حذر مسؤولون عن القطاع الصحي في المملكة المتحدة من تضخم قوائم الانتظار الطويلة في المستشفيات التابعة لهيئة "خدمات الصحة الوطنية" NHS خلال الأشهر المقبلة، مع انضمام نحو 6 ملايين مريض "غير معلنين" إلى لوائحها لتصل إلى معدلات غير مسبوقة منذ أكثر من عقد من الزمن.
وأشار داني مورتيمر رئيس "اتحاد خدمات الصحة الوطنية" NHS Confederation (رابطة تضم جميع السلطات الصحية والمستشفيات التي تقدم خدمات الصحة في إنجلترا وويلز)، إلى أنه في الوقت الذي لم تخصص فيه الموازنة أي استثمار جديد في مجال الصحة، يتعين على الوزراء المعنيين مصارحة الناس بأن الضمانات التي وضعوها في وقت سابق لأوقات انتظار العلاج، بات الآن من المستحيل الوفاء بها.
وأوضح مورتيمر في مقابلة أجرتها معه صحيفة "اندبندنت"، أن بعض المرضى يجب أن يتوقعوا فترة انتظار قد تمتد لأشهر عدة، أو حتى لأكثر من سنة، قبل تلقي علاجهم. ورجح أن "تتطلب إعادة قائمة الانتظار إلى نصابها سنوات عدة".
وأشار إلى أنه "يجب أن نكون واقعيين في ما يتعلق بالوقت الذي سنستغرقه في معالجة هذه القضايا، كما يتحتم على الحكومة أن تكون هي الأخرى واقعيةً في شأن ما سيتطلبه الأمر، خصوصاً أن الموازنة هذا الأسبوع خرجت بما يشير إلى أنه لن تكون هناك في الواقع أموال (إضافية) مخصصة لمرافق هيئة خدمات الصحة الوطنية، كي تتمكن من التعامل مع هذه المسائل بالطريقة المناسبة. ويتعين تالياً على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها في أن تشرح للرأي العام ما العواقب التي يمكن أن تترتب عن ذلك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ما يتعلق بتعهد وزير الخزانة ريتشي سوناك منح مرافق "خدمات الصحة الوطنية" ما تحتاج إليه لمواجهة آثار فيروس كورونا، قال مورتيمر إن "سوناك لم ينجز سوى نصف المهمة. في حين أن النصف الآخر منها، يتطلب منه التعامل مع قوائم الانتظار الاختيارية، ومع المرض طويل الأمد المترتب عن الإصابة بعدوى كوفيد، ومع الزيادة التي نشهدها في حالات أمراض الصحة الذهنية والعقلية، إضافة إلى الاستثمار في الصحة العامة ومعالجة قضايا الرعاية الاجتماعية. وقد تجنب بالكامل حتى الآن، مقاربة هذه الجوانب".
وفي تحليل جديد للوضع الذي يواجهه القطاع الصحي، قدر "اتحاد خدمات الصحة الوطنية" أن عدد المرضى الذي احتاجوا إلى الرعاية (في المستشفى) في عام 2020، كان أقل بنحو 5 ملايين و900 ألف شخص، مقارنةً بعام 2019، أي بتراجع مقداره 30 في المئة. وما زال هؤلاء المستشفين "غير المعلنين" بحاجة إلى العلاج، علماً بأن أسماءهم لا تظهر على أي قوائم رسمية لفترات الانتظار في مستشفيات خدمات الصحة الوطنية".
واستناداً إلى ما سماه الاتحاد "السيناريو الواقعي" لنشاط "خدمات الصحة الوطنية" في عام 2021، من المتوقع أن ينضم نحو ثلثي هؤلاء المرضى إلى قوائم الانتظار، بحيث يرتفع العدد الإجمالي من 4.6 مليون في ديسمبر (كانون الأول) 2020، إلى أكثر من 8 ملايين بحلول أكتوبر (تشرين الأول) من هذه السنة.
ورأى داني مورتيمر أن "هذا الواقع يمثل أسوأ مستويات حالات تكدس قوائم انتظار المرضى على مدى الأعوام العشرة أو الخمسة عشر الأخيرة". ودعا الحكومة إلى أن "تعتمد الصراحة في شأن ما سيعنيه ذلك بالنسبة إلى الناس، هذا الحجم من المأساة والتزايد المحتمل لها، خصوصاً إذا تقدمت تلك المجموعة غير المعلنة من المرضى بطلب العلاج في الأشهر المقبلة".
ورجح أن "يستغرق الأمر سنوات عدة كي نعود إلى المسار الذي نطمح إليه، لجهة معالجة تكدس قوائم الانتظار، والوقت الذي يتعين فيه على المرضى الانتظار لتلقي الرعاية اللازمة".
