يمثل الشرطي المتهم بقتل جورج فلويد، الإثنين، أمام القضاء في مينيابوليس في محاكمة استثنائية على أكثر من صعيد.
فحادثة مقتل المواطن الأميركي من أصول أفريقية، فلويد (46 عاماً)، قبل تسعة أشهر، أعادت فتح جروح العنصرية العميقة في الولايات المتحدة، وستُنقل الجلسات مباشرة وسط تدابير أمنية مشددة، ويشارك فيها مدعون عامون يعدون الأبرز في مجالهم.
وقد وصف نيل كاتيال الذي سيتولى توجيه الاتهام إلى الشرطي ديريك شوفين "القضية الجنائية العالية الرمزية" بـ "الأهم في التاريخ الأميركي".
ففي 25 مايو (أيار)، ضغط الشرطي الأبيض بركبته على عنق فلويد الممدد على بطنه وهو مكبّل اليدين مدة تسع دقائق، لم يأبه خلالها بتوسّل الأربعيني الأسود ونداءاته المتكررة "لا يمكنني التنفس"، وواصل الضغط حتى بعد دخوله في غيبوبة.
وأثار فيديو وفاة فلويد الذي صورته فتاة كانت تمر في الشارع، وأعيد بثّه على الإنترنت، صدمة ترددت أصداؤها من نيويورك إلى سياتل، وكان لها وقع في عواصم عالمية مثل لندن وباريس وصولاً إلى سيدني، حيث نزلت حشود غاضبة إلى الشوارع للمطالبة بالعدالة، هاتفة "بلاك لايفز ماتر" وهو اسم حركة "حياة السود تهمّ" المناهضة للعنصرية.
وتم صرف الشرطيين الضالعين في القضية على الفور، لكن توجيه التهمة رسمياً إلى شوفين بـ "القتل" وإلى زملائه الثلاثة بـ "التواطؤ" تأخر لأيام، وفي هذه الأثناء، اشتعلت المدن الأميركية وأُحرق مركز للشرطة في مينيابوليس.
وإن كان الهدوء عاد منذ ذلك الحين، إلا أن الأجواء لا تزال في غاية الحساسية، في وقت تستعد البلاد لمتابعة محاكمة شوفن التي ستكون أيضاً محاكمة للشرطة الأميركية.
المحلفون
وكان من المقرر أن تجري محاكمة الشرطي السابق الذي أطلق بكفالة في الخريف، مع زملائه ألكسندر كوينغ وتوماس لاين وتو تاو، لكن قاضياً أرجأ محاكمة عناصر الشرطة الثلاثة إلى الصيف تجنباً لاكتظاظ قاعة المحكمة بالحضور في وسط أزمة وباء "كوفيد-19"، وبالتالي سيخصص قضاء مينيسوتا المحاكمة حصراً للتهم الفادحة الموجهة إلى شوفين (44 عاماً)، قضى 19 منها في صفوف شرطة مينيابوليس.
وقال الشرطي السابق آشلي هايبرغر الذي بات يعمل في التدريب وتقديم النصائح، لـ "وكالة الصحافة الفرنسية"، "توجيه التهمة إلى شرطي باستخدام القوة المفرطة هو بحد ذاته أمر نادر في الولايات المتحدة، كان بالأحرى توجيه تهمة القتل إليه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما إدانة شرطيين بالقتل، فأمر نادر جداً، إذ يبدي المحلفون بحسبه "ميلاً إلى تفسير الشك لمصلحتهم".
لكن الوقائع هذه المرة فادحة إلى حد أنه لم يرتفع صوت واحد في الشرطة دعماً للمتهم، وهو أمر نادراً ما حصل من قبل بحسب هايبرغر، غير أن إدانة شوفين تتطلب إجماع المحلفين الـ 12.
وإذا ما أبدى أي منهم رأياً مغايراً، فعندها تخلص المحاكمة إلى رد الدعوى، وسيناريو رد الدعوى هذا أو تبرئة المتهم سيحرك حتماً غضب الناشطين ضد العنصرية.
ولتفادي وقوع أية تجاوزات، جندت السلطات آلاف عناصر الشرطة والحرس الوطني، وتحول محيط المحكمة إلى ما يشبه معسكراً محصناً تحيط به أسلاك شائكة وكتل أسمنتية.
وتبدأ المحاكمة باختيار أعضاء هيئة المحلفين، وهي مهمة في غاية الصعوبة، إذ يبحث الادعاء والدفاع عن أكبر قدر ممكن من الحياد لديهم،
"ما رأيك في حركة بلاك لايفز ماتر؟ هل سبق أن تم توقيفك؟ كم مرة شاهدت فيديو المأساة؟"، تلك بعض الأسئلة من ضمن قائمة طويلة وجهت إلى المرشحين للمشاركة في هيئة المحلفين، والذين سيجري استجوابهم مطولاً على مدى ثلاثة أسابيع، إذ تبدأ المداولات بوقائع القضية في 29 مارس (آذار).
محاولة تمويه
وسيدفع شوفين ببراءته. وكتب محاميه إريك نيلسون قبل المحاكمة أنه "قام بما تم تدريبه للقيام به تماماً" عند توقيف مشتبه فيه يقاوم الاعتقال، وهو يدّعي أن فلويد توفي جراء جرعة زائدة من مسكّن فينتانيل.
وعثر طبيب شرعي على آثار لهذه المادة المخدرة الأفيونية في جثة فلويد، لكنه اعتبر أن الوفاة كانت نتيجة "الضغط الممارس على عنقه".
وندد محامي عائلة فلويد، بن كرامب، بمحاولة التمويه، وقال "نتوقع أن يحاولوا التغطية على الفيديو من خلال اتهام جورج بكل الشرور".
أما الاتهام، فسيدعي أن فلويد الذي يشتبه في أنه حاول الدفع مستخدماً ورقة مالية مزورة من فئة 20 دولاراً، فلم يكن يشكل أي خطر، وهو يعتزم طلب عقوبة فادحة بحق شوفين الذي "تعمّد" تعذيب الموقوف.
ولإثبات أن الجريمة تندرج في سياق "نمط عمل" يتبعه الشرطي، سيستدعي الاتهام امرأة سوداء تعرضت لمعاملة عنيفة منه العام 2017 للإدلاء بشهادتها، وستتخلل المحاكمة لحظات مؤثرة، منها إفادة الفتاة التي صورت الحادثة، ومن المتوقع أن ينسحب المحلفون لإجراء مداولاتهم في نهاية أبريل (نيسان).