لم يكن حلول البابا فرنسيس في النجف وأور في اليوم الثاني من زيارته التاريخية إلى العراق، التي تُعد الأولى لحبر أعظم منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، مجرد زيارة اعتيادية بروتكولية، بل مثلت دعماً كبيراً للمدينتين اللتين تعانيان من إهمال ومشاكل خدماتية تسببت في معظمها الأحزاب الموالية لإيران.
ومنذ هبوط طائرة الخطوط الجوية العراقية في مطار النجف، من طراز "بومباردييه سي آر جي 900" (bombardier CRJ900)، التي أقلت البابا والوفد المرافق له، وركوبه السيارة متوجهاً إلى منزل المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني في المدينة القديمة بالنجف، كانت الأنظار داخل العراق وخارجه تتابع ما يجري، خصوصاً في ظل المخاوف من حصول أعمال عنف أو استهدافات قد يقوم بها تنظيم "داعش" أو إحدى المجموعات المسلحة ضد زيارة البابا.
وتنبع أهمية الزيارة من كونها تُعد الأرفع لمسؤول دولي إلى المدينة منذ سقوط نظام صدام حسين، حيث زارها كل من الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد والتركي رجب طيب أوردغان والأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون والأمين العام السابق لجامعة العربية عمرو موسى وشخصيات رسمية أخرى من الشرق الأوسط.
وكان اللقاء بين البابا فرنسيس والمرجع السيستاني، الذي امتد لـ 55 دقيقة، مهماً بالنسبة إلى دعم محاور الاعتدال في الشرق الأوسط، بوجه الجهات الطائفية المتطرفة. وذكر مكتب السيستاني في بيان أن السيستاني "تحدث عما يعانيه كثيرون في مختلف البلدان من ظلم وقهر وفقر واضطهاد ديني وفكري وكبت الحريات الأساسية وغياب العدالة الاجتماعية، خصوصاً ما يعاني منه عديد من شعوب منطقتنا من حروب وأعمال عنف وحصار اقتصادي وعمليات تهجير وغيرها، لا سيما الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة".
وشدد البيان على أهمية تضافر الجهود لتثبيت قيم التآلف والتعايش السلمي والتضامن الإنساني في كل المجتمعات، المبني على رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين أتباع مختلف الأديان والاتجاهات الفكرية.
وتمنى السيستاني للحبر الأعظم وأتباع الكنيسة الكاثوليكية ولعامة البشرية الخير والسعادة، وشكره على تجشمه عناء السفر إلى النجف الأشرف لإجراء هذه الزيارة.
كما أظهر الترحيب الشعبي في النجف بموكب البابا، الذي تحرك من مطار النجف الدولي إلى مقر إقامة السيستاني في النجف القديمة على طريق بطول أكثر من 10 كيلومترات، تحولاً في المزاج الشعبي العام نحو التعايش مع الآخر، يشكل امتداداً لنتائج الانتفاضة الشعبية العراقية التي قام بها الشباب العراقي الرافض لنظام المحاصصة في البلاد ولسياسة الأحزاب القائمة على التخويف من الآخر.
زيارة البابا ستشجع السياحة في النجف
واعتبر محافظ النجف لؤي الياسري أن زيارة البابا فرنسيس إلى المدينة ستعمل على تشجيع سياحة الآثار في المحافظة، معتبراً أن "لقاء البابا بالمرجع السيستاني سيسهم في تعميق العلاقات بين الأديان وترسيخ مفهوم التسامح".
وتضم محافظة النجف مواقع أثرية ومراقد دينية مهمة يرجع تاريخها إلى حقب زمنية مختلفة، منها قبر منسوب إلى النبي "حزقيال" او ما يُعرف باسم "ذي الكفل"، وإحدى مدن النجف تحمل هذا الاسم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أول زيارة لمسؤول دولي إلى مطار الناصرية
شكل وصول البابا من مطار النجف إلى مطار الناصرية الدولي في طريقه إلى مدينة أور الأثرية، أول زيارة لمسؤول دولي كبير إلى مطار المدينة منذ افتتاحه في مارس (آذار) 2017، حين لقي ذلك المطار، وهو جزء من قاعدة الأمام علي الجوية، الأضخم في جنوب العراق، حملة سخرية كبيرة على الصفحات العراقية على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب افتقاده برأي البعض لمقومات المطارات الدولية.
وأسهمت زيارة البابا إلى مدينة أور في دفع السلطات العراقية إلى تبليط الطريق الواصل إليها وإضاءتها لأول مرة منذ اكتشاف المدينة الأثرية التي تضم المقبرة الملكية وبيت النبي إبراهيم ومقبرة "الملك شولكي" ومعبد "دب لال ماخ" .
واستذكر البابا لدى وصوله قصة النبي إبراهيم ومبعثه في أور، مشدداً على الأخوة وضرورة إعمار الأرض والتعامل بإنسانية. وأضاف البابا أن "السماء تمنحنا الوحدة وهذا يعزز أخوتنا ولا يجب أن ننسى أخوتنا فنحن أحفاد النبي إبراهيم، ويجب ألا يعمل كل منا بمعزل عن الآخر، فنحن مَن يجب أن نعمر الأرض"، مشيراً إلى أن "من هذا المكان بدأ الإيمان والتوحيد من أرض أبينا إبراهيم".
ولفت البابا إلى أن "الإرهاب يستغل الدين ونحن يجب أن نمنع مَن يستغله كغطاء"، مبيناً أن "المسلمين والمسيحيين عملوا معاً لإرساء دعائم السلام".
وتُليت بعد ذلك، الصلاة الموحدة التي تجمع الأديان في مدينة أور، ليغادر البابا بعدها الناصرية إلى بغداد.
واعتبر محافظ ذي قار، عبد الغني الأسدي، أن "زيارة البابا إلى أور تحمل كثيراً من معاني السلام والمحبة". وأضاف الأسدي لوكالة الأنباء العراقية الرسمية أن "المحافظة أكملت كل الاستعدادات لاستقبال البابا من الناحيتين الأمنية واللوجستية"، لافتاً إلى أن "هذه الزيارة تحمل في طياتها كثيراً من معاني السلام والمحبة".
يوم للتسامح والتعايش في العراق
من جانبه، أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، يوم السادس من مارس، "يوماً وطنياً للتسامح والتعايش في العراق".
وقال الكاظمي في تغريدة له على "تويتر"، "بمناسبة اللقاء التاريخي بين قطبي السلام والتسامح، سماحة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، وقداسة البابا فرنسيس، ولقاء الأديان في مدينة أور التأريخية، نعلن تسمية يوم السادس من آذار من كل عام، يوماً وطنياً للتسامح والتعايش في العراق".
واختتم البابا نشاط يومه الثاني في العراق، بإقامة القداس في كاتدرائية مار يوسف في بغداد وسط استقبال جماهيري.
ويُفترض أن يحل البابا فرنسيس في أربيل وبعدها في الموصل ليصلي لضحايا الحرب في حوش البيعة (ساحة الكنيسة) في الموصل، ثم يزور منطقة قرقوش ويقيم قداساً في ملعب "فرانسو حريري" في أربيل.