حث رئيس الوزراء الليبي المكلف عبد الحميد الدبيبة الإثنين الثامن من مارس (آذار)، النواب على منح الثقة لحكومته المنبثقة من عملية رعتها الأمم المتحدة، لتقود البلاد خلال مرحلة انتقالية وصولاً إلى انتخابات عامة في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وحضر 132 نائباً في البرلمان من أصل 188 جلسة الإثنين في مدينة سرت (شرق ليبيا) والمكرسة لمنح الثقة للحكومة المنبثقة من ملتقى الحوار السياسي.
واختيرت حكومة الدبيبة مطلع فبراير (شباط) الماضي، لتقود البلاد خلال مرحلة انتقالية يفترض أن تفضي إلى انتخابات عامة في ديسمبر.
وخلال الجلسة، وجه عدد من النواب أسئلة إلى عبد الحميد الدبيبة حول خريطة طريق حكومته قبل موعد الانتخابات المقبلة، إلى جانب انتقاده بشأن تسمية شخصيات "جدلية" في حكومته.
كذلك، طالب فريق من النواب بتأجيل جلسة منح الثقة حتى نشر تقرير الخبراء الأممي بشأن مزاعم الفساد التي طالت اختيار السلطة الجديدة، بينما طالب فريق آخر بمنح الثقة للحكومة بسرعة لـ"توحيد ليبيا".
وعقب ثلاث ساعات من النقاش ومداخلات النواب، أعلنت رئاسة البرلمان تعليق الجلسة حتى الثلاثاء، لمنح رئيس الوزراء الفرصة للرد على استفسارات وملاحظات النواب بشأن حكومته المقترحة.
ولا تزال سرت مسقط رأس العقيد الراحل معمر القذافي، تحت سيطرة الجيش الوطني الليبي.
تحديات عدة
وتأتي جلسة منح الثقة في وقت تواجه حكومة الدبيبة المتحدر من مصراتة (غرباً)، تحديات عدة منذ تسميته رئيساً لها قبل شهر، قد تؤثر في مصير اعتمادها من قبل السلطة التشريعية في ليبيا.
وقدّم الدبيبة، رجل الأعمال الملياردير، تشكيلته الحكومية التي تضم 33 اسماً للبرلمان الأسبوع الماضي، من دون الكشف عن أي من الأسماء.
وفي حال نيلها ثقة النواب، ستكون أمامها مهمة صعبة لتوحيد مؤسسات دولة غنية بالنفط غارقة في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.
وفي حال فشل جلسة منح الثقة، ستكون لدى رئيس الوزراء المكلف فرصة ثانية لينظر البرلمان في حكومته في 19 مارس الحالي، وفقاً لخريطة الطريق التي اتفقت بشأنها الأطراف الليبية في جنيف الشهر الماضي.
وإذا تكرر فشل جلسة التصويت الثانية، سيؤول التصويت إلى الأعضاء الـ75 الممثلين لملتقى الحوار السياسي الليبي.
ومنذ إعلان حكومته وعدد حقائبها التي تعتبر كبيرة بالنسبة لحكومة مدتها أقل من عام واحد، اشتعل الجدل في الأوساط السياسية والشعبية.
وبرّر الدبيبة تشكيل حكومته بهذا الشكل والعدد بأنه يعود إلى ضيق الوقت.
ودعا رئيس الوزراء المكلف، نواب البرلمان إلى عدم تفويت الفرصة، والسماح للحكومة في أداء مهامها على "الفور".
وقال في كلمة متلفزة اليوم الإثنين قبل موعد جلسة منح الثقة أدعو "البرلمان للسماح للحكومة بتنفيذ مهامها الصعبة على الفور وعدم تأجيل التصويت على الثقة".
وتابع "كما أدعوهم هذه المرة لتغليب مصلحة الوطن، على الحسابات الضيقة والخاصة".
