ملخص
وفق معلومات أميركية وإسرائيلية، سيركز هوكشتاين خلال الأيام التي سيبقى فيها بواشنطن لإجراء الاتصالات والمحادثات بين تل أبيب وبيروت، على مستند الضمانات الأميركية لحرية سلاح الجو الإسرائيلي بالقيام بنشاطات داخل لبنان، في حال تم انتهاك الاتفاق من دون معالجته إلى جانب سبل التعامل مع جوانب غير مذكورة في الاتفاق بشكل مباشر وتشرح كيفية التعامل معها، بينها نقل الأسلحة وتعزيز قدرات "حزب الله" العسكرية.
أقلعت فجر أمس الجمعة طائرة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين من تل أبيب عائداً إلى واشنطن بعد لقاءاته مع المسؤولين الإسرائيليين، وقد تركوا له ثغرات قليلة في الاتفاق المتبلور مع لبنان.
الثغرات كان يمكن التوصل إلى حلول لها خلال وجود المبعوث الأميركي في تل أبيب لكن الضربة التي وقعت على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خلال لقائه مع هوكشتاين بإصدار المحكمة الجنائية قرار اعتقال ضده وضد وزير الأمن السابق يوآف غالانت، جاءت مؤلمة وجعلت ملف لبنان، الذي تصدر أجندة الإسرائيليين على مدار الأسبوع الأخير ثانوياً أمام ما اعتبره الإسرائيليون خطورة قرار المحكمة الدولية والمعادي للسامية، الذي سرعان ما هيمن على الأحداث وأخفت حدة الخلاف والنقاشات التي كانت تسود بشأن اتفاق لبنان وصفقة الأسرى في غزة.
الأجواء التي فرضها قرار المحكمة الجنائية أضفى تعتيماً على مجمل محادثات الملف اللبناني، وخلافاً لما حصل في بيروت بعد انتهاء اللقاءات مع هوكشتاين، ولما هو متبع بعد زيارة مسؤول أميركي، بعقد مؤتمر صحافي أو تصريحات مسؤولين، غادر هوكشتاين تل أبيب من دون سماع أي موقف.
نتنياهو، الذي خاطب الإسرائيليين بعد لقائه هوكشتاين وخلال لقاء المبعوث الأميركي مع وزير الأمن يسرائيل كاتس، ورئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي، لم يتطرق بالمطلق لمحادثات اتفاق لبنان أو زيارة هوكشتاين واقتصر حديثه على الموقف الإسرائيلي من المحكمة الجنائية.
هذا التعتيم لم يعكس فقط الوضع الجديد الذي دخلت إليه إسرائيل بعد قرار المحكمة وخطورته، إنما فرضه متخذو القرار بهدف عدم اتساع النقاش أو إثارة حملة واسعة ضد الاتفاق من شأنها أن تزيد العراقيل أمام وقف النار وإمكانية التوقيع على الاتفاق بأقرب وقت ممكن.
الضمانات الأميركية
وفق معلومات أميركية وإسرائيلية، سيركز هوكشتاين خلال الأيام التي سيبقى فيها بواشنطن لإجراء الاتصالات والمحادثات بين تل أبيب وبيروت، على مستند الضمانات الأميركية لحرية سلاح الجو الإسرائيلي بالقيام بنشاطات داخل لبنان، في حال تم انتهاك الاتفاق من دون معالجته إلى جانب سبل التعامل مع جوانب غير مذكورة في الاتفاق بشكل مباشر وتشرح كيفية التعامل معها، بينها نقل الأسلحة وتعزيز قدرات "حزب الله" العسكرية.
في جانب الضمانات الأميركية، بعد أن أصرت إسرائيل حتى وصول هوكشتاين على أنها تريد أن تكون الضمانات بنداً من بنود الاتفاق وليس مستنداً مرفقاً له، اقتصر المطلب الإسرائيلي، بعد محادثات هوكشتاين على ضم دولة أو أكثر إلى مستند الضمانات حتى يتاح لإسرائيل العمل بحرية وتكون مدعومة، ليس فقط من واشنطن.
في هذا الجانب يقول رئيس الاستخبارات العسكرية، عاموس يدلين، إن التعنت بموقف تعديل في بند هنا أو هناك لن يغير شيئاً، بل من شأنه أن يضع عراقيل تمنع التقدم في المفاوضات، وهو أمر ليس في مصلحة إسرائيل.
وبرأي يدلين فإن إسرائيل ستخرج من هذا الاتفاق قوية جداً مع ضمانات أميركية كافية لأن تمنح الشرعية لإسرائيل في حال تم انتهاك الاتفاق من قبل "حزب الله" من دون معالجته، بإطلاق طن من المتفجرات باتجاه الهدف التابع لـ"حزب الله" ويشكل اختراقاً للاتفاق.
ويدلين كغيره من أمنيين وسياسيين يدعون إلى ضرورة التوصل إلى الاتفاق قريباً، وبرأيه يمكن إنهاء الحرب في الشمال خلال الأسابيع المقبلة وربما حتى الأيام القليلة المقبلة. ويقول: "لبنان في وضع صعب للغاية، أكثر من مليون نازح وهناك قصف إسرائيلي مكثف في الضاحية وبيروت لم يتوقعه اللبنانيون والذي ينفذ ضمن معادلة بيروت– تل أبيب، وأما استعداد حزب الله لفك الارتباط عن غزة فهذا بحد ذاته إنجاز لإسرائيل"، ولذلك، يؤكد يدلين أنه "على متخذي القرار عندنا أن يستغلوا هذا الإنجاز ويتجاوبوا مع جهود هوكشتاين التي سيواصلها من واشنطن والاتفاق على وقف النار قريباً، ما يقترحه لنا هوكشتاين يعطينا أساساً مهماً لضمان الأمن في المستقبل".