وفي تقرير جديد، حذر "اتحاد خدمات الصحة الوطنية" من أن النظام الراهن للجراحات الروتينية في مستشفيات الهيئة "لا يفي بالغرض"، وأن سياسة "التقطير" التي تنتهجها الحكومة في مسائل التمويل والاستثمار في القطاع الصحي ستبوء بالفشل. ورأى الاتحاد أنه "في غياب خطة شاملة جديدة، ستلقي الحكومة على كاهل البرلمان خلال الفترة المتبقية له، بإرث غير مقبول سياسياً من مئات الآلاف من المرضى المكدسين على قوائم انتظار طويلة في ظل ظروف متدهورة".
ودعا مورتيمر إلى تعليق ضمانات مواعيد الانتظار الراهنة للمستشفين "لفترة من الزمن"، إفساحاً في المجال للأطباء لأن يحددوا الأولويات وفق الضروريات العلاجية للمستشفين، خصوصاً أن في بعض الحالات الأقل إلحاحاً يواجه أصحابها فترات انتظار طويلة للغاية. وقال إن "جميع أعضاء الاتحاد يشعرون بقلق جدي أمام تضخم عدد هذه الحالات، وهم يدركون تماماً التأثير الذي يمكن أن يخلفه على حياة المرضى وأسرهم".
وفي إطار متصل، يرى الاتحاد أن "على الحكومة أن تستثمر المزيد من الأموال لبناء القدرات في القطاع الصحي، كي يتمكن العاملون فيه من إجراء العمليات الجراحية اللازمة، من خلال زيادة الإنفاق على بناء غرف عمليات نموذجية يمكن إلحاقها بسرعة بمباني المستشفيات، إضافة إلى مساعدة المستشفيات على إنشاء أقسام "ساخنة وباردة" للفصل بين الحالات الاستشفائية التي تتطلب إجراء عمليات جراحية روتينية، وتلك التي تستدعي عناية طارئة.
وكانت الحكومة البريطانية قد خصصت في مراجعتها للإنفاق في نوفمبر (تشرين الثاني)، مبلغاً إضافياً بقيمة مليار جنيه استرليني (أي حوالى 1.38 مليار دولار أميركي) لمساعدة المستشفيات التابعة لهيئة "خدمات الصحة الوطنية" على التعامل مع فترات الانتظار الطويلة، لكن الاتحاد اعتبر أن القيمة المخصصة لهذا الغرض هي أدنى بكثير من المطلوب.
واعتبر داني مورتيمر أنه "كان يفترض من الحكومة أن تقوم بالمزيد قبل أسبوع (لدى إعلانها عن الموازنة) للمساعدة في حل هذه المسألة. إن الفرصة ما زالت قائمة بالنسبة إلى الوزراء للتواصل مع هيئة الخدمات الصحية، وتحديد بعض الاستثمارات التي يمكن أن تحدث فارقاً داخل هذه المؤسسة في السنة المقبلة".
وقد تم الطلب من المستشفيات إعداد خطط التعافي الخاصة بها وتقديمها هذا الشهر إلى "هيئة الخدمات الصحية في إنجلترا"NHS England، لكن مورتيمر لفت إلى أن العاملين في القطاع يحتاجون إلى بعض الوقت "لتنفس الصعداء بعد المعاناة التي مروا بها على مدى 12 شهراً لم يسبق لأحد أن شهد مثيلاً لها في قطاع الرعاية الصحية".
وأضاف أن "ذلك يعني أن إعادة النشاط الصحي إلى مجراه الطبيعي في المدى القريب، لا بد أن تتم وفق وتيرة متأنية، كي لا نتسبب في في إعياء العاملين أو فقدانهم".
تجدر الإشارة إلى أن قوائم انتظار المراجعين في المستشفيات التابعة لهيئة "خدمات الصحة الوطنية" كانت تشهد ارتفاعاً مزمناً في عدد المسجلين فيها، قبل مرحلة انتشار الوباء، وكانت تلك المرافق تجد صعوبةً في تلبية الطلب المتزايد على تلقي العلاج. وعام 2016، بلغ إجمالي عدد المسجلين 3.5 مليون شخص، لكن هذا الرقم قفز إلى أكثر من 4.3 مليون بحلول نهاية عام 2019.
وفي شهر ديسمبر بلغ عدد المسجلين 4.6 مليون مريض، وهو أعلى مستوى وصل إليه منذ 12 عاماً. وقد تعين على أكثر من خمس عدد المستشفين (أي 970 ألفاً)، الانتظار أكثر من 6 أشهر لتلقي العلاج، في حين اضطر نحو 1.5 مليون، أي ما يصل إلى الثلث، إلى الانتظار لفترة أطول من الموعد المحدد لعلاجهم، وهو 18 أسبوعاً.
يبقى أنه في المجموع، انتظر قرابة 225 ألف مريض أكثر من سنة للحصول على العلاج حتى شهر ديسمبر 2020، ومن المتوقع أن يرتفع العدد بشكل كبير في الأشهر المقبلة.
© The Independent