بربط التعبير عن وجعهم بالمسبب الرئيسي، أي الهيمنة على مفاصل الدولة"، مضيفاً أنه "لا يمكن بناء دولة أو قضاء مستقل في ظل النفوذ الإيراني". ويشدد على "ضرورة تطبيق القرارات الدولية ونزع السلاح غير الشرعي وبسط سيادة الدولة وتطبيق الدستور"، مؤكداً أن "ذلك لن يتحقق إذا ما استمرت الثورة تحت الشعارات المطلبية من دون الإشارة بشكل واضح إلى المسبب الرئيسي في هذه المعاناة التي يواجهها الشعب اللبناني".
لقمان سليم كسر الخوف
ويعتبر منسق "جنوبيون" المنضوية في مجموعات الحراك في جنوب لبنان حسين عطايا، أن "الانتفاضة اللبنانية عادت وامتدت التحركات الشعبية إلى الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية إسوة ببقية المناطق اللبنانية". ويقول إنه "منذ اليوم الأول للانتفاضة، تعرّضنا للمضايقات والاعتداءات، لا سيما أثناء مسيرة جابت شوارع صور التي أطلقت شعارات مناهضة لحزب الله".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف عطايا أن "الثوار يتعرّضون إلى حملات تضييق وإرهاب من جانب قوى الأمر الواقع، التي تحاول بشتى الوسائل إبعاد الحراك عن مناطق نفوذ حزب الله"، مؤكداً أنه على الرغم من ذلك ما زال الشارع الجنوبي ينبض، "وما زالت ساحة العلم في صور تمثل نبض الثورة المستمرة في مواجهة المنظومة الفاسدة التي تعيث فساداً".
ويلفت عطايا إلى أن المواجهة مع المنظومة قاسية، مضيفاً "نعلم أننا قد نتعرض للمضايقات والخطف والقتل كما حدث لرفيقنا الباحث لقمان سليم، وهذا لن يزيدنا إلا إصراراً على مواجهة منظومة الحكم ومن يقف خلفها حزب الله ومن خلفه إيران وولاية الفقيه". ويعتبر أن المواطنين الجنوبيين تحرّروا من عقدة الخوف في مواجهة سطوة الثنائي الشيعي، وأن ساحة الاعتراض تتّسع في مناطق الجنوب".
أقلام أميركية
في المقابل، يشير المقرب من "حزب الله"، أستاذ العلاقات الدولية الدكتور قاسم حدرج، إلى أن "المجتمع اللبناني يعيش حالة انقسام عمودي تترجمه الطبقة السياسية بمعركة تقاذف اتهامات في شأن مسؤولية كل فريق عن الحالة الكارثية التي وصل إليها لبنان، وقد انسحبت على الشارع اللبناني"، رابطاً الشعارات المستجدة التي توصف حزب الله بالإرهاب وتتهمه بالهيمنة على الدولة بأنها "شعارات تكتب بأقلام حزبية".
ويتهم الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني التي تدعم "الثورة"، بأنها ممولة من الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي "من الطبيعي أن ينال حزب الله القسط الأوفر من هذه الشعارات التي تتجاوز المطالب الحياتية لتصل إلى حد إعلان الثورة عن أجندتها الحقيقية المتمثلة في محاولة خلق رأي عام لبناني معاد لسلاح المقاومة يلقى صداه في أروقة عواصم القرار بحيث تتلقّف المرجعيات اللبنانية الكبرى هذه الكرة وتحولها إلى مطلب وطني تحت عنوان إنقاذ لبنان من هيمنة السلاح، وهو ما دعا إليه البطريرك الراعي تحت عنوان مؤتمر دولي لحماية لبنان".
ويشدد حدرج على أن "الشعارات التي تستهدف حزب الله وسلاحه وتتهمه بأنه أداة إيرانية وتصفه بالإرهابي تستمد اتهامها من تصنيفات بعض الدول العربية والغربية الحزب، بهدف تبرير العقوبات الأميركية والمقاطعة العربية للبنان وتعتبرها نتيجة وليست سبباً"، معلناً أنها "محاولات لشيطنة حزب الله ولتصوير سلاحه بأنه عقبة حقيقية أمام قيامة لبنان وبأن التجاذبات بينهم وبين سياسته باتت أكثر بكثير من التقاطعات خصوصاً داخل المجتمع المسيحي الذي لا يحمل الفكر الأيديولوجي نفسه للحزب المؤمن بحتمية زوال إسرائيل وبأن الصراع معها أبدي، بل يؤمنون بأن لبنان هو جزء من محيطه العربي وعليه أن يسير معه في المسار ذاته ويرفضون أن يدفعوا ثمن قضية لا يؤمنون بها، وقد ترجموا هذا الموقف بشكل علني وصريح انعكس في بعض الأحيان على تصريحات قياداتهم السياسية".