وتوجه يدلين إلى الأصوات التي خرجت تعارض هذا الاتفاق بالقول: "من يعتقد أنه يتعين علينا قتل آخر عضو في حزب الله في شمال لبنان فهو مخطئ فهذا ليس هدفنا كما لا يمكننا أن نقضي على حزب الله وقدراته العسكرية، هدفنا من الحرب هو إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانب آخر، يتطلب على هوكشتاين إيجاد صيغة يتوافق الطرفان حولها في ما يتعلق بكيفية التعامل مع انتهاكات مخفية عن الأنظار، بمعنى أن قوات الجيش الإسرائيلي التي ستكون منتشرة على طول الحدود الشمالية مع وحدة مراقبة وآليات متقدمة ومتطورة لمراقبة ورصد التحركات في الطرف اللبناني ستكون قادرة على الإبلاغ عن رصدها انتهاكات للاتفاق، تحديداً اقتراب عناصر "حزب الله" من الليطاني أو الحدود الشمالية، أما في مجال نقل أسلحة وتعزيز القدرات العسكرية لـ"حزب الله"، فهذا جانب تطالب إسرائيل بصيغة واضحة لا تشوبها خلافات مستقبلية.
أما اللجنة التي سيتم تشكيلها لمراقبة الاتفاق، فما زال هناك نقاش حول الدول التي ستشارك فيها، إسرائيل تريد بريطانيا وفرنسا، وهو مطلب، بحسب إسرائيليين لم تتم الموافقة عليه وفيما وجود جنرال أميركي من القيادة المركزية الأميركية "سينتكوم" في اللجنة يجعل التحيز أكثر لإسرائيل تُطرح مشاركة دول عربية في اللجنة وضمن الأسماء المطروحة الأردن ومصر والإمارات.
هذه الجوانب التي نوقشت خلال لقاء هوكشتاين مع المسؤولين الإسرائيليين لم يتم التوصل إلى صيغة نهائية حولها، وهي، بحسب أكثر من مسؤول، قابلة للتفاهم، وبالتالي التوصل إلى اتفاق قريب.
وقف النار كبديل اتفاق
في سياق النقاش الإسرائيلي حول ضرورة وقف النار في لبنان لأسباب عدة، بينها اعتراف الجنود بصعوبة القتال المباشر مع "حزب الله" في أرض لبنان والارتفاع المستمر في عدد القتلى والجرحى، حيث أعلن الجيش أن ما لا يقل عن ألف جندي أصيبوا خلال العملية البرية، كما أشار تقرير إلى أن الجيش استكمل بنك أهداف العملية البرية "سهام الشمال"، وبات من الضروري إنهاء القتال، وغيرها من الأسباب.
أمام هذه الوضعية، طرح الإسرائيليون فكرة وقف النار لمدة 60 يوماً، أي هدنة بين الطرفين، وهي الفترة التي تحددها المرحلة الأولى من الاتفاق، على أن يتوصل الطرفان إلى تفاهمات كاملة ومن ثم التوقيع على الاتفاق وسط هدوء على طرفي الحدود.
مسؤولون سياسيون قالوا إن نتنياهو يدعم مثل هذا الاقتراح لأنه يحقق له رغبته في إهداء الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاتفاق هدية عند عودته إلى البيت الأبيض، وعدم تسجيل إنجاز هذا الاتفاق لمصلحة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن.
أكثر من سيناريو مطروح للأيام المقبلة، لكن أبرزها أن هوكشتاين سيتوصل من خلال اتصالاته مع الطرفين من حيث يتواجد في واشنطن إلى نص نهائي للاتفاق وستكون مغادرته واشنطن فقط لتوقيع الاتفاق.
وإلى حين تحقيق ذلك يقف نتنياهو أمام تحديات أكثر من ملف، غزة والمحكمة الدولية ومحاكمته مطلع الشهر المقبل بمخالفات جنائية وتجنيد الحريديين، إضافة إلى ملف لبنان، الذي أشار استطلاع رأي أجرته "القناة 12"، إلى أن أكثرية الإسرائيليين تدعم اتفاقاً مع لبنان، لكن الوضع معاكس تماماً بين اليمين ومؤيدي نتنياهو حيث يرفض الاتفاق 55 في المئة ويؤيده 25 في المئة فقط، وهذا يشكل تحدياً كبيراً ينعكس أيضاً على المجلس الوزاري الأمني المصغر، الذي سيصادق على الاتفاق قبل التوقيع عليه.
أما سكان الشمال الذين دعاهم مسؤولون للعودة إلى البلدات الصالحة للسكن تجندوا إلى جانب رؤساء البلدات لشن حملة واسعة لمعارضة الاتفاق مرفقة بمطالب ستقدم إلى المجلس الوزاري الأمني المصغر قبل توقيعه على الاتفاق، بينها إقامة منطقة عازلة بعمق كيلومترين على الأقل في الأرض اللبنانية ومنع إعادة تأهيل وبناء البلدات اللبنانية القريبة من الحدود، التي دمرتها هذه الحرب.
ويهدد سكان الشمال بعدم عودتهم إذا ما عاد اللبنانيون إلى قراهم المحاذية للحدود، ليفرضوا المعادلة على هذه المنطقة الحدودية "ضمان الحياة للبلدات الإسرائيلية وسكانها ومنعها في البلدات اللبنانية".