وقال رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد دبيبة، قبل جلسة منح الثقة لحكومته في سرت اليوم، إن "مسار تشكيلة الحكومة تضمن جهوداً مضنية، وأن الأزمة اليوم هي أزمة ثقة، ومشاركة وتشكيل الحكومة تطلّب منا الواقعية والاستيعاب، ومراعاة التوازن المعقول الذي يخرج البلاد من أزمتها وينقلها إلى بر الأمان".
وأضاف، "الحكومة بشكلها الحالي كانت نتاج مخرجات الحوار السياسي الذي نص على عدم استثناء أحد، وأناشد النواب ألا يفوتوا فرصة توحيد المجلس وأن يغلّبوا مصلحة الوطن بتمكينها من مباشرة مهامها الصعبة".
وتابع دبيبة، "الحكومة الجديدة ستعمل كجيش من الخدم وتعالج أزمة الكهرباء، وتنهي أزمة الطوابير أمام المصارف، وتمنح الليبيين علاج كورونا بما يليق بكرامتهم". وأشار إلى أن "الطريق أمامنا ليس مفروشاً بالورد، ونعلم الاختلافات العميقة بين التيارات المختلفة في ليبيا، وليس هذا من صنيعي". وناشد "أعضاء النواب بعدم ترحيل منح الثقة عن جلسة اليوم الاثنين، وحرمان الشعب من الوصول إلى الانتخابات وفق مقترحات جنيف".
انقسام محل شك
وقال أستاذ العلاقات الدولية في ليبيا خالد المنتصر إن رئيس الحكومة تعرض منذ البداية لعقبات ومشاكل حتى قبل اعتماد حكومته، وهو أمر قد يؤثر في أدائها في حال إقرارها.
وقال المنتصر لوكالة الصحافة الفرنسية "الحكومة واجهت تحديات منذ تسميتها في ملتقى الحوار، وبدأت تتلقى الصفعات والتشكيك مرة تلو الأخرى، وبالتالي الانقسام حول تأييدها صار محل شك، وربما تفقد الزخم والدعم داخلياً وخارجياً الذي رافق اختيارها".
وأشار أستاذ العلاقات الدولية إلى أن رئيس الوزراء المكلف يتحمل جزءاً من هذه العراقيل التي بدأت تكبر مثل "كرة الثلج" أمامه.
وتابع "الدبيبة لم يكن حازماً وسمح للتأويل والتشكيك بضرب حكومته قبل ولادتها، وبالتالي كان لزاماً الابتعاد عن الخروج المتكرر عبر الإعلام، حتى تمنح الثقة لحكومته رسمياً، وبدء اتخاذ خطوات عملية للتحضير للانتخابات".
وتبقى تهم الفساد التي شابت عملية اختيار السلطة الجديدة أكبر الهواجس المرتبطة بعملية منحها الثقة.
ووفقاً للجنة خبراء الأمم المتحدة في تقرير لا يزال سرياً، فإن عدداً من أعضاء ملتقى الحوار تلقوا مبالغ مالية في مقابل التصويت للدبيبة.
"حملات التشويه"
يرى المحلل السياسي محمود خلف الله أن من وصفه بـ"الخصم السياسي" وبعض من هم على "رأس السلطة" حالياً، يحاولون عرقلة عمل رئيس الوزراء.
وأوضح في تصريحات إلى وكالة الصحافة الفرنسية "منذ تسميته رئيساً للوزراء... بدأت حملات شرسة يقودها خصومه السياسيون للتشويه وبث الإشاعات حوله، بل وحتى الضغط لاختيار وزرائه وفرض أسماء معيّنة، في محاولة للإطاحة بمشروعه، ونجحوا في خلق بيئة متوترة قبل منح الثقة".
وأعرب عن تفاؤله بشأن إمكان منح الحكومة الثقة لكنه حذّر من أن "المشاكل والعقبات ستظل تستهدفها، خصوصاً أن أطرافاً عدة تحاول إفشال موعد إقامة الانتخابات، التي ستطيح من يتصدرون السلطة واستفادتهم من الفوضى والانقسام منذ سنوات طويلة".
وتتوزع الحقائب السيادية السبع بين المناطق الجغرافية الثلاث: الشؤون الخارجية للشرق، والاقتصاد والتجارة والعدل للغرب، والدفاع والداخلية والمالية للجنوب.
