تستعرض سارة الميمي (22 سنة) صور تخرجها في الجامعة على مواقع التواصل الاجتماعي، مستقبلة التهاني والدعوات لإيجاد فرصة عمل، فالسوق الفلسطينية التي لا تطرح أكثر من 8 آلاف وظيفة على مدار العام، ستدفع سارة و 40 ألف خريج مثلها سنوياً إلى خوض معارك وامتحانات صعبة لنيل الوظيفة، بخاصة أن المحسوبية في الوظائف الحكومية والخاصة هي أكثر أنواع الفساد انتشاراً في المجتمع الفلسطيني (بحسب تقرير البنك الدولي)، ناهيك عن أن تخصص الصحافة والإعلام الذي تخرجت منه يتصدر النسبة الأعلى من بين الخريجين العاطلين من العمل، بنسبة فاقت 86 في المئة بين الإناث. في حين أن 56 في المئة من خريجي الجامعات والمعاهد الفلسطينية ممن يحملون شهادة دبلوم متوسط يسجلون أعلى نسبة من العاطلين من العمل.
اضطهاد وتهميش
السياسية الفلسطينية حنان عشراوي (عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير سابقاً) تقول لـ "اندبندنت عربية": "المرأة الفلسطينية تعاني من اضطهاد وتهميش سياسي مقصود، فالمجتمع الفلسطيني ما زال يتعامل معها بالنظام الأبوي والعشائري التقليدي، وسوء استخدام الدين والعادات والتقاليد؛ لتبرير الظلم الواقع عليها بهدف إقصائها وتهميشها، سيضعف من تطورها وانطلاقها نحو انتزاع حقوقها المشروعة. يجب أن تكون هناك تدخلات قوية من الفصائل والأحزاب، في ما يتعلق بالمشاركة الفعلية لها في البناء والتغيير ووضع القرار السياسي والاقتصادي، حيث نجد أن هناك محاولات هيمنة ذكورية فعلية، ومحاولات مقصودة لإقصاء المرأة عن المشاركة الفاعلة، فالثقافة السياسية السائدة والنابعة من العقلية السياسية ما زالت تقاوم مشاركة المرأة في كثير من الأحيان، ولهذا على التشريعات والقوانين أن تكفل حقوق وواجبات المرأة لتكون قادرة على العمل ضمن الأطر السياسية والقيادية، أهمها تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي بشأن تمثيل المرأة بنسبة لا تقل عن 30 في المئة في جميع مؤسسات الدولة، وضرورة التدخل الإيجابي عبر تكريس العمل بـ "الكوتا" النسائية في الانتخابات والتوظيف، ورفعها إلى نسبة 40 في المئة إنسجاماً مع اتفاقية سيداو".
توعية حقيقية
ولكي تمارس المرأة الفلسطينية دورها السياسي بشكل أكثر إيجابية تقول عشرواي، "يجب أن تكون هناك حملة توعوية حقيقية شاملة مع تثقيف ذاتي مجتمعي، ضمن المفاهيم والقضايا الجوهرية التي تخص المرأة، وعلى الرجل المشاركة فيها كي لا تصبح قضاياها هامشية، وهذه الحملة تبدأ من البيت ثم المدرسة وبقية المؤسسات الأخرى، ولا بد للمرأة الفلسطينية الانخراط في العمل الجماعي بمشاركة الرجل، لتصبح قادرة على تحدي ومواجهة النمطية الذكورية في مجالات العمل القيادي، فتحصين المرأة من تحصين المجتمع، والسلم والأمن المجتمعي لا يكتمل إلا بوجود امرأة متسلحة بكامل حقوقها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الإناث أقل حظاً
مديرة مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت تتحدث لـ "اندبندنت عربية" عن أن طبيعة المهنة الإعلامية في البلاد تغيرت، وأصبحت تتجه إلى الإعلام الجديد الرقمي والمهني، لكن المعضلة الأساسية تتمثل في أن خريطة التعليم الممنهج في الضفة الغربية وغزة (57 جامعة ومعهداً وكلية) مع تخصصات الصحافة والإعلام ما زالت تبارح مكانها بمناهج تقليدية رتيبة، بالتالي أصبحت المخرجات التعليمية المختلفة لا تتواءم وما تتطلبه سوق العمل، في حين أن المشغلين المحليين لا يكترثون بأهمية المرأة ودورها في العمل الصحافي وقد تكون المفاهيم والقيود الاجتماعية هي أحد أسباب ارتفاع نسبة البطالة عند الإناث مقارنة بالذكور في هذا التخصص بالتحديد، فالنظام السائد في المجتمع انعكس على واقع مشاركة النساء، وحد من وصولها لفرص عمل في بعض القطاعات الإنتاجية وبعض المهن الأخرى، فالمجتمع الفلسطيني المحافظ يحاصر المرأة في وظائف معينة، ويفضل توظيف الذكور، وهناك تردد توظيف النساء للمتغيرات التي قد تطرأ على حياتهن من زواج وإنجاب، وإجازة الأمومة الإلزامية تشكل أزمة حقيقية بالنسبة لأرباب العمل الذين يزعمون أنها تؤثر سلباً في أرباحهم. ونتيجة لذلك، فإن المشغلين إما يوظفون عدداً أقل من النساء المتزوجات، أو قد يفصلون العاملات لديهم حالما يتزوجن بحجج واهية".