ومن المقرر أن يقدّم الخبراء الأمميون تقريرهم بشأن عمليات شراء الأصوات رسمياً إلى مجلس الأمن الدولي في منتصف مارس.
وعقد مجلس النواب الليبي جلسة تاريخية في مدينة سرت، اليوم الإثنين، تحدد مصير التشكيلة الوزارية التي تقدم بها رئيس حكومة الوحدة الوطنية، المكونة من 35 وزيراً، وسط توقعات متباينة لنتائج الجلسة.
وتلقى رئيس الوزراء الجديد جرعتي دعم إضافيتين قبل عرض تشكيلته على البرلمان جاءت من المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا يان كوبيتش، الذي هاجم محاولات عرقلة الجلسة من نواب تقدموا بطلب جديد لتأجيلها، نافياً مزاعم الرشاوى في الحوار السياسي في تونس ووصفها بـ"المزيفة"، والثانية بإعلان توحيد الميزانية العامة قبل يوم واحد من منح حكومته الثقة كما هو متوقع في جلسة النواب في سرت.
كما تبددت المخاوف من عدم انعقاد الجلسة في موعدها بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني فيها، بعد وصول أكثر من 100 نائب إلى سرت، بينما تحتاج الجلسة إلى حضور 90 نائباً فقط للحصول على الصفة الشرعية.
الجميع في سرت
وكانت كشفت مصادر متطابقة من البرلمان الليبي، وأخرى صحافية ومحلية في سرت، عن توافد أعضاء مجلس النواب إلى المدينة لحضور الجلسة المصيرية يتقدمهم رئيس المجلس عقيلة صالح ونائباه، وأكثر من 100 نائب، من شرق البلاد وغربها مع توقعات بوصول عدد النواب في الجلسة إلى نحو 120 نائباً.
وقال عبدالله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، إن "طائرة رئيس مجلس النواب عقيله صالح، وصلت إلى مطار القرضابية الدولي في مدينة سرت لترأس جلسة منح الثقة لحكومة عبد الحميد دبيبة بالتزامن مع وصول 40 نائباً من نواب المنطقة الغربية إلى المدينة لحضور الجلسة".
محاولات لتأجيل الجلسة
في المقابل، دعت مجموعة من أعضاء مجلس النواب الموازي في طرابلس إلى تأجيل انعقاد جلسة البرلمان المقررة الاثنين في سرت، في بيان موقع من نحو 40 نائباً.
وقالت المجموعة البرلمانية في البيان إنهم "يطالبون بتأجيل الجلسة كونها محصورة في مناقشة منح الثقة للحكومة المقترحة دون الإشارة إلى ضرورة تسبقها متعلقة بتضمين مخرجات تونس حزمة واحدة للإعلان الدستوري، كونها أولوية يترتب على تجاهلها خرق دستوري فاضح لا يليق بمجلس النواب القبول به"، مطالبين بـ"ضرورة الالتزام بتضمين مخرجات حوار تونس، وفقاً لما هو منصوص عليه في خريطة الطريق للمرحلة التمهيدية للحل الشامل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورفض المبعوث الخاص لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يان كوبيش دعوات تأجيل الجلسة، مؤكداً "أهمية عقد جلسة مجلس النواب للنظر في منح الثقة لتشكيلة الحكومة التي اقترحها رئيس الوزراء المكلف".
ووصف كوبيتش الجلسة بأنها "خطوة مهمة أخرى نحو استعادة وحدة وشرعية المؤسسات والسلطات الليبية، بما يحقق وحدة البلاد وسيادتها واستقرارها"، ودعا إلى "عدم عرقلة هذه الجهود تحت أي ذريعة، بما في ذلك تناقل أخبار مزيفة، مثل الرسالة النصية المتداولة حول التحقيقات التي تجريها الأمم المتحدة بشأن مزاعم الرشوة".
توقعات متباينة
وتحظى الجلسة المرتقبة لمجلس النواب في سرت باهتمام ومتابعة كبيرين في ليبيا، وسط توقعات متباينة حول مصير الحزمة الوزارية المقدمة من رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة إلى مجلس النواب، يميل أغلبها إلى ترجيح مرورها مع بعض التحفظات عليها، أو طلب التعديل فيها بتقليص عدد الوزارات الموسع، أو تغيير بعض الأسماء التي دفع بها لشغل الحقائب الوزارية في هذه التشكيلة.
وكشف عضو مجلس النواب عيسى العريبي، عن "إصرار جميع النواب في سرت على إعطاء الثقة لحكومة عبد الحميد دبيبة"، وأضاف، "النِّصاب مضمون في الجلسة مع حضور 120 نائباً والجميع مصر على منح الثقة لحكومة دبيبة، ومساعدتها على العمل في أجواء مناسبة".
بينما أعرب عضو مجلس النواب خليفة الدغاري، رئيس كتلة السيادة الوطنية في مجلس النواب، عن "شكوكه في أن يتم تمرير الحكومة الجديدة من أول مرة، مع وجود كثير من التحفظات عليها". وتابع، "القصد من الحكومة الموسعة كان إرضاء كافة الأطراف دون إقصاء، لكن هذه التشكيلة تخللها كثير من الأخطاء، بينها عودة شخصيات من حكومات سابقة، كان يفترض إبعادها لما شاب تلك الحكومات من فساد مالي وإداري".
أما الناطق باسم المجلس الأعلى للدولة محمد عبد الناصر، فعبر عن أمله في أن، "يتم ترتيب الأولويات بشكل يفضي إلى بناء سليم لشرعية السلطات التنفيذية المقبلة، بأن يقوم مجلس النواب أولاً بتضمين خريطة الطريقة المتفق عليها في الملتقى السياسي الليبي للإعلان الدستوري، استجابةً لما ورد في الخريطة نفسها، واستناداً لما تنص عليه المادة 12 من الأحكام الإضافية في الاتفاق السياسي الليبي، ومن ثم يقوم مجلس النواب باختصاصه في منح الثقة طبقاً لنظامه الداخلي".
ويرى رئيس مجموعة العمل الوطني الليبي خالد الترجمان، أنه لا يوجد ما يمنع منح مجلس النواب الثقة لحكومة الوحدة في جلسة سرت، وأضاف، "أعتقد أنه ليس هناك ما يمنع من حصول الحكومة الجديدة على الثقة، بعد أن وصل الشعب الليبي إلى هذه المرحلة"، وأشار إلى أنه "من المهم أن تمنح الحكومة الفرصة لتقود البلاد نحو الانتخابات كهدف رئيس، لأن حلحلة المشكلات الاقتصادية وتحقيق المصالحة الوطنية مسائل تحتاج إلى سنوات من العمل".
وأبدى الترجمان رأيه في التشكيلة الحكومية التي قدمها دبيبة لمجلس النواب، بقوله، "رئيس الحكومة قدم حكومة موسعة بأسماء كثيرة، بعضها غير معروف، وبعضها محسوب على تيارات سياسية مختلفة، وآخرون من التكنوقراط، وبشكل عام أعتقد أن هذه الحكومة يمكن مرورها مع تعديلات بسيطة، كونها حققت الشرط الأهم الذي يمنع عرقلتها، وهو إرضاء كافة التيارات السياسية الفاعلة في المشهد الليبي".
توحيد الميزانية العامة
في خطوة أخرى تلقاها الشارع الليبي بترحيب كبير، وتشكل دعماً كبيراً لحكومة الوحدة الوطنية، في حال حازت على موافقة البرلمان في جلسة اليوم، قال نائب رئيس المجلس الرئاسي في حكومة "الوفاق" أحمد معيتيق، الأحد، "اليوم وبشكل رسمي أسدل الستار على حقبة الانقسام المالي بين وزارتي المالية غرباً وشرقاً".
ووصف نائب رئيس المجلس الرئاسي هذه الخطوة بأنها "اللبنة الأولى في طريق توحيد مؤسسات الدولة".