نصف المجتمع
في الوقت الذي أشارت منظمة الأسكوا (لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا) إلى أن المرأة ستخسر ضعف خسارة الرجل من الوظائف، وذلك بسبب جائحة كورونا، أكد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عشية إعلان يوم المرأة العالمي الذي يصادف الثامن من مارس (آذار)، أن 40 في المئة من النساء في فلسطين عاطلات من العمل، فيما يعمل بقيتهن في الوظائف ذات الطابع الخدماتي الذي يعزز الصورة النمطية لحضور المرأة.
رئيسة جهاز الإحصاء الفلسطيني علا عوض تستعرض أحوال النساء بقولها "المرأة الفلسطينية لعبت دورها الطبيعي لإحداث تغيير مجتمعي، من خلال مشاركتها الفاعلة التي تمثل نصف المجتمع بنسبة وصلت إلى 49 في المئة، إلا أن نسبة مشاركتها في مختلف القطاعات لا تزال منخفضة جداً، وعلى صانعي القرار إدراك دورها المهم والفعال في المجتمع، حيث أن نسبة الطالبات الملتحقات في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية بلغت 61 في المئة من مجموع الطلبة الملتحقين للعام الدراسي 2019/2020، إلا أن نسبة العاطلات من العمل من حملة الدبلوم والشهادات العليا هي 68 في المئة إناث مقارنة مع 35 في المئة ذكور، والحقيقة المؤلمة أنه كلما زاد تعليم المرأة الفلسطينية كلما قلت فرصتها في سوق العمل، إذ تسهم فيه بنسبة 18 في المئة فقط، فيما تمثل 13 في المئة من السيدات منصب مدير عام فأعلى، مقارنة مع 87 في المئة من الرجال".
محاولات شكلية
عام 2014 حاولت السلطة الفلسطينية النهوض بوضع المرأة، حين انضمت إلى اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) من دون إبداء أي تحفظات، وكانت أول بلد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يفعل ذلك، إلا أن إدماج المرأة في الحياة السياسية المؤسسية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة لا يزال بحسب محللين سطحياً جداً في مستواه الحالي، إذ تمثل نسبة النساء 5 في المئة فقط في المجلس المركزي الفلسطيني، و11 في المئة في المجلس الوطني و14 في المئة في مجلس الوزراء (3 وزارات من أصل 22)، فيما هناك سيدة واحدة تتولي منصب المحافظ من أصل 16 محافظاً في فلسطين.
يذكر أن لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، كانت قد أعلنت أن النساء في الضفة الغربية وقطاع غزة يشكلن نحو نصف المسجلين للانتخابات الفلسطينية المقررة في مايو (أيار) المقبل، بنسبة وصلت إلى 49 في المئة، لذلك تتجه الأنظار إليهن كعامل مؤثر وقوي في المشاركة وتحديد النتائج، بخاصة أن مشاركتهن في انتخابات عام 2006 كانت حاسمة. ويمنح قانون الانتخابات الفلسطيني بتعديلاته النافذة (كوتا خاصة للنساء)، أي أن القائمة في حدها الأدنى المكونة من 16 مرشحاً، يجب ألا يقل عدد النساء المترشحات فيها عن 4.